حينما تدخل إلى قصر الحمراء (Alhambra) كما يلفظ بالإسبانية كتعريب عن الاسم الأصلي، تكتشف أن أجدادنا العرب والمسلمين كانوا في قمة التطور العمراني والعلمي بينما كانت أوربا تغط في غياهب الظلام والاستبداد.
ويعتصر قلبك ألمًا عندما تشاهد معالم تلك الحضارة في أرجاء مدينة غرناطة (Granada) كما يطلق عليها بالإسبانية، ويتميز قصر الحمراء بالإتقان في الزخارف العربية والأقواس المغربية والحدائق المطرزة بالنافورات؛ كنافورة الأسود المشهورة ويقع القصر في وسط المدينة على قمة رابية، وتنتشر الحدائق الغناء والينابيع الطبيعية على أطراف القصر لتشكل منظرًا يسر الناظرين ويحزن قلب العرب عندما يتذكرون أنهم كانوا هنا يوما ما، وكانوا أسياد الموقف لكن التفرقة وتفرقهم إلى طوائف وانتشار الحقد بين الطبقات الحاكمة للوصول إلى السلطة والاستفراد بالحكم، كانت سببًا لسقوط الحضارة الأندلسية في شبه جزيرة ايبيريا “إسبانيا والبرتغال”.
أين الملوك …أين صقر قريش؟ أين بنو الأحمر؟ أين دولة الموحدين في الأندلس وأين امراء الطوائف؟ لقد اندثروا كأن ملكهم أوهى من بيت العنكبوت
كنت في إسبانيا في عام 2008 أدرس شهادة الماجستير في المعهد العالي للطاقة في مدريد وكانت لنا زيارة لإحدى مدن الشمال الإسباني للتعرف على الطبيعة الجيولوجية للمنطقة، وفي استراحة الغداء تم اصطحاب الطلاب إلى مطعم في منطقة ريفية خارج المدينة وفي انتظار الغداء لاحظت جدران المطعم مزينة بلوحات فنية أغلبها تتناول البطولات الحربية لفرسان اراغون والملكة ايزابيلا والملك فرديناند، لكن شد انتباهي أن أكبر اللوحات هي لوحة تسليم مفاتيح غرناطة من ملكها الأخير أبو عبدالله محمد الصغير وهو موطأ رأسه ذلا أمام الملكة ايزابيلا والملك فرديناند الخامس وكنا 10 طلاب عرب من أصل 40 طالب فأبلغت زملائي العرب بالخروج من المطعم والاعتذار عن تناول الغداء مع المجموعة فتساءل الأساتذة عن السبب فأبلغتهم بأننا لانستطيع الجلوس أمام لوحة تهين تأريخنا وأننا سنتناول في مطعم أخر وعلى خلفية هذا التصرف قرر الأساتذة والطلاب البقية احترام مشاعرنا والخروج معنا، وابلغوا صاحب المطعم الذي خسر أكبر وفد يزور مطعمه المتواضع أن سبب خروجنا هو تلك اللوحة .
لا غالب إلا الله
لما دخل القائد العربي محمد بن نصر المعروف بمحمد الأحمر أو محمد الأول إلى مدينة غرناطة بعد سقوط الدولة الموحدية رحب به أهل غرناطة هاتفين “غالب غالبغالب”أي منتصر في حربك فأجابهم “لا غالب إلا الله”، وتم وضع هذه الجملة المشهورة ذات الدلالة الواضحة بأن الأمور تبدأ وتنتهي عند مشيئة الرحمن عز وجل وأن الملك لله وهو الغالب والمنتصر أبد الدهر، تم وضع هذه الجملة في جدران قصر الحمراء في غرناطة في الأندلس الإسبانية ولا تكاد أي جدار من جدران قصر الحمراء تخلو من هذه الجملة ذات المعاني الكبيرة.
إن لقصة سقوط غرناطة عبرة لنا لا بد من أن نتذكرها دومًا ويجب أن لا ننسى التاريخ المؤلم ليوم انتهاء العصر الأندلسي الإسلامي وهو يوم الخامس والعشرين من نوفمبر 1491، ذلك اليوم المروع الذي نكست فيه راية الإسلام بعد سبعة قرون من الشموخ والصمود في أرض الأندلس.
نعم لا غالب إلا الله والملك يومئذ لله، وقد صدق الشاعر أبو البقاء الرندي حين رثى الأندلس وسقوط غرناطة بقصيدته المشهورة:
فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ | لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ |
مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ | هي الأيامُ كما شاهدتها دُولٌ |
ولا يدوم على حالٍ لها شان | وهذه الدار لا تُبقي على أحد |
إذا نبت مشْرفيّاتٌ وخُرصانُ | يُمزق الدهر حتمًا كل سابغةٍ |
كان ابنَ ذي يزَن والغمدَ غُمدان | وينتضي كلّ سيف للفناء ولوْ |
وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ ؟ | أين الملوك ذَوو التيجان من يمنٍ |
أين الملوك …أين صقر قريش؟ أين بنو الأحمر؟ أين دولة الموحدين في الأندلس وأين امراء الطوائف؟ لقد اندثروا كأن ملكهم أوهى من بيت العنكبوت، والسبب هو دومًا تفضيل المصالح الشخصية الدنيوية المادية على المصلحة العامة المتمثلة بالدولة والدين والحفاظ على مقومات تلك الدول وأساسيات قيامها، بعد أن كانت دولة الأندلس دولة متماسكة قوية لمدة ثلاثة قرون انقسمت بعدها إلى 22 إمارة ودويلة لتبدأ عصر ممالك الطوائف وهي بداية سقوط الأندلس التفرقة ذلك الأرضة التي تفتك بأقوى الامبراطوريات في التأريخ.
يعتصر قلبك ألمًا عندما تشاهد معالم تلك الحضارة في أرجاء مدينة غرناطة (Granada) كما يطلق عليها بالإسبانية، ويتميز قصر الحمراء بالإتقان في الزخارف العربية والأقواس المغربية والحدائق المطرزة بالنافورات..
إن لقصة سقوط غرناطة عبرة لنا لا بد من أن نتذكرها دومًا ويجب أن لا ننسى التاريخ المؤلم ليوم انتهاء العصر الأندلسي الإسلامي وهو يوم الخامس والعشرين من نوفمبر 1491، ذلك اليوم المروع الذي نكست فيه راية الإسلام بعد سبعة قرون من الشموخ والصمود في أرض الأندلس، وعند خروج أبو عبدالله أخر ملوك غرناطة وقف على سفح جبل الريان وتنهد بحسرة قوية حتى أن المكان لايزال يسمىزفرة العربي الأخيرة(suspiro del moro)،ولقد زرت هذا الجبل بأطراف غرناطة ولم أستطع التقاط صورة فيه بسبب الألم الذي في داخلي على هذا الملك الذي أضاعه أجدادنا بسبب التفرقة والخلاف على الحكم والتمسك بملذات الحياة.