إننا ونحن ننجز أبحاثنا في مختبراتنا العلمية، غالبًا ما تتبادر إلى أذهاننا أسئلة تتعلق بمدى إسهام فكرنا العلمي في بناء الحضارة الإنسانية. وهل ما ينجزه فكرنا هو على درجة من الاستقامة العلمية حتى تكون نتائجه لَبِنات في إقامة البناء الحضاري؟ وكيف يمكن لهذه النتائج من خلال نسقها العلمي الحالي الموروث عن فكرة التجزيء التي حصرت العلوم بين مجالي الواقع والعقل أن تسهم في هذا البناء، علمًا بأن صرحه ما قام في فترة الإشراق الحضاري للأمة إلا على قاعدة التكامل مع الوحي، تلك القاعدة التي من خلال تركيبتها كان العالِم فقيهًا والفقيه عالِمًا، فكان العلم فيها متكاملاً مع الدين؟

هذه كلها أسئلة تحيّرنا، بل وتؤرّقنا ونحن نخوض غمار تجاربنا العلمية، في زمان أصبح فيه من المعوقات الفكرية والاقتصادية والبيئية والاجتماعية ما إنّ تداعياتِه لَتستدعي منا نضجًا علميًّا فائقًا، ورشدًا فكريًّا رزينًا. فما السبيل في هذا الزمان الذي أصبح فيه العقل عنوانَ التحدي، إلى إعادة وضع قاطرة العلم على مسارها الصحيح المشمول، ليس فقط بالنظرة التنموية ولكن بالأبعاد الإنسانية والحضارية؟

من المعلوم أن العلم الحضاري هو الذي يكون فيه العالِم يرمي من خلال إنجازاته إلى بناء حضارة إنسانية تخدم كل البشر بدون تمييز. أما العلم الذي يكون فيه همُّ العالِم جلبَ المنفعة لفائدة فئة معيّنة من الناس دون الاكتراث بما يجري في باقي العالَم، فذلك علم نفعي لا يمكن له أن يرقى إلى المستوى الحضاري.

فالتوجه العلمي الحالي بتكريسه لفكرة التجزيء العلمي من أجل التخصص، أورد العالَم موارد خطيرة جعلت الفرد ينحصر في حيز ضيق من مجال المعرفة حجبته عن باقي المعارف.. فهو جزّأ شجرة العلم إلى أغصان متباينة، وفرض على كل باحث أن يتشبث بغصن واحد منها، وأن لا يلتفت ببصره إلى الغصن الآخر حتى يتم توجيه المسار إلى الوجهة التي تمليها مصالحه.

لكن العلم هو أشمل من ذلك بكثير، وأبعد من أن ينحصر في زوايا محدودة بمحدودية التخصصات التي تمليها المصالح. ذلك لأنه رؤية شمولية جامعة ومتوازنة بين الحقائق من شتى التخصصات، القصد منها إيصال الباحث إلى الحقيقة الواحدة التي يحتضنها الكون. أما تلك التخصصات التي تمليها المصالح، فما هي إلا شُعَب من كلية جامعة ذات موضوع علمي واحد عنوانه “الحقيقة”. ومهما كانت حقائق تلك التخصصات جزئية غير منسجمة مع هذا العنوان، فإن معارفها ستبقى شاذة مبتورة بعيدة كل البعد عن الكتاب العلمي الجامع للكون، وعن أبعاده اليقينية المطمئنة لنفس الإنسان التي تمكنه من المساهمة الهادفة في البناء الحضاري. وذلك ما تضمّنه نموذج القرآن في بناء فكر الإنسان ذلك البناء الذي ينسجم مع بناء الكون في صناعة الحضارة، تلك الحضارة التي أرادها لنا صانع هذا الكون، لا التي تمليها مصالح الإنسان ومطامعه.

من هذا المنطلق يجب أن نقيم نتائج العلم الحالي. فإذا كان من دواعي الدهشة والانبهار أن نستعظم ما أنجزه العلم في القرن الأخير مما لم تستطع البشرية تحقيقه على مدى عدة قرون من تاريخها، فإن من دواعي التبصر والاعتبار أن نقف وقفة تأمل لنزن بميزان الأمانة والمسؤولية مضامين ما قدمه العقل للإنسان، ونستحضر بعين المشخص مغزى ما آل إليه واقع العلم اليوم. فالعلم ذلك المشعل الذي لا ينطفئ، هو دليل الإنسان في حياته وبقاءُ عمله بعد مماته. فإن هو احتضنته أيادي أمينة عارفة به أشع بنوره وأضاء، وإن هو وقع في أيدي العابثين ألقى بشراراته فأحرق. والعالِم النافع هو العارف بعبء الأمانة وجسامة المسؤولية. أما الخارج عن هذا الإطار فيعتبر مفرّطًا وظالمًا لنفسه وللإنسانية، لأنه بعمله اللامسؤول قد يورد العالَم مآسي وويلات لن يكون الخلاص منها بالشيء الهين.

إنسان الغريزة والأنانية

فالمصالح التي توجه مسار العلم الحديث، باتت تَعتبر العقل مركز قياس كل شيء ومرجعية أي تحليل أو معالجة، لدرجة أن هاجس السيطرة الذي أصبح يملي توجهات هذه المصالح، جعل الإنسان يُشهِر الحرب على كل مكونات الطبيعة. فحُرِم من لذة الإدراك الفعلي لحقيقة الوجود، ومن نعمة الاستيعاب الصحيح لفلسفة الحياة والموت. وتحددت بذلك معالم البحث العلمي برسمِ دائرةٍ عزلته عن باقي المقومات الراقية للطبيعة، وألزمته التقيّد بمحدودية منافعها الاقتصادية والاجتماعية. فتصدّر العالمَ إنسانُ الغريزة والأنانية وغُيّب عنه إنسان القيم الأخلاقية.

هذا ما آل إليه واقع العلم اليوم لما غَيّب عن ساحته الفكرية حقيقةَ المسار الموروث عن الماضي والمرتبط ارتباطًا جذريًّا بأبعاد الحياة الإنسانية ومستقبل شعوبها، فضَرب على هذا الموروث بطوق من حديد جعله يتنكر لكل الأعراف الإنسانية، بل ويخون بكبريائه وسخريته الأمانة العلمية.. فنهل من علوم السابقين، ونسب إلى نفسه كل الابتكارات دون أن يعترف بفضل الأولين، متناسيًا أن ما وصلت إليه إنجازاته فيه نصيب كبير من إرث الماضي. فكان ذلك كافيًا لفرض قطيعة جذرية مع الماضي قصد صنع مستقبل مُبهَم تساق فيه العلوم إلى واقع تُملِي توجهاتُه مطامعَ الإنسان وغرائزه.

في ظل هذا التوجه الخانق ظهر عالَم متقدم يستحوذ على كل شيء، وعالم متخلف سمي عالمًا ثالثًا عالة على من سواه. وبسبب هذا التوظيف المُفرِط للبحوث العلمية في خدمة مطامع السيطرة والتسلط، حلت بالعالم نكستان أثرتا في مصيره تأثيرًا عميقًا: الأولى تجلّت في حدوث الحربين العالميتين الأولى والثانية، اللتين أنتجتا تصاعدًا مهولاً لم يَسبق له مثيلٌ لوسائل تدمير الأرض والإنسان، والثانية تمثلت في الاستعمار الذي خلّف تدهورًا خطيرًا في أوضاع العالم الثالث، وتناميًا غير مسبوق للأحقاد الاجتماعية.

هكذا في عالم تلاشت فيه أحكام الله، وحُكّمت فيه المصالح والأهواء وقع تبذير الطاقات فيما لا يُجدي نفعًا على البشرية، كالسباق على التسلح الذي لبّس الأرض غطاء نوويًا قادرًا على محو الحضارة الإنسانية والقضاء على العنصر البشري في هنيهة من الزمن. فلئن كان مفعول قنبلة هيروشيما وناكازاكي قد أحدث كارثة بشرية وبيئية في اليابان سنة 1945، فإن سنة 1962 شهدت توقيع بروتوكول الموافقة على صنع القنبلة النووية. فشرّع العالمُ لنفسه هذا العمل تشريعًا جعل السباق على التسلح يتصاعد حتى بلغت ميزانيته ما يعادل عدة أطنان من المتفجرات فوق رأس كل إنسان يقطن الأرض. والعالم المتقدم مشغول ببحوثه واهتماماته بروعة التسلح، بينما الملايين من سكان العالم الآخر يموتون جوعًا ومرضًا واضطهادًا.

وها هي المؤشرات الأولى على آفة هذا التوجه العلمي المُعوَجّ، بدأت تظهر من مخلّفات ما أنتجته يد الإنسان الأثيمة لما كانت الانطلاقة العلمية غير رزينة، والنيةُ في العمل غير سليمة. إذ بعد انهيار المعسكر الشرقي وانتهاء الحرب الباردة، وجدت الدول المصنِّعة نفسها -والعالم معها- أمام تحد كبير بسبب ما تشكله هذه الترسانات الهائلة من الرؤوس النووية من خطر على الأرض والإنسانية. فالتخلص من هذه الأسلحة صار هاجسًا يوميًّا في حياة الناس، والفعالياتُ الإنسانية والبيئية كلها تطالب بإزالة هذه الآفة التي تهدد حياة الناس ومستقبل البشرية. وأخيرًا أدرك العالم هذا الخطر، وقرر التقليل من عدد الرؤوس النووية، لكن ذلك اصطدم بعائقين كبيرين؛ أولهما مادي حيث يتطلب تدمير رأس نووي واحد ما يزيد على المليون دولار، والثاني بيئي يكمن في كيفية التخلص من النفايات المترتبة عن هذه السموم، خاصة وأن المواد المشعة التي تحتوي عليها لا تتلاشى بسهولة مع الزمن، وليس هناك إمكانية للتخلص منها.

الأخلاق ضرورة في العلم

هذا ما جناه العلم على البشرية لمّا جُرد من مقوماته الأخلاقية. فلربما وصل العلماء المسلمون في عهد إشراقهم الحضاري إلى شيء من هذه الاكتشافات قبل غيرهم، لكن ما يمليه الضمير الحي وما تقتضيه ضوابط الحكمة، قد يكون أوجب وَأْدَ هذه المُهلِكات في مهدها ضمانًا لأمن الأرض وسلامة ساكنيها. فقد كان جابر بن حيان -وهو أب الكيمياء باعتراف العالم وهو العالم الفقيه- يوصي بعدما اطلع على خطورة علم الكيمياء قائلاً: “لا تعلّموا الكيمياء إلا لمن تأمنون دينه وخلُقه”. وكأننا بصدد وصية من أب في زواج ابنته هو مطالب بوضعها في يد أمينة. وذلك أسمى تعبير عن مدى مسؤولية العالِم على تحصين العلم ضد أي عبث قد يؤذي الناس أو يفسد معايشهم. وقبل ذلك كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوصي في الدعاء بأن نسأل الله “علمًا نافعًا”. لأجل ذلك حرص الإسلام كل الحرص على الأخلاق في العلم لإعداد الأمة التي ستحمل الأمانة وتؤدي الرسالة، لأن الاستقامة العلمية هي التي تصون الحضارة من الدمار، وبدونها لا تنهض الأمم ولا تقوى مهما بلغت من العلم. فوا أسفاه على ما آل إليه العلم لمّا جُرِّد من الإيمان، ويا حسرتاه على ما فَرّط فيه الإنسان من عطاء جامعات قرطبة وبغداد وفاس وغيرها يوم كانت العلوم تشع بنورها فوق القارات الثلاث بثقافة ترتكز على دعائم الحكمة والإيمان لا على تقنيات الدمار والطغيان.

فإذا نظرنا إلى الماضي المشرق لأمتنا، سنجد أن العالم الإسلامي ما كان ليسبق إلى تأسيس الجامعات في القرن الثامن الميلادي في قرطبة وفاس وتونس وبغداد وغيرها، والتي كانت مهد بناء الحضارة الإنسانية لولا وجود تلك النظرة الشمولية لأبعاد الحياة المبنية على تحرير الفكر من قيود الاستهلاك وإقحامه عالم البحث والاجتهاد في مضامين كل إنجاز وعواقب كل إبداع. فبذلك تضاعف البحث العلمي، وظهرت الفِرَق والتيارات المتنافسة التي ساهمت في بلْورة العلوم وعملت على اكتشاف آيات الله التي هي جزء من عبادته. فاقتحم الإسلام ساحة العلوم الفسيحة من مختلف أبوابها، واضطر العلماء لضرورة فهم القرآن وتفسيره إلى البحث في علوم الرياضيات والفلك والطب والطبيعيات والهندسة وغيرها… كما تطورت مناهج الاستقراء والاستنباط والتوثيق لما في ذلك من ضرورة لضبط العلوم وتدقيقها. واستُعمل المنهج التجريبي للاستدلال على صحة الأشياء بالملاحظة والفرضية والتجربة والبرهان عملاً بقوله ـ عز وجل ـ: (قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)(النمل:64).

وهذا هو الأصل الذي يجب أن ترتبط به الفروع. فأمام هذه القطيعة المأساوية بين أمجاد ماضي المسلمين المشرق ومآسي حاضرهم المؤلم، وانطلاقًا من هذا الكمّ الهائل من الإنجازات المسخرة للإنسان، وجب على ذوي النيات الصالحة -بما مكنهم الله من وسطية- أن يعوا حق الوعي مفهومَ ذلك التحدي الذي لابد هو آت، فيثبتوا مكانتهم بالخروج من نفق الاستهلاك العلمي المظلم إلى فضاء البحث العلمي المشرق، فيطرحوا البديل داخل هذه المتغيرات العالمية قصد إيجاد الحلول لما يعيشه العالم من تخلف أخلاقي وفراغ روحي، وإعادة الاعتبار لمعنويات العلوم حتى يتحقق مفهومها الحضاري العالمي ويتوضّح نهجه المتميز في تعليم أسس العلم ومقاصده. فالوقائع التي سجلها العالم في عقوده الأخيرة، والتي سطر هذا المقال بعضًا من تداعياتها، تُظهر مدى احتياج العلم للدين، وكيف يبقى ميدان البحث العلمي المتنور مادة خصبة لمد الجسور بينهما، وسدّ الفجوة التي تفصل الواقع الحالي للعلم عن مساره الحضاري.

الحاجة إلى بناء نهضة علمية حضارية

وهكذا نجد أن الحاجة إلى انبعاث نهضة علمية جديدة عند المسلمين أصبحت اليوم ملحة أكثر من أي وقت مضى، نظرًا لما يسجَّل من انحرافات خطيرة عن المسار العلمي الصحيح وعن أبعاده الحضارية. إذ لا يمكن لفكر علمي أن يكون حضاريًّا ما لم يَقُم على أسس الاستقامة العلمية. ولا يمكن لعلم بشري أن يستقيم ما لم يَنْبَن على قاعدة تتكامل فيها عناصر الواقع والعقل مع الوحي وفق الدوائر المعرفية الثلاث:

1- دائرة المحسوسات التي تشمل الواقع الذي هو عالَم الشهادة ومفتاحه الحواس.

2- دائرة المعقولات التي تشمل المغيب عن الحواس الذي لا يدرك إلا بقوة الفكر وهو عالم الغيب النسبي ومفتاحه العقل.

3- دائرة الإخباريات التي تشمل المغيب عن الحواس وعن العقل الذي أخبر به الوحي وهو عالم الغيب المطلق ومفتاحه النقل.

وبقدر ما تتنامى هذه الدوائر المعرفية الثلاث في وجدان الإنسان بقدر ما يترقى في درجات الكمال العلمي، وبقدر ما تتعاظم مجالاتها في إدراكه بقدر ما ينال من العلم النوراني، حتى إذا تداخلت نطُقها وتمازجت معالمها، شكلت بينها فضاء متجانسًا للعلم تتكامل فيه عوالم الواقع والعقل والوحي في قراءة تفكّرية للكون هدفها بناء فكر علمي وعاؤه الإنسان الكامل. ومن هنا يجب أن نوقن بأن العلم لا يكتمل إلا إذا نُزّلت دوائره المعرفية الثلاث، تنزيلاً متوازيًا على الزوايا الثلاث لمثلث متساوي الأضلع. أما إذا تم التنزيل على زاوية واحدة أو زاويتين من هذا المثلث دون الأخرى، فسيختل توازنه ويميل إلى ذلك الطرف، وذلك هو مفهوم التطرف.

وهذا يدلنا من خلال بناء العالم الذي يبدي -كما رأينا- جزءًا منه واقعًا، وجزءً ثانيًا معقولاً، وجزءً ثالثًا منقولاً، على أن الإحاطة العلمية لا تتأتى إلا من خلال توحّد هذه الدوائر الثلاث. لأن في ذلك التوحّد ستتجانس خصائص كل دائرة مع خصائص الدائرة الأخرى، مما سيفسح المجال أمام حرية تلاقح المعلومات فتتزاوج عوالم الواقع والعقل والوحي، وتضمن للإنسان التفتح على مقومات الكمال التي من أجلها خلق.

الاستهلاك العلمي والنماذج المستوردة

فهذه إذن هي قاعدة الأساس في بناء نهضة علمية حضارية. وقد تتحقق هذه النظرة إذا التزم كل باحث مسلم بعدم الركون إلى مجانية الاستهلاك العلمي لمنجزات الغير، والرقي بأعماله إلى حقيقة البحث المنبثقة من استعمال العقل في فهم الواقع وإدراك الحق فيه وتحصيله على حقيقته. لأن الباحث، بركونه إلى استيراد منجزات الغير واعتمادِها نماذجَ جاهزةً لصياغة مستلزماته، يكون قد استعمل الاستنتاجات التي كان من المفروض أن يصل إليها عن طريق الاستدلال المنبثق من واقع بحثه مكان الوسائل المعتمدة في البرهنة والإثبات. فيكون بذلك إنما عمل على تجميع الأجزاء وتركيبها دون الإحاطة بأسرار صنعها ودقائق نظمها، مما يفوّت عليه فرصة الإحاطة بحقائق الأشياء عبر التدرج في مراحلها، ويُحدِث في بحثه فجوات أكثر ما تجدها تُملأ بالنماذج المستوردة. وهو أمر لا يستقيم الفكر العلمي به ولا يتقدم؛ إذ يُقحِم العقلَ شيئًا فشيئًا عالم الجمود فيصير محكومًا بعدما جعله الله حاكمًا، ويعود تابعًا وهو الذي يجب أن يكون متبوعًا.

الشيء الذي يستوجب اليوم أكثر من أي وقت مضى، نَبْذ التقليد بعرض كل معروض على محك التجربة المدققة، وإخضاع كل وارد لميزان العقل والنقد البنّاء. فإذا تجاوز الأمر مستوى الإدراك العقلي للباحث ونكث في قلبه منه نكث، فلا يقبل منه إلا بشهادتي الكتاب والسنة. وليستفتِ قلبه، فإن العقول إذا كانت تتكامل في صناعة العلوم فإن القلوب تتفاضل في صياغة الفهوم. وما عصم الله عقلاً من التقصير والزلل، ولكن بالتقوى يحصِّن سبحانه القلوب من العلل فلا تقبل من ضرر بعلم ولا خلل.

ولذا، وجب وضع استراتيجيات موحدة تكون من أولى مهماتها العمل على إعادة تفعيل العلاقة بين أهل النقل وأهل العقل على مختلف توجهاتهم الفكرية والعقدية، وكذلك العمل على تفعيل ثقافة الانفتاح على الآخر لبناء جو من الشراكة العالمية يرمي إلى الحوار الديني والتفاعل الثقافي. وهذا يتطلب وضع خطط وبرامج نوعية تصاغ على مستوى المؤسسات العلمية والثقافية والأكاديمية تكون في صلب التوجهات التنموية المرتبطة بمسيرة التطور والتحديث.

(*) كلية العلوم، جامعة ابن طفيل / المغرب.