نبات العشار.. وفي السموم شفاء

يُصنف العشار ضِمن أهم النباتات الاقتصادية، في البيئة الصحراوية، وقديمــًا حيك حوله الكثير من الحِكايات والأساطير، حتى أن البعض أطلق عليه “مسكَن الجن”، وتعددت عنه الأمثال الشعبية، وكان له من الشعر نصيبــًا.. قال عنه الشيخ الرئيس ابن سينا، طبعه حار يابس، وخواصه فيها قبض، يُطلِق البطن، ويُضعِف الأمعاء، وسُكَّره كقطع الملح، يحِد البصر، وينفع الرئة، وهو جيِّد للمعدة والكبد والكِلى والمثانة.. وبمزيد من الأبحاث والتجارب الحديثة، أمكن استخلاص غير نوع من عناصره، التي ثبت أهميتها في علاج العديد من الأمراض.

في إطار الوصف العام له، فإن العشار نبات شُجيري، تفريعه قاعدي، يتراوح ارتفاعه ما بين ثلاثة إلى خمسة أمتار، الساق أخضر يميل إلى الرمادي، ومُغطَّي بقلف فليِّني أبيض، غائر التشقق..أوراقه عريضة مُتطاولة، أو بيضيه معكوسة، ويصل طول الورقة الناضجة نحو 25 سم، بينما عرضها نحو 17 سم، والنورة شِبه خيمية، والأزهار بيضاء من الخارج، تتدرَّج إلى اللون البنفسجي في الداخل، وحين تتفتَّح يكون عرضها نحو 3 سم، وتتميَّز بإكليلها القُرمزي اللون، اللامع من أعلى، والثمرة خضراء مُنتفِخة من الخارج، كما لو كانت ثمرة مانجو، إلاَّ أنها تختلف عنها في كل شيء آخر، طولها قد يصل إلى 13سم.. تنتشر البذور بواسطة الرياح، ليبدأ تكاثرها من جديد، مع ضرورة الإشارة أن البذور القادرة على التكاثر في التُربة، هي البذور المُكتمِلة النُضج، والتي يميل لونها إلى السواد، وتتسم بوجود خِصلة من الشُعيرات الطرفية.

والعشار نبات صحراوي بالدرجة الأولى، حيث ينمو  في الأراضي الجافة، التي يُصيبها قليل من المطر، وقد يموت إذ ارتوى بكثرة، أو إذا تجمَّعت مياه الأمطار في مواقع نموُّه، وجل موائله تنتشر(2) في صحراء شِبه الجزيرة العربية، وجنوب الأردن، وصحراء شِبه جزيرة سيناء في مصر، وكذا في مناطق من السودان، والقرن الإفريقي، وجنوب كُل من ليبيا والجزائر والمغرب، كما أن ثمة موائل له في العِراق وإيران وأفغانستان، وشِبه القارة الهندية، وفي غيرها من المناطق ذات البيئة الصحراوية، والمائلة إلى الصحراوية، والتي تتسم بارتفاع درجات الحرارة.

ويُعرَف نبات العشار بأسماء شعبية عديدة، وِفقــًا لكُل منطقة يتكاثر فيها، ومن بين أشهر أسماؤه : عُشر، وعُشكار، وعشُّور، وعشير، وحريرية (لوجود ما يُشبه الحرير داخل ثمرته)،وخيسفوح،وبرمباك، وبرنيخ، والوهط، وغيرها من الأسماء الشعبية..وهو بالإنجليزية Giant Milkweed، أي الشُجيرة المُفرِزة للبن النباتي، أما اسمه العلمي فهو calotropis procera، ينتمي إلى الفصيلة الصقلابية، أو العشارية.

وبرغم سُمِّية أوراقه الخضراء، إلاَّ أن كثير من الحشرات تتغذَّى عليها بشراهة، مثل حشرة أبو دقيق الملكي، وحشرة الإمبراطور، ودودة التبغ، ويرقات خُنفساء البقول..ودون غيره من حيوانات البرِّية، فإن الجمل وحده، يستطيع أن يتغذَّى على هذا النبات، دون أن يتضرر من سُميَّته، وفي أوقات الجفاف الشديد، يُمكن للأغنام تناول الأوراق الصغيرة قليلة العصارة، التي وصلت إلى حد اليبوسة، إلاَّ أن الوجبات تكون قليلة، ومُتفرِّقة، حتى لا تُنفَق الأغنام، نتيجة ارتفاع الجُرعة السُمِّية المُميتة..ويجذب رحيق أزهاره، الكثير من أنواع الخنافس والفراشات، ويتغذَّى البق على بذوره، خاصة في أواخر فصل الصيف..ويعد نبات العشار الغِذاء المُفضَّل، بل بالأحرى الوحيد، لنطاط العشار، الذي يقضي مُعظم حياته مُحتميـًا بهذا النبات.

الأهمية الاقتصادية للعشار

  وبرغم إهماله وتحاشيه، وسوء سُمعته في الأمثال والموروث الشعبي، إلاَّ أن نبات العشار له قيمة بيئية واقتصادية مُعتبرة، ناهيك عن أهمِّيته وقيمته في مجال الطب، كما سنُبيِّن بعد قليل..ومن فوائده البيئية والاقتصادية، نذكر :

ــ يدخل في تصنيع الألياف الحريرية والنسيج، كونه يحتوي على خيوط وألياف، شبيهه بخيوط الحرير، وألياف الكتان.

ــ من خيوطه وأليافه أيضـًا يُمكن صناعة الحِبال المتينة، وكذا صناعة شباك صيد الطيور والأسماك.. وللاستفادة من خيوطه وأليافه في أغراض مُتعدِدة، أقيمت مزارع له على آلاف الأفدنة، في كُل من جُزر الهند الغربية، وأمريكا اللاتينية، حققت مردود اقتصادي كبير.(2)

ــ الفحم الناتج من حرق سيقانها المُتخشِّبة، يستخدم في صناعة البارود.

ــ لقُدرتها الكبيرة على مقاومة النمل الأبيض (الأرضة)، تُستخدم أخشاب العشار في بعض الإنشاءات  الخفيفة، مثل البيوت الخشبية، وكذا تدخل في صناعة قوارب الصيد.

ــ تُستخدم في صناعة الورق.

وفي دراسة علميَّة، حول مدى تأقلمه مع البيئة، ثبت أن نبات العشار، قادر على الصمود في أصعب فترات الجفاف، وسجَّل مُستوى البرولين، صمودًا وثباتـًا مع زيادة مُستويات الأملاح، وهذا مؤشر جيِّد على قُدرة النبات لتحمل الملوحة.

ــ يلعب دورًا مُهمـًا في اكتمال دورة الحياة، لغير نوع من الحشرات، التي تُمثل عنصرًا فاعلاً، في تحقيق التوازن، لمنظومة الحياة البرية.

ــ كانت الولايات المتحدة الأمريكية، قد وضعت هذا النبات، على رأس قائمة، تضُم مائة نوع من النباتات، التي يُمكن أن يُستَفاد منها كوقود سائل.

 وخِلال العقود القليلة الماضية، خضعت جل أجزاء نبات العشار، لمزيد من الأبحاث والتجارب العلميَّة، التي أثبتت احتواء النبات على سُميَّات بتركيزات عالية، سواء في أوراقه أو أزهاره أو ثماره، تؤثر مُباشرة على عضلة القلب، وتتسبب في القيء والإسهال الشديد، ويأتي في مُقدِّمة العناصر السامة، التي يحتويها نبات العشار، ما يعرف بمجموعة الفلوكوزيدات، والتي من بينها الكلا كتين، وجيجانتين، ومدارين، وكالوزو ياجنين، وفوروشارين، إضافة إلى مواد راتنجية وقلويدات..وثبت أن العِصارة اللبنية، التي يفرزها النبات، تحتوي على عناصر عديدة، منها فاوبيتا، وكالوتربيول، وأنزيم تربيسن، وأنزيم بابين..ويحتوي اللحاء على جيجانتول، وهو من العناصر السامة، التي يُمكن أن تقتل الماعز والأغنام في غضون ساعات قليلة، تِبعـًا لمُعدَّل الجُرعة.

دواء..وشفاء

ومن سموم نبات العشار، تمكَّن العُلماء من تحضير العديد من صنوف الأدوية والعقاقير الطبية، التي يُمكن أن يُعوَّل عليها في عِلاج أمراض كثيرة..وفي نِقاط يُمكن أن نُحدد أهم ما خلصت إليه الأبحاث والدراسات (3)والتجارب العلمية الحديثة، حول الفوائد والمنافع الطبيَّة، التي يُمكن استخلاصها من نبات العشار، على النحو التالي :

ــ تخفيف شِدَّة الحُمَّى، وتسكين الألم.

ــ التخفيف من مُضاعفات الربو، وحِدَّة السُعال.

ــ مُضادات ضد أنواع مُختلفة من الجراثيم والميكروبات والطُفيليات.

ــ علاج موضعي في حالات آلام المفاصل والروماتيزم.

ــ علاج بعض أنواع الأمراض الجلدية، وبخاصة ابيضاض الجلد، والجُذام، والقروح..وعلاج موضعي فعَّال لإزالة رؤوس الدمامل.

ــ مُضاد للتخثر.

ــ مضاد لعضَّات الثعبان والعقرب.

ــ طارد للبلغم.

ــ إدرار البول.

ــ علاج التهابات الأسنان والفم واللثة.

ــ تُستَخدَم بعض عناصره في الأدوية المُضادة لنوبات الصرع.

ــ استُخلِص من جذوره مُضادات أكسدة، تحمي الخلايا من انتشار السرطان.

ــ تدخل بعض عناصره في صناعة أنواع من المراهم التي تشفي من التهابات العين، وتُجلي غشاوتها.

ــ من أزهاره، وثِماره، ثمة مُستخلصات وعناصر تدخل في الوصفات الخاصة بفتح الشهيَّة، ومن ثم علاج من يُعانون من النحافة المُفرِطة.

أهم المراجع

1ــ التيسان،د.وفاء عبد الرحمن : العشر..النافع الضار.

2ــ عامر، علي محمد : علاج الداء في صيدلية الأعشاب.

3ــ ستوبي، وولفغانغ (وآخرين) : عجائب مملكة النبات.

4ــ عراقي، فيصل بن محمد : الأعشاب دواء لكل داء.

5ــ شرقية، عمار : موسوعة النباتات الطبية.

6ــ لاكوست، صوفي : الأعشاب التي تُشفي.

7ــ عامر، د.وفاء محروس : نبات العشار..داء ودواء.

8ــ السيد، د.عبد الباسط محمد : العلاج بالنباتات والأعشاب الطبية.

9ــ مجموعة مؤلفين : الموسوعة العربية العالمية.