وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين

شهد العالم ثورة هائلة غير مسبوقة في مجال الاتصال والتواصل وتدفق المعلومات، وهذه الثورة أنشأت تحدياتٍ هائلةً على مستويات عديدة.
وقد ربط انتشار شبكة الإنترنت في منتصف التسعينات أرجاء العالم، وأحدث ثورة حقيقية في عالم الاتصال جعلت العالم أشبه ما يكون بقرية صغيرة، ثم أصبح الآن أشبه ببيت متعدد الحجرات.
ولا شك أن وسائل التواصل الاجتماعي قد جسدت بشكل واضح هذه الثورة التكنولوجية والمعلوماتية، وقد فرضت وسائل التواصل الاجتماعي نفسها بقوة على حياة الأفراد والشعوب والمجتمعات، بل وعلى الحكومات وحياة الناس الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية والإعلامية والثقافية والأمنية والنفسية في العالم كله، بما أصبح لها من تأثير لا يمكن تجاهله في تشكيل وتوجيه الرأى العام، وذلك عبر وسائطها المتعددة؛ المدونات، وفيسبوك، وتويتر، وواتس آب، وانستجرام، وسناب شات، ولينكد إن، ويوتيوب وغيرها.
ومن المؤكد أن لوسائل التواصل الاجتماعي التي لا يمكن الاستغناء عنها في عالم اليوم الذي يتطور بسرعة فائقة، الكثير من المزايا التي يمكن أن تنعكس على حياة المرأة المعاصرة بشكل إيجابي، لكنها في نفس الوقت لها العديد من السلبيات، أي إنها بمعنى أوضح، بمثابة سلاح ذي حدين، من لا يجاريه يتخلف عن عصره، ولكن في ذات الوقت لا يمكن الاستسلام لهذه التكنولوجيا المتطورة دون الوعي ببعض أضرارها والتصدي لتاثيراتها السلبية.
إيجابيات وسائل التواصل الاجتماع
1- تعتبر وسائل التواصل الاجتماعي ملاذًا وملجأ للعديد من النساء اليوم، اللاتي يجدن فيها موطئ قدم لهن، في وقت لا يجدن أي مساحات في الإعلام الرسمي الذي تتحكم فيه الحكومات أو رجال الأعمال أو المتنفذين، وبالتالي يستطعن أن يصلن بإنتاجهن أو أفكارهن إلى أعداد كبيرة من الناس، وأن يعبِّرن عن أنفسهن بعيدًا عن حرّاس البوابات الإعلامية.
2- يمكن القول إنه لولا هذه المساحات الواسعة في العالم الافتراضي، التي أتيحت في السنوات الأخيرة، لما تمكنت العديد من مواهب النساء في الأدب والشعر والكتابة وغيرها، من الخروج إلى العلن والتعبير عن أنفسهن في ظل سيطرة الوساطة والمحسوبية والاحتكار والرأسمالية.
3- لا شك أن لوسائل التواصل الاجتماعي دورًا كبيرًا كمصدر للأخبار والمعلومات، وفي كشف الكثير من الحقائق التي تجهلها المرأة. ولن يستطيع أحد إخفاء المعلومات أو التحكم في نشرها، وهي في واقع الأمر سحبت البساط من أيدي الجهات التي تتحكم في المعلومات، وتريد أن تسيطر على الناس من خلال ذلك.
4- يمكن أن تصبح وسائل التواصل الاجتماعي أدوات في يد المرأة للبناء وللتغيير الإيجابي في أسرتها، أو رفع الظلم عن مواطنيها أو بلدها، في زمن تفرض فيه الكثير من القيود على وسائل الإعلام.
5- إن وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تكون أدوات في يد النساء للتعارف وتبادل الأفكار، والتعاون واكتساب المهارات، والتعرف على الثقافات المختلفة.
6- تسمح وسائل التواصل للمرأة بالاتصال والتواصل الفوري مع العائلة والأبناء والصديقات وعلى نطاقات أوسع، وتعلمها أشياء جديدة وتطور اهتماماتها وتوسع مداركها، وتساعدها على بناء شبكات مهنية في مجال العمل الأكاديمي، أو العمل التطوعي، أو في العمل السياسي والحزبي إذا كانت تعمل بالسياسة.
7- في المجال الديني، هذه الفضاءات التي تتيحها وسائل التواصل، هي ساحة للدعوة ونشر الثقافة الإسلامية، ومكافحة الأفكار المنحرفة، والدفاع عن الدين الإسلامي.
8- يمكن أن تصبح وسائل التواصل الاجتماعي أدوات تساهم في توطيد العلاقات الاجتماعية للمرأة، من خلال تبادل التحية والتهنئة في المناسبات والمواساة في الملمات، وهي وسيلة اتصال رخيصة الثمن بالطبع.
9- تسمح وسائل التواصل الاجتماعي للمرأة بتطوير التعليم والتأهيل والتدريب.
10- قد تتيح لها فرصًا للعمل من داخل البيت.
11- تسمح لها إن كانت تعمل في مجال الصناعة أو التجارة، بإدارة مبيعاتها والترويج لها.
12- وهي أيضًا نافذة مهمة للمرأة للبحث عن وظيفة، أو للتعرف على رغبات المستهلكين لإنتاج منتجات وتسويقها أو الدعاية لها.
13- يمكن أن تعمل المرأة من خلالها، على نشر القيم الإيجابية أو إطلاق مبادرات أو حملات.
الجوانب السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي
أ- إنها تقرب البعيد وتباعد بين الأقربين، أي تقرب بين أشخاص تفصلهم مسافات بعيدة، وتقيم جُدُرًا عازلة بين أفراد الأسرة الواحدة؛ بين المرأة وزوجها وأبنائها، أو تفصل كل عضو في الأسرة عن غيره، حيث يظل كل منهم منشغلاً بجهازه الذكي عمن حوله وربما عن الدنيا كلها، وبذلك تتحول إلى أدوات انفصال وانقطاع، لا وسائل تواصل.
بـ- المبالغة في استخدامها يؤدي إلى إهدار الوقت أكبر ثروة تملكها المرأة.
جـ- الاستخدام غير الرشيد وغير الجاد لهذه الوسائل، يؤدي إلى إدمانها، وهذا الإدمان مدمر.
د- الاستخدام غير الرشيد لها يجعلها عرضة لمحتويات غير لائقة، أو أشخاص دون المستوى.
هـ- الاستخدام غير الرشيد لها، يؤدي إلى أضرار بالغة على الصحة النفسية والجسدية للمرأة، وفي مقدمة الأمراض التي تترتب على استخدامها لساعات طويلة، السمنة والسكر بسبب قلة الحركة للجسم، وكذلك الإرهاق والأرق وضعف النظر وغيرها.
ز- من الناحية الثقافية والعلمية؛ استخدام المرأة العشوائي وغير الجاد لهذه الوسائل، يؤدي إلى تراجع مستواها الثقافي.
حـ- الاستخدام غير الرشيد لهذه الوسائل يسبب مشكلات اجتماعية ونفسية للمرأة، ويؤثر على حياتها الأسرية. ولقد كشفت الدراسات أن ثلث حالات الطلاق في بريطانيا في عام 2011، كانت بسبب سوء استخدام الأزواج لوسائل التواصل الاجتماعي.
ط- هذه المساحات الواسعة من وسائل التواصل الاجتماعى التي تحتوي على كم هائل من بيانات الخصوصية عن الأفراد والمجتمعات أصبحت عرضة لاستخدامها والتحكم بها من قبل جهات تتسابق للسيطرة على الأفراد والشعوب، سواء اقتصاديًّا أو سياسيًّا أو أمنيًّا، سواء كانت جهات محلية أو إقليمية أو دولية، أو حتى على مستوى أفراد يمكن أن يستخدموها للإضرار بأصحابها، وكلها أوضاع خطرة.
يـ- وسائل التواصل يستخدمها البعض في توجيه اتهامات ونشر معلومات خاطئة، أو تغريدات مضلِّلة، أو صور أو فيديوهات مفبركة؛ بغرض الإضرار بشخص أو جهة، والإساءة إلى الأبرياء.
كـ- قد تسيء أيضًا، بعض الشخصيات أو الجهات استخدامها بصناعة صورة مزيفة عنهم، لاكتساب مزايا خاصة أو لتضليل الرأي العام.
لـ- قد تستخدمها بعض الجهات لإثارة الفتن، ونشر الشائعات، وتهديد الأمن والسِّلم والتعايش في المجتمع.
الخلاصة
في النهاية، يمكن التأكيد على أن وسائل التواصل الاجتماعي -كما أي أداة في الدنيا منذ بدء الخليقة- هي سلاح ذو حدين، وأن الحكم عليها يتوقف على مواصفات مستخدمها، وشروط استخدامها، والملابسات المحيطة بعملية استخدامها.
ويمكن القول إنه رغم كل الأضرار التي يمكن أن تترتب على سوء استخدامها، إلا أن إيجابياتها تظل أكبر من سلبياتها، بشرط العمل الجاد للحد من أضرارها، وذلك عبر تكوين الوعي لدى المرأة والمجتمع، والرقابة والتوجيه الإيجابي للمرأة على نفسها وأطفالها وأسرتها، والتوجه الجاد للمجتمع ليكون مجتمعًا منتجًا متطورًا لا مجتمعًا لاهيًا مغيبًا.. وبالعمل على تكوين وتأهيل وتطوير نسائنا بالوعي والعلم والمعرفة والثقافة، لتكون عقولهن عقولاً نقدية قادرة على التمييز بين الغث والثمين، وتأهيلهن أخلاقيًّا ليراقبن الله في السر والعلن، والتصدي لأي انحراف أو فتن، وللتعامل الإيجابي مع وسائل العصر مع الاحتفاظ بالأصالة ومكارم الأخلاق، والحفاظ على التواصل الإنسانى الدافئ الحميم.

(*) نائب رئيس تحرير صحيفة الأهرام / مصر.