الشعوب المستضعفة إذا ملكت إرادتها فقدت السيطرة على حركتها، وعندها تبدأ ثورتها في وجه من ظلمها بموجة عاتية من الغضب.. تؤول إلى طوفان عارم من الفوضى؛ وهو ما يدفع بالغيورين لاتخاذ قرارات ومواقف طارئة ربما لم تكن مدرجة في الحسابات السابقة.

ومع ازدياد وتيرة الدفع الجماهيري صوب مراكز اتخاذ القرار، تزداد الحاجة للحديث عن منهجية الرّشد السياسي التي تتناول جملة من الأصول الكبرى التي لا ينبغي تجاوزها في خضم المدافعة الجديدة التي يتطلبها فقه المرحلة.

أولاً: شمول الرؤية

الإسلام دين يسع الحياة كلها، ويسيّر جميع شؤون الحياة ولا ينفصل عنها. يعمر السوق والمسجد، ويُصلح الفرد والدولة، ويرفع من شأن العمل الصالح المثمر؛ على سجادة الصلاة، وفي الحقل، وبداخل معمل الكيمياء، بخلاف المناهج والعقائد الضاربة على وتر الفصل بين الدين والدولة.

وعند استعلاء المفهوم الأحادي للدولة الذي ينحو بها صوب القطب الديني وحده أو القطب الدنيوي وحده يغيب الرّشد، ويظهر الطواغيت الذين يعملون جاهدين لتوجيه (الدين) صوب محرابه الضيق، ليتفرغوا فيما بعد لتضييع الأمانة، وإدارة دفّة الحياة بظلم وجهل، بعيدًا عن منهج الله تعالى. قال سبحانه: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً)(الأحزاب:72).

إنّ شمول الرؤية السياسية يعدّل في أولويات برنامج الحزب؛ فبدلاً من اهتمامه “بإقناع الناخبين” يتوجه عمله صوب توعية الجماهير المسكينة التي لا يُخرجها بين الحين والآخر إلا البحث عن رغيف الخبز أو الرغبة في العيش بكرامة، والعمل على تبصيرها بحقيقة وجودها، والغاية من خلقها، والمساحة المشروعة لحركتها، مع الانتقال من مساحة الدعاية الإعلامية للحزب، ودغدغة عواطف الناخبين إلى ساحة العمل الجاد الذي يتلمّس أحوال الناس، ويأسوا جراحهم، ويسدّ جوعتهم، ويعلّم جاهلهم، ويحفظ كرامتهم.

إنّ القادة والسياسيين -في منهجية الرشد السياسي- يقومون مقام “الأنبياء الملوك” الذين يجمعون بين الدنيا والآخرة، ويزاوجون بين العلم والعمل. قال الكتاني رحمه الله: ولا شك أن المسلم إذا تتبع السيرة النبوية.. لم يبق له شك في أنّ نبيه جاء بعمارة الدنيا والعمل للآخرة، لا بخراب العالم والانقطاع عن العمل، حاشا وكلا. نعم جاء عليه السلام بعدم تعمير القلب بالدنيا، تعميرًا يغفل به المسلم عن ربه وتوحيده، ولكن أمرك أن تجدّ وتجتهد، حتى تملأ منها يدك، وتترك قلبك لله، وما يرضيه منك من وجوه مبرّات وحسنات لبني جلدتك خالدات. بهذا جاء الدين لا بعكسه، ويدلّك لذلك أنّ ثلث الشريعة الإسلامية عبادات. وأسرار تلك العبادات تتضمن سعادة بدنك وحياة روحك، زيادة على إخلاص العمل لوجه الله. وبقية الثلثين معاملاتٌ دنيوية، وكيفية الأخذ منها والرّد بالقسط(١).

وجاء في “الروض الأنف” أنّ العلاء بن الحضرمي لما قدم على المنذر بن ساوى وخاطبه في الإسلام وشرائعه، أجابه المنذر بقوله: قد نظرتُ في هذا الأمر الذي في يدي، فوجدته للدنيا دون الآخرة، ونظرتُ في دينكم فوجدته للآخرة والدنيا فما يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة وراحة الموت؟! ولقد عجبتُ أمسِ ممن يقبلُه وعجبت اليوم ممن يردّه!! وإن من أعظام من جاء به أن يُعظَّم رسوله. وفيه أن الجلندي صاحب عمان لما قدم عليه عمرو بن العاص رضي الله عنه قال له: انظر في هذا النبي الأمي الذي جاء بالدنيا والآخرة(٢).

ثانيًا: تظافر الجهود

سياسة الرشد المنهجي تقود -ولا شك- إلى منهجية الرشد السياسي، إضافة للرّشد في كافّة المجالات. ولا يقتصر الرّشد السياسي هذا على حفظ مقدّرات الأمة والمصاولة في ثغور البرلمانات، ولا بالدخول في تكوين الأحزاب واجتذاب أصوات الجماهير، بل يشمل جميع أنشطة العمل الاجتماعي الرامية إلى حفظ مكانة الإنسان، وتأمين احتياجاته الضرورية، وإيجاد الحلول للمشكلات الضاربة.

إنّ منهجية الرّشد السياسي الحقّة لا تطير بجناح واحد.. هو جناح الحزب الحاكم، ولا تحيل الناس إلى قطيع يسبّح باسم الرئيس صباح مساء، ولا تغضّ الطرف عن سرقة دينار، ولا عن سجن مظلوم ليوم واحد، ولا عن كلمة زور في القناة الرسمية، ولا عن بروتوكول يصنع طاغوتًا. كما أنّها -في المقابل- لا تسمح للجماهير بانتهاج فوضى الحركة لمبرر المطالبة بالحقوق، ولا بإثارة الفتن، ولا تسمح بتضييع المكاسب والضرب على وتر الإخلال بالأمن الاجتماعي.

وحين يتضح الهدف، وتتظافر الجهود، وتتحد الإرادات يزداد منسوب الحق وتظهر نتائجه، ويظهر الخطأ -في المقابل- حين تسود الضبابية، وتختلف الكلمة، وتستحكم الأنانية، ويعلو صوت الانتهازية النشاز.

والكلّ -في منهجية الرّشد السياسي- قائم بحدود الله تعالى.. مهما كان منصبه، وأيًّا كان دوره، وهو مسؤول عن سفينة المجتمع التي أوصى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: “مثل القائم على حدود الله والمدّهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر؛ فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقال الذين في أعلاها: لا ندعكم تصعدون فتؤذونا، فقالوا: لو أنّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا. فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا” (رواه البخاري). وفي رواية أنّ الباعث على هذا الجُرم الاجتماعي الكبير لم يكن منع إخوانهم في الأعلى، وظلمهم إياهم، بل اجتهاد خاطئ ظنّوا أنّه يراعي (المصلحة)؛ فهم لكثرة ما كانوا يصعدون فيؤذون إخوانهم قالوا: “لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا” (رواه البخاري).

ثالثًا: تأمين الجبهة

لا شيء يفوق مهمة تأمين الجبة الداخلية؛ لأنّها الضمانة الأولى لدحر العدوّ الخارجي -الجاثم على إذكاء الخلافات والصراعات الداخلية- وإبطال كيده؛ عملاً بقوله تعالى: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)(آل عمران:120).

وهذه الضمانة لا تتحقق إلا بجهود التقارب الصادقة، وتحديد قيم “تقرير المصير”، ونبذ “التنازع والفشل”، والدوران مع الحق، مع الابتعاد عن المثاليات، الراغبة في الاندماج من كلّ وجه.. بين عشية وضحاها، والسعي لإيجاد القيم المشتركة حول غايات ومبادرات تأمين الجبة الداخلية، باستصحاب “الفطنة” العاصمة من الوقوع في آفات دعاوى التقريب وجمع الكلمة على حساب الحق نفسه، أو التخلّي عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو تحييد قضية التوحيد والتحذير من الشرك! وهي المعادلة الكبرى التي يدور عليها محور العمل في منهجية الرشد بحكمة بالغة.

والوعي المشترك بواجبات تأمين الجبهة يتطلب جملة من المقدمات، لعلّ أهمها: استحضار مكاسب: (وَلْيَتَلَطَّفْ)(الكهف:19) لدى القائمين بالعمل الاجتماعي والتعليمي والتربوي طوال العقود الماضية، ومكاسب: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ)(يوسف:55) لدى القائمين بالعمل السياسي والقيادي طوال العقود الماضية، مع التأكيد على ضرورات النجاح الخمس، التي يتطلبها التعاون المشترك لتربية الجيل القادم على الرّشد:

  1. ضرورة الوعي بأثر الإيمان على جميع شؤون العمل السياسي، وأنّه الضابط لتحركات الجماهير، وقرارات الساسة والوزراء، والموجّه الفاعل لفلسفة السياسة، ومناهجها، وغاياتها، وإجراءاتها الرامية لتوجيه السلوك الجماهيري العام، وفق متطلبات التنمية في شتى مجالاتها.
  2. ضرورة الوعي بثنائية الاتجاه في التربية السياسية التي لا تقتصر على إعداد القادة، وتنظيم الأحزاب فحسب، وإنّما تتوجه إلى الجماهير نفسها، لتزكيها وتغرس فيها قيم: التقوى، والعدل، والصدق، وحبّ الحق وإيثاره، والرحمة، والاجتماع، والتحمّل، والإيثار، وترك العجز والكسل، وعلوّ الهمة، وقوة الإرادة.
  3. البدء بهدف التنمية البشرية التي تتشكّل على إثرها شخصية الأفراد وإراداتهم وقناعاتهم، واليقين بأنّ تحقيقه ضمانة لتحقيق التنمية المتكاملة في شتى مجالاتها: الاقتصادية، والتعليمية، والصناعية، والعسكرية، والإعلامية.
  4. البدء بترسيخ معاني الأخوة في الله، القائمة على: صدق الموالاة، والمحبة، وإحسان الظنّ، وسلامة الصدر، والإيثار، واحتمال النصيحة والنقد، وسماحة النفس، وسعة الصدر، واليقين بأنّ تحقيقها ضمانة للاعتصام واجتماع الكلمة، عملاً بقوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)(آل عمران:103). مع ضرورة تشييد الحصون بتحديد معاني الاعتصام والأخوة في الله، وأنّها تسعة خلافات الرأي، والمبادرات الناجمة عن المسائل الخلافية السائغة على طول الطريق.
  5. استصحاب الضمانات القرآنية الأربع: (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)(العصر:3)، والتريّث في طلب النتائج، مع إدراك أن المآلات التنموية الحميدة محصلة مجاهدة صادقة وطويلة على: التظافر، والتناصح، والتشاور.

رابعًا: الحذر من سكرة السياسة

للسياسة شهوة تفوق سائر الشهوات، وزلّة تدحض بها سائر الزلات. وإذا كان حقّ على الذين يتعاطون الكؤوس أن ينهى بعضهم بعضًا، كما قال الأصوليون، مستدلين بقوله تعالى: (كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)(المائدة:79) فإنّ أولى الناس بذلك: الراغبون في الاستمتاع بالسياسة المعاصرة، مستصحبين حقيقة العِوج والانحراف فيها.

إنّ المنكر لا ينقلب معروفًا، ولا الباطل حقًّا بمجرد أن يمارسه (الإسلاميون)، وحتى الملائكة المقرّبون، حاشاهم عليهم السلام من الوقوع في الزلل؛ لأنّ العدل عدل بذاته.. بغض النظر عن هوية العادل، وكذلك الظلم وسائر القيم. وما أشدّ فقه شيخ الإسلام ابن تيمية حين أخرج دعاوى الانتماءات البشرية عن دائرة الحكم بصلاح القيم أو فسادها، بل عدّها المعيار الحاكم على صدق تلك الانتماءات وكذبها، بقوله رحمه الله: إنّ الله لينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة على الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة! كيف وقد قال الله تعالى في الحديث القدسي الصحيح: “يا عبادي إنّي حرمت الظلم على نفسي، وجعلته محرّمًا بينكم فلا تظالموا” (رواه مسلم).

وإذا جاز في السياسة المعاصرة أن يستغل السياسي حال الجماهير وحاجتهم ليكسب المزيد من أرصدته الانتخابية، ويستغلّ المواقف الإنسانية لإخفاء أطماعه السياسية، فإنّ منهجية الرشد السياسي لا تتنازل عن قيم العدل والرحمة، والصدق والنصيحة، وأربابها هم أهل العلم والحكم الذين “يعرفون الحقّ، ويتبعون سنة الرسول، ويرحمون الخلق، ويعدلون فيهم”(٣).

وكل سياسي يوالي في الحزب ويعادي مهما كان حجم الخلل فإنّه غاش لأمته، وخائن لأمانته؛ لأنّ الطبيعة البشرية تأبى الرضوخ للباطل لمجرد تحصيل المزيد من المكاسب! بل أي مكسب ذلك الذي لا يُتحصّل إلا من جراء ضياع الدين والأمانة والشهامة، واعتماد المبدأ الفرعوني الذي يساوم على إطعام الأفواه، وكِساء الأجساد لإسكات الحق: (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ)(الشعراء:18).

إنّ أظهر معالم السكرة السياسية تتجلى قبيل الانتخابات.. حين تتحوّل العملية السياسية برمّتها إلى (لعبة) انتهازية.. تتطلب المزيد من المراوغة والكذب، والمزيد من الخصومة والنفاق؛ لأجل الوصول إلى قلوب الناخبين وعقولهم. والأعجب في هزلية هذه (اللعبة) حين يصرّ المرّشحون -الإسلاميون خاصّة- الفائزون بأصوات الجماهير الغاضبة بأن فوزهم جاء نتيجة تكامل رؤيتهم السياسية، بينما تُظهر نتيجة استطلاعات الرأي بأنّ الشعوب إنما اختارتهم لأنهم يخافون الله!!

ومن دلائل السكرة السياسية تباين حساباتها في ملء الفراغ؛ فالأحزاب غالبًا ما ترفع شعاراتها بدقّة لزيادة رصيدها، لا لزيادة منسوب القيم في تلك الشعارات! فإذا أعطت أو منعت فإنّما تدور في فلك مصالحها، وإذا تنازلت عن بعض حقوقها أو رفعت سقف مطالبها فللغاية ذاتها، لا من أجل القيم التي ترفعها. وصاحب هذا النوع من السكرة يتقمّص شخصية “المدافع عن القيم”، حيث تجده يكرر تصريحاته حول المعروف والمنكر، والظلم والعدل، والسِّلم والإرهاب زورًا وبهتانًا، كما قال: “لا يعرف معروفًا، ولا يُنكر منكرًا إلا ما أُشرب من هواه” (رواه مسلم)، فالمعروف ما وافق هواه، والمنكر ما خالفه.. هكذا بكلّ بساطة!!

خامسًا: توليد الأمواج الصاعدة(4)

الحراك الاجتماعي الفاعل هو الذي يولّد تغييرًا إيجابيًا منطقيًّا وهادئًا؛ نتيجة تنشئة طويلة على القيم في أزمنة السلم. ويقابله (توليد الطوفان) المنبعث من الثورات السطحية الناشئة، الطامحة للحرّية والحياة الكريمة جراء تراكم سنوات الظلم والقهر، والإذلال والتغييب عن الهوية.

وحركة أمواج التغيير الصاعدة تجمع بين رجاحة الوعي ورجاحة الحركة معًا، وهي تنشأ بفاعلية وثبات جراء تراكمات تربوية وإيمانية طويلة، أدركت خلالها طبيعة الخلل، وأبصرت مطالب التغيير، واستبقت الخيرات، ووظّفت الفرص المتاحة للاستصلاح، وتخصصت في كافة المجالات، وعقدت شراكاتها الاجتماعية الواعية مع كافّة الأطياف.

إنّ هذا النوع من التغيير ضمانة لتحقيق الاستقرار الداخلي والريادة الأممية لأنه يستند على قناعات إيجابية راسخة يتم غرسها في عقول الجماهير من خلال تربية طويلة، وبدونها تظلّ تلك الجماهير متوثّبة تنتظر أمواج الطوفان الهادرة للثورة على الفساد والطغيان، أو تصبح مكسورة الجناح، خائرة القوة لا تدور إلا في فلك مصالحها الضيقة.

والتربية الطويلة لتوليد هذه الأمواج النافعة -التي يحصل بها التغيير النافع- تسير وفق مسارين متوازيين: مسار الترويض للشخصيات المقهورة المشوّهة، ورعايتها، وتنشئتها تنشئة متكاملة، وفق منهج رباني يحكم حياتها، ويوجه سلوكها نحو الغاية من الوجود، ومسار آخر يأخذ بيدها صوب التخصص الواعي الذي يتخلل -بعد عقود- كافة مرافق المجتمع ومؤسساته؛ ليقوم بدوره في استصلاح الأنظمة، وبناء الكيانات، وتحديد الغايات، وخدمة الجماهير المستضعفة، وبناء الإجراءات، وتعديل الانحرافات، دون الحاجة لثورة عارمة.

وفي غياب هذا النوع من الأمواج النافعة ستظل الجماهير الجائعة متوثّبة لأي ثورة قادمة تحرّكها أيادٍ خفية لتوليد الطوفان القادم الذي يحقق مكاسبها، وتبني على أطلاله أمجادها. فقط هو الإيمان الذي يروّض إرادات الشعوب المستضعفة، لتصبر على مضض العيش، وتواصل العمل والصبر في السنوات الشداد قبل أن يحلّ الفرج. ولا سبيل لهذا الترويض إلا بتعريفها بمرادات خالقها سبحانه لتمتثلها، ومرادات أعدائها لتحذر منها.

 

(*) المشرف العام لمركز رؤية الثقافي بمكة المكرمة / المملكة العربية السعودية.

المراجع

(1) التراتيب الإدارية، نظام الحكومة النبوية، ج 1، ص 16.

(2) الروض الأنف للسُهيلي، ج 4، ص 391.

(3) مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، ج 27، ص 238.

(4) مصطلح أطلقه الأستاذ محمد فتح الله كولن إجابة على سؤال يتعلق بثورات الشعوب المستضعفة.

 

فتح الله