كوكبنا المسكين

من أعظم المعضلات التي تقضّ مضاجع العقلاء على نطاق الكرة الأرضية وفي عالم المسلمين على وجه الخصوص، فشلُنا في تقبّلنا لاختلافاتنا، مهما كانت هذه الاختلافات، دينية كانت أو ثقافية أو عرقية. لا نريد أن نتقبّل أننا مختلفون، وأننا سوف نبقى مختلفين. هذا مأزقنا الحقيقي، ولا سبيل للخروج منه سوى التحلي بـ”نضج حضاري” يمكّننا من تقاسم الحياة وإثراء ثقافة العيش المشترك فيما بيننا.

ولم يعد هذا الأمر ترفًا، بل بات حاجة ملحة وقضية وجودية، لا سيما إذا عرفنا أن الإنسان اليوم يمتلك من الأسلحة ما تمكّنه من تدمير الكرة الأرضية مائتي مرة. فلا خيار أمامنا -سكان الأرض- إلا أن نجيد التعايش، طبعًا إن كنا نريد للحياة أن تستمر على هذا الكوكب. ومن ثم يأتي مقال المفكر الكبير فتح الله كولن في مستهل هذا العدد دعوة في الصميم حينما يقول “تعالوا نتحدث بقلوبنا”، إذ لا مناص -إن أردنا أن نعيش على الأرض بسلام- من تحكيم لغة القلب ونشر ثقافة الحب، بدلاً من لغة المصالح والبراغماتية القاتلة.

وفي سياق متصل يسلِّط الشريف حاتم العوني الضوء -بأسلوب ذكي- إلى العبقرية الفذة التي يتمتع بها بعضنا في تفتيت مجتمعاتنا إلى فِرَق وجماعات متناحرة في مقاله “الوصايا العشر لتفريق المسلمين باسم الإسلام”. في المقابل يؤكد الدكتور حفيظ اسليماني على معنى جوهري ما زالت حراء تلح عليه منذ عددها الأول هو “مركزية الإنسان في البناء الحضاري”.

لقد أفسحت حراء في هذا العدد مجالاً لخمس مقالات قيمة في العلوم لكي تثري معلوماتنا، وتعمّق نظرتنا، وتدرّبنا على قراءة الكون والحياة من مناظير مختلفة؛ “لغة الطير والحيوان”، “الإلهام في عالم الحيوان”، “حيوانات تستشعر الزلازل”، “جائزة نوبل في الكيمياء وإسهامات المسلمين” سوف تضيف معارف مثيرة على ثقافتنا العلمية.

مقال “بولندا.. أو حين تنتج الأزمة مشروعا” لعثمان أقجه قصة نجاح مختلفة، تنبهنا إلى أن أحلك الظروف قد تحمل في طياتها أعظم الفرص إن لم نستسلم لليأس وكان لنا حلم نؤمن به ونعيش من أجله ونسعى إلى تحقيقه. أما السنوسي محمد السنوسي فيطير بنا إلى “الجامعة مختبر الحياة” ويقدم لنا نصائح ذهبية لاستثمار الفترة الجامعية. ويسلّط الدكتور ناصر أحمد سنه الأضواء على “مرحلة الشباب الباكر كيف نتعامل معها؟” وهو موضوع -لا شك- في منتهى الأهمية والخطورة. والدكتور محمد جكيب يغوص في أعماق “دلالات خطاب كولن في حواراته الإعلامية” مقدِّمًا لنا دراسة نموذجية في تحليل الخطاب. ويؤكد الكاتب القدير بلال حسن التل في مقاله “مفتاح الإصلاح” على أهمية التعليم ودوره المركزي في الإصلاح، مستشهدًا بمدارس حركة الخدمة بناء على دراسات ومعطيات ميدانية، إلى جانب مقالات أخرى لا تقل أهمية عمّا استعرضناه.

كما نتوجه بالشكر الخاص للأديب والشاعر محمد حجاج على لمساته الفنية الراقية في “ألوان وظلال” من هذا العدد. ونشيد بتواصل قرائنا الأوفياء معنا، ونرجو أن يظلوا متفاعلين معنا عبر موقعنا على الإنترنت، وصفحاتنا على مواقع التواصل الاجتماعي، حتى نفيد من تجارب بعضنا ونتعاون على تطوير أنفسنا ومجتمعاتنا معًا.