متى نكوِّن الحس الديني لدى أطفالنا؟

إنّ السّؤال المتمثّل في “ماذا نعلّم الطّفل ومتى نعلّمه وكيف نعلّمه ومن يعلّمه؟” يشغل بال الآباء والأمّهات والمربّين منذ القديم. وعندما يتعلّق الأمر بالمواضيع الدّينيّة يصبح هذا السّؤال أكثر أهمّية. واليوم تقال أشياء مختلفة في هذا الموضوع، بل إنّ بعض الأشخاص الّذين تُعرف نواياهم يصرّون على عدم تلقين الأطفال أي تربية دينيّة حتّى سنّ الحادية عشرة، وهذا الأمر يلقي بضغوطه باستمرار على الأسر في بعض البلاد الإسلامية.

لم يلاحظ في زمن من الأزمان أنّ الإنسان عاش خلوًا من الدّين. ولقد وجد “الدّين” -بلا شكّ- في جميع فترات التّاريخ بغضّ النّظر عن اسمه وشكله. فالإنسان الّذي تسكن بين جوانبه ميول ماديّة وتتنازعه جوانب روحيّة ويسعى جاهدًا من أجل مواصلة وجوده المادّي، يبحث من جانب آخر عن الأجوبة المُقنعة بواسطة “معرفة دينيّة” سليمة بشكل خاصّ. فالتّربية الدّينيّة الّتي يتلقّاها الإنسان في مرحلة طفولته تترك آثارها العميقة في نفسه طوال حياته. ولذلك ينبغي أن تقدّم له هذه المعرفة منذ الطّفولة. وعند النّظر في المراجع المتعلّقة بنفسية الطّفل يلاحظ أنّ مرحلة الطّفولة تنقسم إلى ثلاثة أقسام. وهذه الأقسام الثّلاثة هي بشكل عام على النّحو التّالي:

مرحلة الرّضاعة: بين سنّ 0 – 3 سنوات.
مرحلة الطّفولة الأولى: بين 3-6 سنوات.
مرحلة الطّفولة الأخيرة: بين 6-11 سنة للإناث وبين 6-13 سنة للذّكور.

وتعتبر المرحلتان الأوليان الأكثر تأثيرًا في مستقبل الطّفل.

إنّ الطّفل إذا لم يتلق في طفولته دروسًا إيمانيّة حيّة فإنّ نفسه بعد ذلك يصبح من العسير عليها تقبّل الإسلام وأركان الإيمان.

وينبغي ألَّا ننسى أن الغصن إنما يُلوى وهو لا يزال غضًّا طريًّا. يقول الإمام الغزالي: “إنّ قلب الطّفل فارغ، صاف، له ميل فطري لتلقّي كلّ شيء، والميل إلى كلّ شيء”. وأمّا ابن مسكويه فيقول: “إنّ الطّفل في هذه المرحلة جاهز لتقبّل كلّ التّعاليم والتّلقينات الّتي توجّه له”. وكما يقول ابن سينا: “عند ولادة الطّفل تولد معه جملة من القدرات، بيد أنّه يتعيّن تطوير هذه القدرات”، بمعنى أنّ هذه القابليات إذا وجّهت نحو الخير والدّين نشأ الطّفل مؤمنًا، أمّا إذا وجّهت نحو الشّر والإلحاد فإنّ الطّفل ينشأ غير مؤمن.

ويقول بديع الزّمان: “إنّ الطّفل إذا لم يتلق في طفولته دروسًا إيمانيّة حيّة فإنّ نفسه بعد ذلك يصبح من العسير عليها تقبّل الإسلام وأركان الإيمان، بل إنّ هذه الصّعوبة تصل إلى درجة أن يصبح الواحد في علاقته بتقبّل الإسلام شأنه شأن غير المسلم.”

المصدر: مجلة حراء، العدد الأول، مقال “كيف نكوّن الحسّ الديني لدى الأطفال؟”.