الإنسان بطبعه اجتماعي يدخل في علاقات متنوعة مع الآخرين ما بين زمالة وصداقة وعمل ونسب ومصاهرة، ومن أهم الأمور في هذا السياق ما نراه في زماننا من انحراف الصداقة عن معناها الحقيقي؛ حيث أصبحت المصالح الشخصية معيارها الأول.
والصديق هو من يلتزم بالصدق في قوله وفعله وصحبته، والصدق مطابقة الكلام للواقع بحسب اعتقاد المتكلم، والصداقة علاقة مودة ومحبة بين الأصدقاء. ولا شك أن سيدنا أبو بكر الصديق -عبد الله بن عثمان بن أبي قحافة بن عامر بن كعب القرشـي- أشهر صديق في العالم أجمع.

لا تصحب الأحمق فإنك لست منه على شيء يريد أن ينفعك فيضـرك.

تعددت الأقوال والآراء في الصداقة والصديق بل وهناك الكثير من الأبيات الشعرية التي تتناول هذا الأمر. وقد يسأل أحدنا نفسه: إذا لم أجد ما أصاحبه وأصادقه فماذا أفعل؟ الإجابة على لسان الإمام علي بن أبي طالب -رضـي الله عنه- الذي نصح بأن تصحب نفسك إذا لم تجد الصديق.
ولأهمية الصداقة أشارت جماعة من السلف الصالح إلى ضرورة الصحبة والألفة ونبذ العزلة والانفراد، وقد تكون الوحدة هي الأفضل أحيانًا ومثلما قال الصحابي أبو ذر الغفاري -رضى الله عنه-: “الوحدة خير من جليس السوء، والجليس الصالح خير من الوحدة”.
من الأَولى بالصداقة؟ سؤال أجاب عنه بعض العلماء والأدباء، ومما جاء في صحبة الأحمق -بهدف تجنبه- ما قاله الإمام علي بن أبي طالب :
فلا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه                                               فكم من جاهل أردى حليمًا حين آتاه
يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ماشاه                                         وللشيء من الشيء مقاييس وأشباه
ويحذرنا أحد الشعراء من مصاحبة الأحمق فأنشد:
إني لآمن من عدو عاقل                       وأخاف خلَّا يعتريه جنون
وما قاله أبو سفيان الثوري: “النظر إلى وجه الأحمق خطيئة مكتومة “، وما قاله جعفر الصادق: “لا تصحب الأحمق فإنك لست منه على شيء يريد أن ينفعك فيضـرك”. ومن الطريف أن الأرقام تحتل مكانة في الأقوال الخاصة بالأصدقاء والإخوان. فأشار بعض العلماء إلى من هو الجدير بالصحبة بقولهم: “لا تصحب إلا أحد رجلين، رجلاً تتعلم منه شيئًا في أمر دينك فينفعك أو رجلاً تعلمه شيئًا في أمر دينه فيقبل منك”، وقيل أيضًا: “لا تصحب إلا أحد رجلين رجلاً ترتفق به في أمر دنياك، أو رجلاً تزيد معه وتنتفع به في أمر آخرتك”.

وهناك أقوال حول الإخوان الثلاثة: “أخ لآخرتك وأخ لدنياك وأخر تأنس به”. ومن أقوال الخليفة المأمون: “الإخوان ثلاثة: أحدهم مثله مثل الغذاء لا تستغنى عنه، والآخر مثله مثل الداء تحتاج إليه في وقت دون وقت، والثالث مثله مثل الداء لا تحتاج إليه قط، ولكن قد يبتلى به العبد وهو الذي لا أنس فيه ولا نفع”.

الوحدة خير من جليس السوء، والجليس الصالح خير من الوحدة.

وقيل: “اجتنب صحبة ثلاثة من أصناف الناس: الجبابرة الغافلين، والقراء المداهنين، والمتصوفة الجاهلين”. وهناك أيضًا أقوال تدور حول أربعة أصناف من الناس: “واحد حلو كلامه فلا يشبع منه، وآخر مر كله فلا يؤكل منه، وثالث فيه حموضة فخذ من هذا قبل أن يأخذ منك، ورابع فيه ملوحة فخذ منه وقت الحاجة فقط”.

كما أن هناك خمسة لا يجب على الإنسان أن يصاحبهم: الكذاب لأنه مثل السـراب، والأحمق الذي يضـرك ولسان حاله يقول إني أُفيدك، والبخيل الذي يقطع بك أحوج ما تكون إليه، والجبان الذي يفر عند الشدة، والفاسق الذي يبيعك بأرخص ثمن.
ترى ماذا عن الحريص على الدنيا؟ صحبته سم قاتل لأن مصاحبته تحرك الحرص على الدنيا بداخلك، وكذلك الحال مع الفاسق؛ لأن من لا يخاف الله لا يُؤْمَنْ عائلته ولا يُوثَقْ بصداقته، وأيضًا المبتدع فيستحق الهجر والمقاطعة فلا تصاحبه أو تأتمنه على سـرك.
لا شك أن صاحب الخلق الحسن هو الأولَى بالصداقة، فإذا صحبته زانك، وإذا مددت يدك بخير مدها، وإن رأى منك حسنة عدّها وإن رأى سيئة سدها، وإن سألته أعطاك، وإن نزلت بك نازلة واساك.
ومن الأشعار التي قيلت في الصداقة :
كم صديق عرفته بصديق                                              صار أحظى من الصديق العتيق
ورفيق رأيته في طريق                                                 صار عندي هو الصديق الحقيقي
وقيل :
مرض الحبيب فعدته                                                   فمرضت من حذري عليه
وأتى الحبيب يعودني                                                 فبرئت من نظري إليه
وكذلك :
وما السر في صدري كثاو بقبره                                  لأني أرى المقبور ينتظر النشرا
ولكنني أنساه حتى كأنني                                      بما كان منه لم أحط ساعة خبرا
ولو جاز كتم السر بيني وبينه                                  عن السر والأحشاء لم تعلم السرا