هل تساءلت يومًا -عزيزي الإنسان- ما الذي يحدث في داخلك؟ كيف تتحرك وتتنفس؟ لماذا تحتاج إلى الطعام والأوكسجين؟ ما الذي يحصل عندما تتألم؟ كل هذه الأسئلة وأكثر قد تجول في عقلك باحثةً عن جواب، منقّبة عن تفسير علمي من عالم أو طبيب.

دع عنك الحيرة، ولتأذن لي بأن أسرد لك قصة قصيرة تفهم من خلالها ما يجري بداخل جسمك. ولكن قبل ذلك أريد أن أعرّفك بنفسي: أنا الخلية، أساس كل حي، وأولى أحرف لغة الحياة، متناهية في الصغر، بالغة الأهمية، فوجودي أو غيابي يؤثر بشكل كبير على سير حياتكم معاشر الكائنات الحية، قد لا تستطيعون رؤيتي أو تتجاهلوني عن غير قصد، لكنني موجودة وحية أتنفس في دواخلكم وأكوّن ذواتكم.

أما يومي فيبدأ من لحظة تكويني، وينتهي بعد ثلاثة أشهرنحن معاشر الخلايا نعمل بلا ملل أو كلل طيلة الأربع والعشرين ساعة التي تدرسون فيها، وتقرأون، وتلعبون، وحتى تنامون خلالها.

من العمل الدؤوب في معامل جسم الإنسان. وحتى أقوم بعملي على أكمل وجه، عليّ أن أحصل على الطاقة. تُرى كيف أستطيع الحصول على الطاقة؟ مِن خلال الطعام؛ فأنا أفتح فمي لحظة وصول الغذاء، وأقوم بإرساله إلى “الميتوكيندريا” التي هي جزء منّي، عضو بداخلي يشبه حبة الفاصولياء، تقوم بتحويل الغذاء إلى مواد كيميائية أحتاجها في يومياتي لتزودني بالطاقة، وحتى تتمكن “الميتوكيندريا” من العمل واستخراج الطاقة فإنها تحتاج إلى الأوكسجين.

في كثير من الأحيان ترتطمون أنتم معاشر البشر بالطاولات أو أية أجسام أخرى، وتشعرون نتيجة لذلك بالألم، أو قد تتأوّهون من فرط الألم، ولكن هذا ليس ما يحصل تمامًا في عالمي، في الحقيقة أنتم لا تشعرون بالألم فور وقوعه، بل إن ما يحصل هو أن ابنة خالتي خلية الأعصاب تقوم بإرسال رسائل كيميائية إلى أشقائها تنذر بحصول مكروه، وعندما تقترب الرسائل من المخ وتصل إلى شقيق خلية الأعصاب الأكبر تحديدًا بمنطقة الرقبة، في تلك اللحظة بالذات، تشعرون بالألم، كل هذا يحصل في سرعة 432 كيلو متر في الساعة، أي إني أسرع من قطار ياباني.

هذا هو مستوى سرعة إنجازنا لأعمالنا ودقتها، فنحن معاشر الخلايا نعمل بلا ملل أو كلل طيلة الأربع والعشرين ساعة التي تدرسون فيها، وتقرأون، وتلعبون، وحتى تنامون خلالها. ولكن ما هذا الذي أسمعه؟ كأنه صوت صفارة إنذار. لحظة من فضلكم، هناك شيء يلوح من بعيد.. إنها البكتيريا.. متجهة نحوي بدباباتها العسكرية اللزجة، يبدو أنها تعتزم إلقاء قنبلة.. آه!

دلفتُ وراء صديقاتي، ومن ثم صرختُ بأعلى صوتي: يا كريات الدم البيضاء! يا حماة الخلايا! يا درعنا ضد الغزاة! النجدة! سرعان ما التفت أخي الوسيم قائد جيش كريات الدم البيضاء وقال: لا تقلقي يا أختاه كل شيء على ما يُرام، إنها جماعة البكتيرية رأيناها فيما مضى، وقد جاءت اليوم لتحاول تحقيق ما هو مستحيل، دعي الأمر لنا. سمعتْه بقية كريات الدم البيضاء، فرُفعت الأعلام وانطلقوا على صهوة جيادهم نحو البكتيريا المهاجمة، رفع أخي صوته آمرًا الجنود: هذه البكتيريا تعارَكْنا معها سابقًا، وقائدها هو القبطان نامق، علينا أن نستخدم نفس الأسلوب المضاد للهجوم الذي استعملناه قبل خمس سنوات للقضاء عليهم.

“سمعًا وطاعة يا سيدي”، ردّت كريات الدم البيضاء بصوت واحد، ثم خاضت المعركة التي كان النصر فيها لها، وانسحبت جموع البكتيريا مهزومة إلى الخارج عبر الفم. كثيرة هي الأدوار الحيوية التي نقوم بها في داخل جسم الإنسان، فأنا لستُ خلية واحدة فقط، بل واحدة من ملايين الخلايا بمختلف الأشكال والأعمال، ونحن جميعًا نعمل داخل منظومة جسم الإنسان لإبقائه على قيد الحياة.

هذه هي قصة قصيرة للحظة بسيطة من يومياتي، بل من يوميات ملايين الخلايا، وكل هذا العالم من الخلايا حي وينبض بداخلك كل لحظة حتى تنعم بهذه الحياة الجميلة والثمينة.

(*) كاتبة إماراتية.