السراج المنير

تعجــب الخلق من دمعي ومن ألمي
وما دروا أن حبّي صغتُه بدمي
أضنانـــي الشـــــوق مــا ليلـــى بفـاتـنـتي
ولا سعاد ولا الجيران في إضم
لكن قلبي بنار الشوق مضطرم
أفّ لقلب جمود غير مضطرم
منحت حُبِّيَ خير الناس قاطبة
برغم من أنفه لا زال في الرغم
يكفيك عن كل مدْح مدَح خالقه
واقرأ بربك مبدأ سورة القلم
شهْم تشيد به الدنيا برمتها
على المنائر من عُرْب ومن عجم
أحيا بك الله أرواحًا قد اندثرت
في تربة الوهم بين الكأس والصنم
نفضت عنها غبار الذل فاتقدت
وأبدعت وروت ما قلت للأمم
ربيــــتَ جيــــلاً أبـيًّا مــــؤمـنًا يقظًا
حسا شريعتك الغراء في نهم
مــحابــــــر وســـــــــجلات وأنـــدية
وأحرف وقواف كنَّ في صمم
فمن أبو بكر قبل الوحي؟ من عمر؟
ومن علي؟ ومن عثمان ذو الرحم؟
من خالد؟ من صلاح الدين قبلك؟ من؟
من مالك؟ ومن النعمان في القمم؟
من البخاري؟ ومن أهل الصحاح؟ ومن
سفيان؟ والشافعي الشهم ذو الحكم
من ابن حنبل فينا وابن تيمية؟
بل الملايين أهل الفضل والشمم
من نهرك العذب يا خير الورى اغترفوا
أنت الإمام لأهل الفضل كلهم
ينام كسرى على الديباج ممتلئًا
كبْرًا وطُوِّقَ بالقينات والخدم
لا همّ يحمله لا دين يحكمه
على كؤوس الخنا في ليل منسجم
أما العروبة أشلاء ممزقة
من التسلط والأهواء والغشم
فجئتَ يا منقذ الإنسان من خطر
كالبدر نورًا يجلي حالك الظلم
أقبلتَ بالحق يجتث الضلال فلا
يلقى عدوك إلا علقم الندم
أنت الشجاع إذا الأبطال ذاهلة
والهندواني في الأعناق واللمم
****
فكنت أثبتهم قلبًا وأوضحهم
دربًا وأبعدهم عن ريبة التهم
بيت من الطين بالقرآن تعمره
تبًّا لقصر منيف بات في نغم
طعامك التمر والخبز الشعير وما
عيناك تعدو إلى اللذات والنعم
تبيت والجوع يلقى فيك بغيته
إن بات غيرك عبد الشحم والتخم
لما آتتك “قُم اللّيلَ” استجبت لها
العين تغفو وأما القلب لم ينم
تمسي تناجي الذي أولاك نعمته
حتى تغلغلت الأورام في القدم
أزيز صدرك في جوف الظلام سرى
ودمع عينيك مثل الهاطل العمم
الليل تسهره بالوحي تعمره
وشيبتك بهود آية “استقم”
تسير وفق مراد الله في ثقة
ترعاك عين إله حافظ حكم
فوّضتَ أمرك للديان مصطبرًا
بصدق نفس وعزم غير منثلم
ولَّى أبوك عن الدنيا ولم تره
وأنت مرتهن لا زلت في الرحم
وماتت الأم لما أن أنست بها
ولم تكن حين ولَّت بالغ الحلم
ومات جدك من بعد الولوع به
فكنت من بعدهم في ذروة اليتم
فجاء عمك حصنًا تستكن به
فاختاره الموت والأعداء في الأجم
ترمى وتؤذى بأصناف العذاب فما
رئيت في ثوب جبار ومنتقم
حتى على كتفيك الطاهرين رموا
سلا الجزور بكف المشرك القزم
أما خديجة من أعطتك مهجتها
وألبستك رداء العطف والكرم
غدتْ إلى جنة الباري ورحمته
فأسلمتك لجرح غير ملتئم
والقلب أفعم من حب لعائشة
ما أعظم الخطب فالعرض الشريف رمي
وشُجّ وجهك ثم الجيش في أُحد
يعود ما بين مقتول ومنهزم
لما رزقت بإبراهيم وامتلأت
به حياتك بات الأمر كالعدم
ورغم تلك الرزايا والخطوب وما
رأيت من لوعة كبرى ومن ألم
ما كنت تحمل إلا قلب محتسب
في عزم متقد في وجه مبتسم
بنيت بالصبر مجدًا لا يماثله
مجد وغيرك عن نهح الرشاد عمي

(*) عالم ومفكر سعودي، ومؤسس مشروع السلام عليك أيها النبي