نظرًا لكثرة الذين يبادرون إلى العمل التطوعي الخيري في وقتنا المعاصر من جمعيات، ومؤسسات، ومنظمات، ومبادرات فردية وجماعية، يأتي هذا المقال ليكون بمثابة محفز لهؤلاء، وقصد ترشيد العمل التطوعي والنهوض به. العمل التطوعي عبادة يتقرب بها الإنسان إلى الله تعالى، ولا يترتب عليه ثواب إلا على حسب نية المكلّف وقصده. والمراد بمقاصد المكلفين، تلك الدوافع والدواعي التي تجعل المكلفين يتجهون إلى عمل ما.
فما هو أثر مقصد المكلّفين في العمل الخيري التطوعي؟
اهتم الشرع الحنيف بمقاصد المكلّفين ونياتهم اهتمامًا كبيرًا؛ ذلك لأن النية هي أسّ العمل وروحه، ولا قيمة للعمل في ميزان الشرع بدون نية خالصة وقصد صحيح. وفي هذا السياق يذكر الدكتور صالح غانم السدلان أن مقاصد العباد ونياتهم محل نظر الشارع الحكيم، العالم بما يترتب على ما أمر به عباده، فقد عُني القرآن الكريم بمقاصد المكلّفين ونياتهم عناية فائقة تفوق الاهتمام بأي مسألة أخرى، كما عُنيت بذلك سنة المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم، ذلك لأن الأعمال لها تأثير في القلب، فإذا أنيطت بالقصد الصحيح والنية الخالصة أَحيت القلب وأيقظته، وإذا لم تقترن الأعمال بالمقاصد الشرعية والنوايا الطيبة أماتت القلب وأعمته، وعدّت في ميزان الأعمال هباءً منثورًا وسرابًا خادعًا، لا يظفر صاحبها بغاية ولا يروح رائحة نعيم، فميزان الأعمال القصد والنية، ومن وراء ذلك العمل”.
الشريعة تريد من المكلف أن يكون قصده موافقًا لقصد الشارع، ومحصلاً للمصلحة التي أرادها من العمل التطوعي، وهو فعل الخير بتحصيل المصالح ودفع المفاسد.
فالأعمال لا تصح إلا بالنية لكونها الفاصلة في صحة العمل وعدم صحته، والدليل على ذلك ما روي بالسند عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى”، فمن أراد أن يتطوع بعمل ما، فعليه أن ينوي به التقرب إلى الله تعالى عند الشروع فيه.
قال ابن القيم رحمه الله: “فأما النية فهي رأس الأمر وعموده وأساسه وأصله الذي عليه يبنى، فإنها روح العمل وقائده وسائقه، والعمل تابع لها يبنى عليها، ويصح بصحتها، ويفسد بفسادها، وبها يستجلب التوفيق، وبعدمها يحصل الخذلان، وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة”.
وانطلاقًا مما سبق، يتضح أن مقصد المكلّفين مهم جدًّا في العمل التطوعي، فهو يساعد على حفز دافعية المتطوِّع، ويشحذ همته ويولد لديه الطاقة اللازمة للقيام بالأعمال التي يختارها، كما أنه ينمِّي الرقابة الذاتية لدى المتطوعين بشكل عام، على اعتبار أنهم يعملون لوجه الله تعالى وابتغاء ما عنده من الأجر.. وهذا يؤدي إلى إتقانهم للأعمال الموكلة إليهم، وينمِّي رغبتهم في الارتقاء بها وتطويرها، لأن الإتقان والتطوير مطلبان شرعيان، وقد قعَّد الفقهاء قاعدة فقهية تشير إلى ما ذكرنا وهي “الأمور بمقاصدها”؛ أيْ إن أعمال المكلف وتصرفاته من قولية أو فعلية، تختلف نتائجها وأحكامها الشرعية التي تترتب عليها باختلاف مقصود الشخص وغايته وهدفه من وراء تلك الأعمال والتصرفات، لأن كل تصرف من تصرفات المكلف يحكمها دافع منبعث من القلب، سواء في ذلك تصرفاته الدنيوية أو الأخروية.
الأعمال لا تصح إلا بالنية لكونها الفاصلة في صحة العمل وعدم صحته
بالإضافة إلى ذلك، فإن الشريعة تريد من المكلف أن يكون قصده موافقًا لقصد الشارع، ومحصلاً للمصلحة التي أرادها من العمل التطوعي، وهو فعل الخير بتحصيل المصالح ودفع المفاسد. فإن كان قصده مخالفًا لقصد الشارع، كأن يجعل العمل التطوعي المشروع وسيلة إلى تحصيل مفسدة أو تفويت مصلحة، أو يكون قصده بالعمل التطوعي مجرد قصد الإضرار بالغير تحت غطاء العمل التطوعي، فهذا كله يؤدي إلى خرم مقصد الشريعة، فلا يجوز القيام بهذا العمل.
ونستخلص مما سبق بيانه، أن من الأمور المهمة في النهوض بالأعمال عمومًا والعمل التطوعي خصوصًا، العناية بمقصد “نية” المتطوِّع، وتهذيب الدافع الأساس لديه، ليتوجه إلى ابتغاء ثواب الله تعالى.