مرحبًا أيها الإنسان! أنا الصقر.. أقف بين يديك بفخري واعتزازي ومكانتي المتميزة بين الجوارح، حيث أُعتبَر أقوى طير في السماء، ولعل هذا ما يجعلني سيدًا للجوارح. كنت منذ القدم -ولا أزال- موضعَ إعجاب الجميع بأجنحتي القوية الباهرة، ومخالبي المزودة بالأظفار الحادة، ومنقاري المعقوف، ووقفتي المهيبة.. فقد نُسجتْ حولي الأساطير، وصُوّرت عني الأفلام، واستُعملت صورتي في بيارق القوى الجوية، وبعض فرق كرة القدم، وكثير من الشعارات المختلفة.

مكانتي بين المخلوقات

ننقسم نحن الصقور، إلى (75) جنسًا و(300) نوعٍ، ونتوزع إلى فصيلتين كبيرتين وأخرى صغيرتين في الحجم: “Sagittariidae” و”Cathartidae” و”Accipitridae” و”Falconidae”. تمثل الـ”Falconiformes” النوع الأكبر حجمًا والأشد قوة بين الطيور النهارية الجارحة. والرَّخَمَة والصقر والباز والشاهين والحَدَأَة وغيرها من الجوارح الأكبر حجمًا، والأشد قوة من سابقتها تنتمي إلى عائلة الـ”Accipitridae”. نختلف عن بعضنا في حجم الأجنحة وشكل الطيران.

الأجناس الـ(20) والأنواع الـ(75) التي تنتمي إلى الفصيلة الصقرية، ليست جميعها صقورًا حقيقية. ويمكن تصنيفنا إلى أربعة أصنافٍ أساسية تبعًا للحجم وأنماط التغذية والطيران. فهناك الصقور التي تعيش على الحيات (العُقبان)، وصقور البحار، وصقور الغابات. كما أن الصقور الحقيقية، تتمايز فيما بينها بسيقانها ومناقيرها ومؤخرة أرياشها.

خصائصنا وأنماط طيراننا

لا تحمل حناجرنا حبالاً صوتية كما في الطيور المغرِّدة، ولذلك نعتمد في التصويت على ضغط الهواء في فراغ الحجرة الكروية فيها. يحمل الجزء القريب من قاعدة المنقار قسمًا شمعيًّا صلبًا برّاقًا في الغالب تستقر فيه فتحتا أنوفنا.

وعظامُنا المجوَّفة تساعدنا على الطيران كما الحال عند سائر الطيور.

نصطاد في النهار، فالهواء الذي يتصاعد نحو الأعلى مع ارتفاع درجة حرارته، يوفر لنا الطاقة ويسهِّل علينا ركوب الجو والارتقاء إلى العلياء، لننقضَّ بعد ذلك من علوّنا على الصيد -بمجرد تمييزه- في خفة وسرعة.

نعتني جيدًا بوَبَرنا وريشنا ونحافظ عليها حتى تبقى نظيفة، وذلك لألا نتعرض لمشاكل أثناء الطيران أو الصيد، حيث نطير بسرعة تتراوح ما بين (120-130 كم) في الساعة. فنظافة الريش والعناية بها ضروريةٌ لوقايتها من تأثيرات الماء والهواء، لذلك خلَق لنا صاحب الرحمة المطلقة في ذيولنا، قطعةً دهنيةً تعمل على فرز الدهون، فنأخذها بمناقيرنا وندهن بها سائر أرياشنا.

الصقور الحقيقية التي تتميز بوفرة الوبر في سيقانها، تتوزع إلى 33 نوعًا. وينحدر أكبرنا حجمًا من سلالة (Aquila). وقد تبلغ المسافة بين طرفي جناح صقر الصخور (Aquila Chrysaetos) عند الانقضاض، (220 سم)، كما يتراوح طول جناحه الواحد من (75 سم) إلى (88 سم). هذا وقد تبلغ فتحة الجناح عند ملك الصقور (Aquila Heliaca) (210 سم)، وعند صقر السهول (Aquila Nipalensis) (260 سم).

لدينا قدرة عالية على المناورة التي لا تملكها أحدث أنظمتكم الحربية من الطائرات، حيث تؤمّن لنا هذه المناورة ضبط السرعة حتى لا نرتطم بالصخور أثناء الانقضاض، وتساعدنا على الفرملة التي تؤمِّن الإمساك بالصيد حيًّا، وبالتالي الانتقال إلى الارتفاع والطيران من جديد.

تعلمون أن ما سبق كله من السمات والخصائص، لم يكن بعلمي ولا تدبيري، ولا يمكن أن يبلغه عقلي ولا تفكيري.. فالحيوانات تتصرف في الحياة بتقدير إلهي، فتعرف به كيف تسعى نحو أرزاقها، وكيف تنالها، وكيف تعالج نفسها من أمراض تصيبها، وكيف تتكيف مع شروط الحياة المتقلبة إليها.
أقسام الصقور وبيئاتها

تضم الصقور البحرية عشرة أنواع أشهرها الصقور الكبير الذي تتخذه الولايات المتحدة الأمريكية برأسه الأبيض شعارًا قوميًّا لها. يبدأ هذا الصقر حياته برأسٍ قاتمٍ يميل لونه إلى الفاتح تدريجيًّا حتى يبْيَضَّ تمامًا، وذلك عندما يبلغ الثالثة من عمره.

يبني هذا الصقر عشَّه بين الصخور المرتفعة، كما أنه يتميز بمنقاره الضخم الكبير المعقوف، وأصابعِ القدمين ذات النتوءات؛ يستطيع بها الإمساك بالأسماك والفرائس الزَّلِقة. فهو يطارد الحيوانات الحية أحيانًا ويصطاد الأسماك على الرغم من أنه يتغذى على الجِيَف، وربما يغتصب الأسماك التي يصطادُها، منافسوه من صقور الأسماك (Pandion Haliaetus)، يتراوح طوله بين (79-94 سم)، وتبلغ فتحة جناحيه (230 سم). تخضع الصقور البحرية ذوات الرؤوس الرمادية للحماية في أمريكا، وتكاد تنقرض في آسيا.

تنقسم صقور الحيات والزواحف إلى نحو 16 نوعًا، وتتميز بسيقان قصيرة جرداء ذات حراشف مصمَّمة من أجل الإمساك بالحيات واصطيادها… يخرج الذكر للصيد، وعندما يمسك بالفريسة، يقتلها ويمضي بها إلى عشّه ليطعم أنثاه وفراخه. لقد هيئ هذا الصقر من “الناحية التشريحية” لصيد الحيات وهو مَحْميٌّ من سمومها… فقد تجلَّى ربنا بعلمه المحيط واسمه المصوِّر واسمه المدبِّر على هذا الصقر فغطى ساقيه بحراشف سميكة وقوية تقيهما من عضات الحيات وسمومها!

وقد يبني صقر الحياة عشَّه على الأشجار الضخمة الكبيرة أو الصخور العالية. تصل أطوالها إلى (63-64 سم)، وتبلغ فتحة جناحيها (190 سم).

تعيش صقور الغابات في وسط وجنوب القارة الأمريكية، وتبلغ من الحجم ما تستحق به دخول كتاب الأرقام القياسية؛ فإذا كان وزنها في المتوسط يبلغ (4,5 كغ)، فوُجد -في حديقة الحيوانات في أمريكا- أنثى من هذه الفصيلة بلغ وزنها (12,3 كغ). كما يبلغ متوسط وزن الكبار منها (9 كغ)، إذ تستطيع أن تصطاد بسهولة قردًا يزن (9 كغ)… فرفاقنا من هذه الفصيلة لا تُتعب نفسها باصطياد الحيوانات الصغيرة التي يقل وزنها عن (5 كغ).

حِدَّةُ البصر الخارقة

جميع الأصابع تشير إلينا عندما يُطرح السؤال عن أكثر الأبصار حدَّةً بين الحيوانات. فصقور الصخور -على سبيل المثال- يميز حركة الأرنب على مسافة (2 كم)، فيهوي نحوه في سرعة فائقة وينقض عليه.

أوليست هذه نعمة عظمى مُنحت إلينا؟ وإلا كيف لنا أن نصطاد ونؤمِّن قُوتنا وطعامنا؟! فبهذه النعمة من قوة الإبصار فقط، يمكن أن تتكامل عظمة الصنعة الإلهية في مخالبنا وأجنحتنا ومناقيرنا وعضلاتنا وقدرتنا على المناورة والطيران.

وقد وهبني خالقي -إضافة إلى الجفون- غشاءً رقيقًا ليحمي عيني من الأضرار، حيث يتقدم ويتأخر هذا الغشاء دون أن يعيق الرؤية والبصر. وتحمل عيناي طاقَةً جبارةً تشبه طاقة التنويم المغناطيسي، فنظرةٌ واحدةٌ مني لعينَي الفريسة تجعلها في حالة تشبه الشلل.

وعلى الرغم من أن قوة بصري تبلغ ثمانية أضعاف أبصاركم؛ فإن وزن دماغي يبقى صغيرًا أمام دماغكم، ولو كانت وظيفة الإبصار متعلقة بحجم الدماغ، لكانت عيونكم أقوى على الإبصار من عينَي؛ لأن أدمغتكم تشكِّل (2-2,5%) من أجسامكم، في الوقت الذي يشكِّل فيه دماغي (0,6%) من جسمي، وهذا يعني أن الدماغ لا يعدو كونه ستارًا فقط لقدرة العيون. وإن الله الواحد الأحد، هو فقط صاحب القدرة الحقيقية والعظمة الكاملة، فسبحان من أحسن كل شيء خَلَقَه.

يعيش ذَكَر الصقور مدى الحياة مع أنثى واحدة فقط، وهذا أمرٌ مشتركٌ بين الصقور… يواصل معيشته في عشّ واحد، إذ يبنيه في مكان مرتفع يصعب الوصول إليه، ويعتني بأنثاه في وقت التفريخ، حيث يسعى إلى تلبية حوائجها حرصًا منه على الفراخ؛ فيخرج كل يومٍ إلى الصيد ليؤمِّن الغذاء لنفسه ولأنثاه المهيأة للأمومة.

تختلف فترات التكاثر والنمو من نوع لآخر بين الصقور، وتتراوح بيوض الإناث من بيضة إلى سبع بيضات في العام الواحد تبعًا لحجمها وضخامتها.وقد تنام الأنثى على البيوض من 28 إلى 60 يومًا، وتختلف فترات بقائها قريبًا من العشّ من أسابيع إلى عامين.

نبني أعشاشنا بما يناسب أحجامنا، فقد عُثر على عشٍّ لصقر أبيض الرأس من صقور البحار أمضى فيه خمسة وأربعين عامًا بوزن ثلاثة أطنانٍ، وقطره (2,9) مترًا، في عمق ستة أمتار. تبيض أنثى هذا النوع من (1-3) بيضات، وتحضن البيض 35 يومًا. هذا وقد تفقس البيوض عن الفراخ في هذا النوع مفتَّحة العيون، تعتني بها الأمّات حتى تبلغ الفراخ سن البلوغ. فالذكور تأتي بالفرائس التي تصطادها، وتقوم الأمّات بتقطيعها بمناقيرها لتُطعم الصغار. كما يتمكن الصغار من الاعتماد على أنفسها والطيران خلال (12-13) أسبوعًا، لكنها لا تبتعد عن أعشاشها وتبقى علاقتها بالأسرة قائمة حتى تتجاوز العام الأول من أعمارها.

لا تحسبوا أن كل ذلك بتخطيطٍ وتدبيرٍ منَّا، بل هو سَوْقٌ وتدبيرٌ وتقديرٌ إلهي يسَّر لنا به أرزاقنا وحياتنا… فسبحان العليم الخبير.

بعض الشائعات التي تدور حولنا

كثيرة هي الشائعات التي تدور حولنا؛ فبعضها صحيحة وبعضها الآخر مبالَغ فيها. ففي السويد يقال -مثلاً- بأن صقرًا أبيض الرأس من صقور البحار خطف صغيرًا من الوعول يبلغ وزنه (6800) غرامًا.

وفي النرويج يقال بأن صقرًا أبيض الذيل (Haliaeetus Albicilla) خطف بنتًا تبلغ من العمر أربعة أعوام من بين أهلها، وابتعد بها (1600) متر، وقد تم إنقاذها قبل أن ينال منها الصقر أو قبل أن يصيبها بأذى.

بعض أنواعنا -وفي مقدمتها صقور الجبال- تصطاد الخرفان وتأكلها، وأنتم -بنو البشر- السبب في ذلك؛ لأنكم أفسدتم الطبيعة وغزوتم الغابات، وبالغتم في الصيد الجائر… فلم يبق لنا سوى أن نصطاد كل ما نجده أمامنا.

والصقر المحارب (Polemaetus Bellicosus) الذي يعيش في إفريقيا، يبلغ من القوة أن يتمكن من اصطياد صغار الظباء وبنات آوى، لكنه لا يصطاد سوى “Hyrax”.

أحب هنا أن أتحدث قليلاً عن نعمة الطب الوقائي التي ألهمنا بها خالقنا اللطيف الخبير؛ فنحن نَفْرِش النباتات العطرية في محيط أعشاشنا لطرد الطفيليات والحشرات عن أعشاشنا والدفاع عن بيوضنا.

ربما يبلغ متوسط عمر الصقر في الطبيعة ثلاثين عامًا، أو يبلغ ثمانين عامًا في حدائق الحيوانات، ولكني أفضل العيش ثلاثين عامًا وأنا حرٌّ، على العيش ثمانين عامًا أسيرًا في أقفاص حدائق الحيوانات.

يتناسب سن البلوغ في الصقور طردًا مع أحجامها، فكلما كان الصقر كبيرًا في حجمه كلما تأخر بلوغه.

وأنشطة التكاثر وأعداد البيوض، وأمكنة الأعشاش ترتبط بأعدادنا ومقدار توفر الغذاء في محيطنا. فالصقور ذات الأحجام الصغيرة تتكاثر بأعداد كبيرة نسبيًّا، لأنها تستطيع أن تجد الكثير من الحيوانات الصغيرة التي تصطادها، ولكن الصقور الكبيرة تتكاثر بأعدادٍ أقلّ، لأنها تجد غذاء أقلّ.

لقد تجلى ربنا باسمه الرزاق، فهيأ لنا أرزاقنا، كما هيأ لكل مخلوق رزقه، وتجلى باسمه المُقْسِط فجعل الرزق مناسبًا في غير زيادة ولا نقصان، وتجلى باسمه المدبّر فجعل الأرزاق مرتبة بعضها من بعض في تكامل بديع، كما تجلى باسمه القدوس وجعلنا مع مخلوقات أخرى نعمل من أجل توازن الطبيعة ونظافتها، من خلال اصطياد الحيوانات الضعيفة والمريضة، فنساهم بذلك في التوازن العددي للكائنات الحية.

حاولت هنا وأنا أتحدث عن نفسي وعن الصقور الأخرى، أن أتوجه من الصنعة إلى الصانع، وأتحدث عن أسماء الله ، متمنيًا ألا ننسى جميعًا أننا محاطون بالنعم الكبرى من ألطاف الله وقدرته العالمة الخبيرة، فهل شكرنا نعم الله علينا وعبدناه حق عبادته؟!

ــــــــــــ

(*) الترجمة عن التركية: مصطفى حمزة.