لعبت القبة دورًا هامًّا بوصفها عنصرًا من عناصر العمارة الإسلامية في زخرفة وتصميم المنشآت المعمارية المختلفة، واتخذت في كل إقليم طابعًا خاصًّا يميزها ويحدد تاريخ إنشائها. وقد بنى المسلمون القباب أولاً فوق محاريب الجوامع، للدلالة على أهميتها في جدار القبلة، ولتوفير الضوء اللازم لمكان الإمام، إذ جرت العادة على فتح شبابيك ونوافذ برقبة القبة للإضاءة.
كانت المساجد في أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم تتميز بالبساطة، والتلقائية من حيث البناء والخامات البدائية البسيطة التي استخدمت في بنائها لإقامة الشعائر الدينية. فمسجد المدينة المنورة كان عبارة عن مساحة مربعة، استخدم في بنائه الطين والحجر، وغطي جزء من سقفه بسعف النخيل وطبقة من الطين، يرتكز هذا السقف على بعض جذوع النخيل، ومن ذلك يظهر لنا أنه في أول الفتح الإسلامي لم تستخدم القبة في سقف المساجد.
ولما توسع المسلمون في فتوحاتهم، قاموا ببناء مساجد جديدة في العراق ومصر، مستخدمين في بنائها الخامات البسيطة، كالخشب والجريد وجذوع النخل.. وازدهرت العمارة في عصر الدولة الأموية، فتم بناء المساجد الرائعة في تصاميمها. وتعد قبة الصخرة في بيت المقدس من أهم آثار الأمويين الباقية وأبدعها حتى الآن، وهي أقدم قبة شيدها المسلمون. وقد تأثر المسلمون بالساسانيين والبيزنطيين والقبط في بناء القباب، وأقبلوا على استعمالها في الأضرحة، حتى أطلق الجزء على الكل، وصارت كلمة “قبة” اسمًا للضريح كله.

إن المآذن والقباب هي السمة البارزة في المسجد، حيث أشارت إلى خط سماء المدينة الإسلامية. وعندما غطي صحن المسجد بالقبة أصبح لها أثر في تحديد الشكل المعماري، إذ وفرت الإنارة والتهوية بشكل كبير للمسجد.

القبة الأموية

دخلت عناصر جديدة على العمارة المسجدية، مثل المئذنة، والمحراب المجوف، والمنبر، إضافة إلى القبة. ثم استخدم المسلمون القباب الخشبية والحجرية، مستخدمين القطاع الطولي للمخروط، وذلك في تحويل الحجرة المربعة إلى دائرة.
واستعملت القبة على مقياس ضيق في القصور الأموية، وكانت صغيرة الحجم، ونصف كروية، واعتمد على المثلثات الكروية لملأ الفراغ في زوايا الانتقال في القباب بين المسقط المربع والمسقط الدائري.

القبة العباسية

بعد قيام الدولة العباسية تطورت العمارة الإسلامية عما كانت عليه في العهد الأموي، حيث اتصفت العمائر العباسية كالقصور والمساجد بفخامتها، والمساحات الكبيرة التي تحتها، وبرحابة باحتها إذا ما قورنت بمثيلاتها في العصر الأموي. وتميزت من ناحية أخرى بسمك أسوارها المدعمة غالبًا بالأبراج الدائرية الشكل أو بالدعامات الجدارية. كما استخدمت القبة في عمارة المساجد، فنجدها أمام المحراب في بعض مساجد هذا العصر.

القبة السلجوقية

في أيام السلاجقة استخدمت القبة في سقف الأضرحة، وفي ذلك العهد تنوعت أشكال القباب، فظهرت القباب الهرمية الشكل والمخروطية، وقباب لها طبقات مدرجة أو مقرنصة السطح كالتي ظهرت في العراق والشام. واستخدمت أيضًا في البيمارستانات، إذ يعد البيمارستان النوري أحد الأمثلة لأهم المباني الباقية، ولقد شيده السلطان نور الدين في منتصف القرن السادس الهجري، ليكون مستشفى ومدرسة للطب.

القبة الفاطمية

تتميز القبة الفاطمية بطابع خاص، حيث يتضح ذلك في المظهر العام للعمارة، كاستعمال الآجر والحجر، ولا سيما في تصميم الواجهات والبوابات. ولقد بدأت حلقة جديدة من تطور القباب ومقرنصاتها، وظهرت أول ما ظهرت في قباب السيدة رقية، والشيخ يونس، وأصبح المقرنص في هذه القباب يتكون من مجموعة من الطاقات والعقود المتدرجة، وكان قوامها طابقين أو خطتين. وحدث تطور ثان قبيل انتهاء العصر الفاطمي، وازداد المقرنص تجزئة في قبة أبي الغضنفر، وازداد عدد الطوابق فأصبح ثلاثة.

القبة الأيوبية

استخدم الآجر في بناء القباب في العصر الأيوبي، بينما كان يعتمد على الحجر المنحوت كمادة أساسية في البناء بشكل عام، وأحيانًا في إنشاء القباب.
وقامت العمائر الأيوبية على قبة من طبقتين من المضلعات تزيد في ارتفاعها، وشاع في استخدامها الطاسة المحرزة التي يتكون سطحها من ضلوع محدبة، استخدمت وسيلة لانتقال المثلثات الكروية التي أصبحت منكسرة عند الزواية في عمائر مدينة حلب خاصة، أيضًا نجد في هذه العمائر أن وسيلة الانتقال بين المسقط المربع والدائري، تعتمد على حجارة منحوتة عند الاستغناء عن رقبة القبة، وإقامة الطاسة مباشرة على قاعدة القبة.. استخدمت في التسقيف أيضًا القباب التي أخذت أشكالاً متعددة منها الطويلة والمتقاطعة، وكانت تبنى أحيانًا بالحجر المنحوت.

القبة المملوكية

لقد أولى المماليك عناية كبيرة واهتمامًا بالغًا للقبة، إذ تعد من أبرز خصائص العمارة في ذلك العصر، فتنوعت أشكالها وكسيت من الداخل والخارج بالزخارف، وزاد ارتفاعها باستخدام الرقبة العالية ذات الطبقتين، إحداهما أسطوانية والأخرى مضلعة، وزاد ارتفاع القبة وأصبح شكلها الخارجي محززًا. وكان بناء القبة آنذاك بالحجر إما على هيئة ملساء، أو ذات ضلوع متلاصقة رفيعة، أو ذات تكوينات زخرفية محفورة، أو بارزة تقوم على عناصر نباتية أو هندسية أو مزيج بينهما. كما ارتفعت القبة بزيادة ارتفاع الطبلة، ولذلك ظهرت القبة البصلية، وقد تمت معالجة الانتقال خارجيًّا عن طريق ارتفاع الأركان، يلي ذلك طبلة بفتحات تعلوها قبة بصلية الشكل.
ويعتبر عصر المماليك، نهاية تطور القبة ذات المقرنصات، وقد زاد عدد صفوف المقرنصات فيه فوصلت إلى سبعة وثمانية وتسعة صفوف، حتى إنه شوهد 13 صفًا من المقرنصات، وهي تشبه مثيلاتها السورية في أنها موضوعة في إطار مثلثي الشكل، إلا أنها اختلفت عنها في أن كل صف منها تخطيطه منحن بدلاً من انكسارها في مستقيمات.
وعرفت مصر أنواعًا شتى من القباب؛ منها الكروية، والمضلعة، والبيضاوية، بل وجدت أيضًا قبة كبيرة تنتهي في أعلاها بمنور فوقه مثمنة تحمل قبة صغيرة.
وقد ظهر بناء المدافن الكبيرة، ويلاحظ فيها ثراء زخارفها الخارجية، وكلها مبنية من الحجر. ومقابر الخلفاء بالقرافة الشرقية فيها أكبر مجموعة من تلك القباب. ولذلك يجدر أن نسمي مدينة القاهرة بمدينة القباب الإسلامية، وكلها تمتاز بجمال زخارفها الخارجية، وتتكون من زخارف هندسية ونباتية، وبعضها به زخارف مجدولة والأخرى حلزونية، وأشهرها قباب ضريح برقوق، والأشرف برسباي، وقبة السلطان قايتباي بالقرافة.

القبة العثمانية

يعد عصر السلطان سليمان القانوني العصر الذهبي للعمارة الإسلامية، ومن أهم المساجد العثمانية في القاهرة، مسجد سليمان باشا (1528م) في القلعة، وقبته محمولة على أربعة مثلثات كروية، ثم مسجد سنان باشا ببولاق (1573م)، وتخطيط موضع القبة مربع يحيطه أروقة خارجية من ثلاث جهات عدا الجهة الجنوبية الشرقية، وهي عبارة عن سقيفات مغطاة بقباب منخفضة شكلها كالطاقية. وتمتاز قبة مسجد الملكة صفية (1610م) بأنها مسدسة الشكل، ومحمولة على عقود مدببة تسندها روابط متصلة بالحائط. ومن أمثلة المساجد العثمانية في مصر كذلك مسجد محمد بك أبو الذهب (1188هـ-1774م) بميدان الجامع الأزهر، وهو رابع مسجد وضع تصميمه في مصر على طراز مساجد إسطنبول العثمانية، وهو يتفق في تصميمه مع مسجد سنان باشا.

قبة محمد علي باشا

ومن أهم قباب القرن التاسع عشر، قبة مسجد محمد علي الكبير في القلعة، وقد بني على نمط مسجد السلطان أحمد بتركيا. وقد بدئ في إنشائه سنة (1246هـ-1830م) وتم في سنة (1265هـ-1848م)، ودفن فيه محمد علي في مقبرة أعدها لنفسه بداخل المسجد. والقبة الكبيرة تتوسط المسجد وحولها أربعة أنصاف قباب، والقبة محمولة على أربعة مثلثات كروية. وخارج المسجد من جهته الشمالية الشرقية، والجنوبية الغربية، وكذا حول الصحن، توجد ممرات مغطاة بالقباب الصغيرة. وقد اقتبس مهندس المسجد الزخارف الموجودة به، من تلك الزخارف العثمانية التي انتشرت في القرن الثامن عشر الميلادي، وهي مكونة من أوراق نباتية وزهور ملونة وبعض الفواكة وعناقيد العنب. وقد حليت زوايا القباب والعقود بلفظ الجلالة، و”محمد رسول الله “، وأسماء الخلفاء الراشدين.
أَولى المسلمون اهتمامًا عظيمًا بزخرفة القبة من الداخل والخارج، إذ زيَّنوها بزخارف جمعت كثيرًا بين النقوش النباتية والهندسية والكتابية التي تعبر عن مدى براعة المعماري المسلم ومهارته في الإنشاء والفن.
إن المآذن والقباب فهي السمة البارزة في المسجد، حيث أشارت إلى خط سماء المدينة الإسلامية. وعندما غطي صحن المسجد بالقبة أصبح لها أثر في تحديد الشكل المعماري، إذ وفرت الإنارة والتهوية بشكل كبير للمسجد.
أما عندما يريد المعماري تعويض إحساس المصلي بعدم الانفصال عن السماء، فإنه يجعل على السقف القريب من القبلة قبة. هذا وقد حاول المعماري بالقبة ترجمة قوله تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا)(لقمان:10)، على أرض الواقع.
كما استخدمت القبة في أغراض كثيرة، إذ نجدها في المساجد تغطي المسطح أمام المحراب، وتستخدم أيضًا في تغطية مكان الميضأة، كما في قبة الميضأة بمسجد السلطان حسن بالقاهرة، وفي البيمارستانات والحمامات.. وفي مصر وجدت القبة في أبواب القاهرة الفاطمية؛ مثل باب الفتوح، وباب النصر، وباب زويلة.. بالإضافة إلى استخدام القبة في بناء الأضرحة.

(*) كاتب وباحث مصري.