هل حقًا الإنسان طبيب نفسه؟

إن ثقافة التداوي لدى معظمنا لا تبدو تامة الوعي، وقد بات علينا أن نتيقن أن طرق العلاج قد تطورت كثيراً، وأن الذهاب إلى الطبيب ليس عيبًا أو أنه رفاهية أو إضاعة للمال أو للوقت، فالصحة هى أغلى ما نملك.

المرء ليس طبيب نفسه!

صحيح أن العلاج متداول ومعروف لدى أبسط الناس، لكن ليس بالضرورة أن يكون هو العلاج المناسب لهذا المرض أو ذاك، فإعتمادنا على إستشارات الأصدقاء أو التجريب يؤثر سلبًا على صحتنا، وقد بات علينا أن ندرك أهمية ترشيد إستخدام الأدوية. فالدواء الذي يصلح لمريض لا يجوز بالضرورة أن يتناوله مريض آخر، حتى ولو الأعراض قريبة من أعراض المريض الأول، فربما تكون الجرعة التي يحتاجها المريض الآخر أكبر أو أقل، وبالتالي فإن الإعتماد على وصفة طبية من صديق كانت لديه نفس الأعراض المرضية يعتبر أمر خطير، فمن الوارد جدًا أن يؤثر الدواء بشكل خطير على أمراض أخرى، ومن الأمور الأخرى الهامة أيضًا والتي يغفلها كثيرون، هي الزيارة الدورية للطبيب لأصحاب الأمراض المزمنة، وقد ذكر لي أحد الأطباء أنه قد جاءته في عيادته مريضة تستخدم نفس الدواء لمدة 17 عام، وللإسف من بين مكونات ذاك الدواء مواد تساعد على الإكتئاب، وكانت المريضة في حالة صعبة جدًا، لذا فمن الضروري مراجعة الطبيب من وقت لآخر، لمعرفة مدى تأثير الدواء على الجسم، كما أن علوم الدواء تتطور من يوم لآخر، و دواء الأمس قد لا يصلح لمرض اليوم.

إسأل مجرب ولا تسأل طبيب” هى مقولة صحيحة لكن فقط فى التجارب الإنسانية الحياتية، وليس فى أمور العلاج والتداوى، فكل مريض له ظروفه المختلفة عن الأخر.

من أسوأ المشكلات التي تواجهها بعض مجتمعاتنا حتى الآن، هي الثقافة السائدة بأن الذهاب إلى الطبيب عار، أو أنه لا حاجة للذهاب إلى الطبيب إلا إذا ساءت الحالة المرضية جداً، و في بعض الثقافات يتم النظر إلى الأمراض النفسية على أنها مسّ شيطاني، وتصبح فكرة الذهاب إلى الطبيب النفسي من المستحيلات، والأمر ذاته موجود فيما يخص الأمراض الذكورية، حيث يشعر الرجل بأن هيبته أو كرامته سوف تهتز في نظر المحيطين به، وتلك الثقافة من المهم جداً أن يتم تغييرها. وحيث أن الدين الإسلامي الحنيف قد جاء لينظم حياة هذا الإنسان، ويبصره بطريق الخير، وقد اهتم الإسلام بصحة الإنسان إهتمامًا منقطع النظير، فقد حرص الإسلام كل الحرصِ على أن يتمتع المسلم بالصحة الجسمية والنفسية السليمة، فبهما يَقوَى الإنسان على العبادة وعمل الخير لنفسه ولأهله ولأمته، وبهما يكون قادرًا على عمارة الأرض، من أجل هذا شرع الإسلام الآدابَ الصحية والوسائل الوقائية، وأوجب الطهارة والنظافة، وهما عماد الصحة، وحَض على التطبب والتداوي وتلمس العافية لدى أهل الطب والدواء.

أما التداوي بالأعشاب في ذاته فهو من أشكال التداوي لا شك التي يرتاح إليها البعض، ولا نستطيع إتهامهم بالخطأ في ذلك، فلهم ما يشاؤون، أما القول بالإنصراف التام عن العقاقير الكيمياوية فلا شك هو قول له غرض. إذ نرى كثيراً من الأمراض تفشل معها الأعشاب، إما لخلط خطأ في تركيباتها أو لقلة المتمكنين في هذا المجال، ولقد نصحنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالتداوي وإلتماس الأسباب الصحيحة للشفاء، ولاشك أن الذهاب للطبيب المختص والخضوع للعلاجات الطبية المعتمدة هي مما تدعو إليه السنة الصحيحة،عن أنس رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ خَلَقَ الدَّاءَ خَلَقَ الدَّوَاءَ فَتَدَاوَوْا ).

 

بين الأطباء والصيادلة!

هناك خلط يحدث أحياناً لدى بعض المرضي بين دور الطبيب المختص والصيدلي، وكثيراً ما نجد الصيادلة يساعدون المرضى بإعطاءهم أنواع معينة من الأدوية، وأحيانا ما تؤتي مساعدتهم نتائج إيجابية، لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن صحة البشر لا يمكن التلاعب بها، أو التجريب فيها، حتى لو كان الصيدلي يملك خبرة شخصية طويلة، فمثلاً قد يأتي مريض لصيدلاني ويشتكي له من الصداع، فيقدم له الصيدلي الأسبرين مثلا بدون أن يسأله إذا كان يعاني من القرحة أم لا، فيتعرض المريض بسبب الأسبرين إذا كان مصاباً بالقرحة إلى حالة نزيف بالمعدة، إذن فالصيدلي غير مؤهل لإعطاء دواء بدون وصفة، وما هو مطلوب من الطبيب والصيدلي أن يتعاون الإثنان معاً، ويؤدي كلاً دوره فقط، لأن هذا سيساهم في تحسين الخدمة العلاجية التي يقدمها كليهما، وسينعكس بالإيجاب علي صحة المرضي، كما سيساعد علي تطوير خبرة كل منهما مستفيدًا من خبرات و مهارات الآخر والتي تتنوع و تختلف علي حسب دراسة كليهما. ولكل من الطبيب والصيدلى دوره المحدد فى رعاية المريض ولا غنى لأحدهما عن الأخر، وليس للصيدلى أن يصرف أدوية بدون تذكرة طبية من الطبيب، إلا فيما يعرف بالأدوية المسموح بصرفها خارج التذاكر الطبية، كبعض المسكنات والفيتامينات والأدوية الموضعية ومكملات الأغذية، وهى ما تقررها القوانين المنظمة لذلك وتختلف من بلد لأخر.

صيدليات الفيس بوك، والتلفزيون المعالج!

بشكل غريب، باتت معظم القنوات الفضائيات تقدم فقرات وبرامج طبية لمشاهديها، الأمر لم يعدّ يتعلق ببرنامج طبي واحد أو فقرة طبية تظهر ضمن أحد البرامج، بل تطور الأمر وأصبحت الفواصل الإعلانية وسط المسلسلات والأفلام عبارة عن فقرات طبية كاملة!، بكل تأكيد هذه الفقرات عبارة عن إعلانات مدفوعة، وعادةً ما تكون المادة الدسمة لتلك الفقرات هى أمراض العٌقم والذكورة، أو الأمراض المُستعصية مثل السمنة والسرطان وغيرهما، تلك الفقرات الطبية يتخللها عرض لمقاطع فيديو من داخل غرف العمليات، تظهر مدى براعة هذا الطبيب أو ذاك فى إجراء العمليات التجميلية، أو إستئصال الدهون فيما يتعلق بمجال السمنة، مع الإصرار على إقناع المشاهد البسيط بأن حياته سوف تتغير للأفضل عند زيارة هذا الطبيب أو ذاك، لكن هنا ينبغى التوقف ووضع علامة إستفهام كبيرة أمام هوية هؤلاء الأطباء ومدى جدارتهم التى تؤهلهم للظهور أمام الملايين، والحديث بمصطلحات طبية يجهلها معظمنا، كما أن الوصفات التي يمنحونها مجانًا للمرضى على الهواء غير مأمونة العواقب، وهذا ما حدث بالفعل في مصر، عندما توالت الشكاوى لنقابة الأطباء المصرية من مواطنين وقعوا في فخاخ أطباء تلك البرامج.

شرع الإسلام الآدابَ الصحية والوسائل الوقائية، وأوجب الطهارة والنظافة، وهما عماد الصحة، وحَض على التطبب والتداوي وتلمس العافية لدى أهل الطب والدواء.

ثمة ظاهرة مستجدة أخرى أكثر سوءاً، وهى صيدليات الفيس بوك، حيث تمتهن بعض مكاتب التسوق بواسطة الانترنت التوسط لشراء أدوية نادرة أو غير خاضعة للرقابة الدوائية، أو أدوية خارقة -على حد وصفهم- لعلاج السمنة أو العجز الجنسي أو السرطانات وغيرها من الأمراض، وكذلك العقاقير العضلية التي يستخدمها الشباب في قاعات بناء الأجسام، وتجلبها تلك المكاتب من مناشئ دولية مختلفة في أوروبا وآسيا، معظم هذه المكاتب يكون لها صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولها أرقام هواتف على تطبيق “الواتس آب” للإتصال السريع، الطامة الكبرى أن الكثير من تلك الصفحات توفر أدوية غير معروفة المنشأ أو غير مطابقة للمواصفات وأحيانًا لا تصلح للاستخدامات البشرية أو تسبب نتائج معاكسة تماما، فمكاتب تسويق تلك الأدوية تبحث فقط عن فرص الربح التجاري من دون مراعاة لجودة وملاءمة المواد التي تصنع منها تلك الأدوية التي يستوردونها، ومدى مصداقية المنشأ الأصلي، فضلاً عن صعوبة أو إستحالة الحصول على ضمانات وخدمات ما بعد البيع، كما تفتقد تلك الأدوية لإرشادات الاستخدام التي تشملها البطاقة التعريفية لأي منتج دوائي، ويتفاقم الأمر عندما يتم الترويج لأدوية جنسية وعقاقير مخدرة، ويتصل الشخص المريض بهم للحصول على هذا المنتج المجهول التركيب والصنع، ومن دون وصفة طبية.

“إسأل مجرب ولا تسأل طبيب” هى مقولة صحيحة لكن فقط فى التجارب الإنسانية الحياتية، فالسعيد من وعظ بغيره كما يقولون، وليس فى أمور العلاج والتداوى، فكل مريض له ظروفه المختلفة عن الأخر، ولا يصح للمريض أن يتناول أدوية من تلقاء نفسه دون إستشارة طبيبه المعالج، نسأل الله السلامة والشفاء لنا جميعًا.