إذا نظرنا إلى الأحياء التي تتجول في بحر هذه الكائنات السيالة التي لا حد لهها، وبين هذه الموجودات السيارة التي لا نهاية لها، فسوف نرى على كل كائن حيّ أختاما كثيرة وضَعها الحيُّ القيوم. فلننعم النظر إلى ختم واحدٍ منها، وليكن ذلك هو الإنسان، تلك الآية الباهرة.
النحلة كلمة من كلمات القدرة الربانية. إنها فهرس مصغَّر لكثير من الأشياء. فلا يستطيع أن يخلق النحلة إلا من كان مهيمنا على تلك الأشياء كلها.
إنّ الإنسان نموذج مصغَّر للكون كله، وثمرة لشجرة الخِلقة، ونواة لهذا العالَم العظيم. إنه جامع لمعظم أنواع العوالم، كأنه قطرة محلوبة من الكون كلّه مستخلصة بموازين علمية دقيقة. فتأمل أن خلق هذا الكائن الحي –الإنسان- وتربيته ورعايته يتطلب من خالقه أن يكون الكون كله في قبضته وتحت تصرفه، وإلا محال أن يخرج الكائن الإنساني بهذه الصورة إلى الوجود.
قس على ذلك الكائنات الأخرى. فها هي النحلة… كلمة من كلمات القدرة الربانية… إنها فهرس مصغَّر لكثير من الأشياء. ومن ثم فإنه لا يستطيع أن يخلق النحلة إلا من كان مهيمنا على تلك الأشياء كلها.
قس على ذلك.. تسطير جلّ مسائل كتاب الكون في كيان الإنسان.. الإنسان الذي يمثّل صفحة فريدة من صفحات قدرته سبحانه.. وكذلك إدراجَ برنامج شجرة التين الضخمة في بُذيراتها.. تلك البذيرات التي تمثل نقطةً ضئيلة في كتاب القدرة..
إنّ الإنسان نموذج مصغَّر للكون كله، وثمرة لشجرة الخِلقة، ونواة لهذا العالَم العظيم.
وكذلك إبراز آثار أسماء الله الحسنى التي تمتد في تجلياتها إلى ما لا نهاية على صفحات هذا الكون العظيم.. أجل إبراز آثارها في قلب الإنسان الذي يمثل حرفا واحدا من ذلك الكتاب العظيم.. وكذلك إدراج ما لا يمكن أن تستوعبه إلا مكتبة ضخمة لا حدود لها من تفاصيل حياة الإنسان في ذاكرته المتناهية في الصغر…
أجل، كلُّ ذلك دون شك، ختم خاص… صاحبه خالق كل شيء ورب العالمين.
لقد أظهر ختمٌ واحد، من بين أختامٍ ربانية كثيرة، على “ذوي الحياة” نورَه باهرا حتى استقرأ آياتِه قراءة واضحة؛ فكيف إذا استطعتَ أن تنظر إلى جميع “ذوي الحياة” وتشاهِد تلك الأختام معا، وتراها دفعةً واحدة؟! ألن تقول بملء فيك: “سبحان من اختفى من شدة ظُهوره”؟
المصدر: الكلمات، بديع الزمان سعيد النورسي، دار النيل للطباعة والنشر