يظل “كولن” في حالة مرابطة دائمية على أحد أخطر الثغور التي يمكن أن يلج منها الأعداء إلينا، وهذا الثغر هو ثغر الفكر والقلم. فلازلنا نقرأ له على الصفحات الأولى من “حراء” في كل عدد فكراً استنهاضياً مشبعاً بروحانية عذبة.. فمقالة اليوم “ونحن نبني حضارتنا” عبارة عن صرخة روحية وفكرية تهزُّ العقول وتثير غيرة النفس والوجدان على حضارة عملت فيها معاول الهدم عقوداً كثيرة من السنين. فـ”كولن” في هذا المقال يرسم خارطة هذا البناء ويضع القواعد والأسس التي يأمل أن يقوم عليها صرحها العتيد..

أما الأستاذ “الشاهد البوشيخي” ذلك القلم المغربي ذي الثقل الفكري والأكاديمي، فيحدثنا عن “الإنسان” مختزلاً إياه في عنوان مقاله “الإنسان خُلُق وعمل”. فالخلُق والعمل قيمتان إنسانيتان حضاريتان متلازمتان، يغيب أحدهما إذا غاب الآخر، ويحضر إذا حضر الآخر.. والموسوعي الكبير الدكتور “محمد عمارة” فيحدثنا عن الفكر الموسوعي في الحضارة الإسلامية، وعن أثر الإسلام في تشكيل العقل الموسوعي عند المفكرين من علمائنا الموسوعيين..

أما “آخر حرّاس الأقصى” فهي قصة قصيرة واقعية وحزينة ومؤثرة وتكاد تكون من نسج الخيال، وهي تشير إلى مجد عظيم لدولة بني عثمان طويت صفحاته، وكان من آخر صفحاته هذا الجندي العثماني الصلب الذي ظلّ ملازماً مكانه امتثالاً للواجب المقدس وطاعة لضابطه الذي أمره بالوقوف في باحة الأقصى حارساً بينما الجيش ينسحب من المكان..

ولا يفوتنا أن نذكر بالبحث القيم على صفحات “حراء” وهو بقلم الأستاذ “البوطي” متحدثاً فيه عن أحد أعلام دعاة “دمشق” الشيخ “حسن حبنكة الميداني”، الذي كان عالماً غزير العلم، وغزارة العلم تعني عند “البوطي” صفتين من صفات العلماء الكبار هي العمق والاتساع. رحم الله الفقيد وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء..

ومَن أراد أن يتعرف على صفات “المجانين” الذين تضرع “فتح الله كولن” إلى الله تعالى أن يمنحه قلة منهم، فاليقرأ مقال “هؤلاء المجانين” لـ”أديب إبراهيم الدباغ”. فهم شباب تحترق أكبادهم بالوجد الإلهي، لا يستقر بهم مقام ولا يأنسون بحال، يسابقون الزمن ويختصرون المسافات، لا يتعبون ولا يملون ولا يركنون لراحة…

وفي خاتمة هذا الاستعراض لبعض مقالات هذا العدد من “حراء”، نشير إلى أن هذه الأقلام المباركة التي نقرأ نتاجاتها على صفحات “حراء” في هذا العدد وفي أعدادها الماضية والآتية؛ إنما هي أقلام تكشف عن بوارق الأمل وإشراقات الرجاء… مع خالص الاعتذار من الأساتذة الذين أعجزنا ضيق المكان من الإشادة بمقالاتهم القيمة.