منذ العدد الأول من “حراء” وحتى هذا العدد، والأقلام الكبيرة تتحرك بجد على صفحات هذه المجلة وهي في هَمِّ رسم “خصائص الفكر الإسلامي” والإشارة إلى معالمه وحدوده وتُخومه. ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا، إن مقالات الأستاذ “فتح الله كولن” في كل عدد من هذه المجلة، أسهمت إلى حد كبير في الكشف عن قارَّة منظومتنا الفكرية، وعن كنوزها المخفية في مصدريها العظيمين “القرآن والسنة”.
ومقاله اليوم المتصدر لهذا العدد، واحد من إسهاماته بهذا الصدد، فهو -وكما هو دأبه- لازال يرسم بقلمه الحاد والمرهف معالم نظامنا الفكري من وجهة نظر جديدة ومبتكرة قد تعيننا على المزيد من الفهم والإدراك لأعماق هذا النظام المتفرد بخصائصه بين أنظمة الفكر العالمية.
وفي الاتجاه نفسه يأتي مقال الأستاذ “فؤاد البنّا” ليلفت أنظارنا إلى تلك المقاربات والمقابلات التي تواجه الباحثين وهم بصدد التفكير فيما ينبغي أن يكون عليه “المشروع الحضاري الإسلامي”، ومن خلالها ترتسم معالم هذا الفكر وتتوضح اتجاهاته الفكرية والنفسية والحضارية.
أما “الفاتح” بطل “القسطنطينية” العظيم، فهو كما يقول عنه “ممتاز آيدين” ليس برجل سيف فحسب، بل هو رجل سيف وفكر، وكما فتح البلدان وقوض الإمبراطوريات، فقد فتح الأفكار والأرواح، وأنه بفتحه “القسطنطينية” إنما يطوي حقبة تاريخية من حياة الإنسانية ويفتح حقبة جديدة تحمل بذور حضارة جديدة بمفاهيمها وأفكارها.
وهذه الحضارة لا يستطيع الإنسان بناءها ما لم تكن روحه متشبّعة بثقافة الحرّية وحقوق الإنسان والكرامة البشرية. وهذا هو ما يمضي قلم الأستاذ “محمد عمارة” في الخوض فيه وتأشير معانيه ومقاصده وأسبابه وغاياته في النظام الإسلامي.
وفي “عودة الروح” للأستاذ فتح الله كولن، يكتب الأستاذ “أديب الدباغ” عن القاعدة الأساس التي ينطلق منها أستاذنا في البناء الحضاري الموعود، وهذا الأساس هو “الروح” وضرورة عودتها إلى جسد الأمة من جديد لكي تدب فيها الحياة، ومن بعد ذلك تستطيع أن تبني وتعمر.
وعن أهمية القبلة الفكرية والتعبدية للإنسان، يتحدث الأستاذ “أحمد عبادي” لافتًا النظر إلى ضرورة “القبلة” تعبديًّا وفكريًّا للإنسان، كي لا يزوغ نظره ويتشتت فكره بين أكثر من قبلة، أو أكثر من وجهة نظر.
وفي “الهمّ الحضاري” كذلك يكتب الأستاذ “إدريس نغش الجابري” عن “الحضارة الإسلامية والتكامل في بنية التفكير العلمي” الذي ينبغي أنْ يكون مؤطرًا يؤطر هذه الحضارة ويجعلها في مواكبة لأحدث ما يأتي به العلم من معطيات، وهذا هو الذي يحميها دائمًا من التخلف أو السقوط والانهيار…