ما هي مخاطر التلوث الضوئي البيئية؟

في التصنيف العــالـمي، لأكثـر المُلوّثـات خطـورة على البيئــة، ورد التلـــوّث البصـــري في مرتبــة مُتقدّمة، وكان تبرير ذلك أنه لا يؤثـّـر على صحة الإنسان وكفى، بل إن تداعياته مُمتدة إلى كافــة الكائنات الحية، التي تـشاطرنا العيش على هذا الكوكب، حتى أن بعضها انقرض بالفعــل نتيجـــة تفشّي هذا النوع من المُلوّثات، الذي هـــو صناعــة بشرية بامتياز، وفي جــل الأحيان يُمارس بــلا وعي ولا دراية بمخاطره. وأوّل مظاهره وأخطرها على الإطـــلاق الإســراف وســـوء اســتخدام الإضاءة الصناعية، خاصة في المناطق الحضريـّة، فما إن تُســدَل ستائر الليل، حتى تغــرق المدن والحواضر في بحر من الأضواء الصناعية الصاخبة.

إن الأطفال دون السنتين، الذين ينامـون على الضوء الصناعي الآتي من الشـوارع، يكونوا أكثر عُرضة للإصابــة بمرض قِصر النظر، خــلال مرحلتي الطفولة والمُراهقة

إن سوء استخدام الإضاءة الصناعية له تأثيرات صحيـة ونفسـية عديدة، وفي هـذا الشـأن تُشير دراسة أعدّها باحثون في جامعة بنسيلفانيا الأمريكية إلى “أن الأطفال دون السنتين، الذين ينامـون على الضوء الصناعي الآتي من الشـوارع، يكونوا أكثر عُرضة للإصابــة بمرض قِصر النظر، خــلال مرحلتي الطفولة والمُراهقة” ويقول د.جورج برانيارد،أستاذ أمراض الجهاز العصبي والمخ بمعهد جيفرسـون الطبي “إن التعرّض للضوء الباهر، يؤثـّـر على الكثير من وظائف الجسم الفيزيولوجية”، ويُضيف د.روبرت هان من مركز السيطرة على الأمراض في واشنطن قائلاً “إن التعرّض المستمر للإضاءة الشديدة بما تحمله مـن أيونات وإشعاعات ضئيلة، إلا أنها تتراكم داخـل الجسـم، وتؤدي إلى حـدوث اضطراب حقيقي في إفـرازات مـادة (Melatonin) ويقـول د.روسيل فوستمو مـن المعهـد الملكي للـعلـوم بلنـدن “إن الـذيـن يقضون ساعات طويلة في وجود مصدر ضوء صناعي، هم أكثر عُرضة للإصابـة بالأرق والحرمان المُزمـن من النـوم”. كما ثبت أيضـًـا أن الإسراف وسوء استخدام الإضاءة الصناعية، له علاقة وثيقة بارتفاع نسـبة مـن يُعانـون من العصبية الزائدة واضطراب الحالة المزاجية.

نحو بيئـة حضريّـة خالية من المُـلوّثات الضوئية

إذا صارت الإضـاءة الصناعيـة تُمثـّـل أحـد مُلوّثـات البيئـة، فالأمـر بالأساس يعود إلى مُستخدميها، فهم الذين أسرفوا وأساءوا استخدامها، ومن ثم فإن الاتجاه نحو إقامة بيئة حضرية خالية مـن الملوّثـات الضوئيـة، يجب أن يُنفّذ في إطار خطة قومية، يُشارك في وضعها والإشراف على تنفيذها،أهـل الاختصاص وأن تتضمن العناصر الآتية:

أولاً: تشجيع الاتجاه نحو استبدال مصابيح الإنـارة التقليديـة،بالأنـواع الأحـدث التي تتسـم بأنها أقل توهّجــًـا، وأكثر رأفة بسـلامة النظر،ولعـل مـن التجارب التي أثبتت نجاعتها في هـذا الشــأن، تجـربــة مدينـة ســان ديغـو،التي عُمم فيها اسـتخدام مصابيـح الصوديـوم منخفضـة الضغط والتي ينبعث منها الضوء في حزمتين فقط من الطيف المغناطيسي، ولقد كان من نتائج هذه التجربة في العــام الأوّل مـن التطبيق،التصالـح إلى حد كبير مع كافة مُكوّنات البيئـة، وصرّح العاملـون بالمرصد الفلكي أنهم صـاروا أكثر قُـدرة على الرصد،حيث “أن الأجهـزة ومُعـدات الرصـد تعمل بكفاءة في ترشيح الضوء”.

ثـانـيـًا: الحرص على نشـر الوعي بين المواطنين، مـن خلال وسـائط الإعلام والاتصال، مـن صحافـة وتلفاز وندوات ومُحاضرات ودروس علم. على أن يتضمّن هـذا العُنصر من الخطة، إبراز أســباب المشكلة ومدى خطورتها، وكيف يُمكن للمواطن أن يُسـاهم في حلّها..وتقديم النُصح والإرشـاد له لكي يكون مُحافظـًـا على هذه النعمة،وليس مُسرفـًـا أو مُسيئًـا في استخدامها.

ثـالثــًـا: تشجيع الاتجاه نحو اسـتخدام المواد المتجانســة بصريــًـا،عند تصميم واجهات العمائـر، وحتى مداخل غُرف الشـُـقق السكنية والمكاتب الإدارية.

رابـعـًـا: يجب أن توجّـه الإضاءة المنبعثة مـن المصابيح نحـو الأسـفل دائمًا،فهذا الإجـراء على بساطته،ثبتت أهمّيته في المتابعة الجيّدة للأرصاد الفلكية، وهجرة الطيور.