لماذا كان بيت العنكبوت أوهن البيوت؟

لم كان بيت العنكبوت أوهن البيوت؟ قال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)(سورة العنكبوت:4).

إن بيت العنكبوت من الناحية المعنوية هو أوهن بيت على الإطلاق؛ لأنه بيت محروم من معاني المودة والرحمة التي يقوم على أساسها كل بيت سعيد.

لنركز في هذه الآية على قوله تعالى: (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ). هذا النص القرآني المعجز يشير إلى عدد من الحقائق المهمة التي منها:
1- الوهن المادي: إن بيت العنكبوت هو من الناحية المادية البحتة أضعف بيت على الإطلاق، لأنه مكون من مجموعة خيوط حريرية غاية في الدقة، تتشابك مع بعضها البعض تاركة مسافات بينية كبيرة في أغلب الأحيان، ولذلك فهي لا تقي حرارة شمس، ولا زمهرير برد، ولا تحدث ظلاً كافيًا، ولا تقي من مطر هاطل، ولا من رياح عاصفة، ولا من أخطار المهاجمين، وذلك على الرغم من الإعجاز في بنائها.
2- الوهن في بيت العنكبوت وليس في الخيوط: فقوله تعالى (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ)، فيه إشارة صريحة إلى أن الوهن والضعف في بيت العنكبوت وليس في خيوط العنكبوت، وهي إشارة دقيقة جدًّا؛ لأن “خيط العنكبوت” ليس أوهن الخيوط، بل على العكس هو من أقواها نسبيًّا.. فـ”خيط الفولاذ مثلاً” أوهن منه.
3- الوهن المعنوي: إن بيت العنكبوت من الناحية المعنوية هو أوهن بيت على الإطلاق؛ لأنه بيت محروم من معاني المودة والرحمة التي يقوم على أساسها كل بيت سعيد، وذلك لأن الأنثى في بعض أنواع العنكبوت تقضي على ذكرها بمجرد إتمام عملية الإخصاب، وذلك بقتله وافتراس جسده، لأنها أكبر حجمًا وأكثر شراسة منه. وفي بعض الحالات تلتهم الأنثى صغارها دون أدنى رحمة، في بعض الأنواع تموت الأنثى بعد إتمام إخصاب بيضها الذي عادة ما تحتضنه في كيس من الحرير..

وعندما يفقس البيض تخرج العناكب فتجد نفسها في مكان شديد الازدحام بالأفراد داخل كيس البيض، فيبدأ الإخوة الأشقاء في الاقتتال من أجل الطعام، أو من أجل المكان، أو من أجلهما معًا ،فيقتل الأخ أخاه وأخته، وتقتل الأخت أختها وأخاها حتى تنتهي المعركة ببقاء عدد قليل من العنيكبات التي تنسلخ من جلدها، وتمزق جدار كيس البيض لتخرج الواحدة تلو الأخرى، والواحد تلو الآخر بذكريات تعيسة، لينتشر الجميع في البيئة المحيطة، وتبدأ كل أنثى في بناء بيتها، ويهلك في الطريق إلى ذلك من يهلك من هذه العنيكبات.

عندما يفقس البيض تخرج العناكب فتجد نفسها في مكان شديد الازدحام بالأفراد داخل كيس البيض، فيبدأ الإخوة الأشقاء في الاقتتال من أجل الطعام، أو من أجل المكان.

ويكرر من ينجو منها نفس المأساة التي تجعل من بيت العنكبوت أكثر البيوت شراسة ووحشية، وانعدامًا لأواصر القربى. ومن هنا ضرب الله تعالى به المثل في الوهن والضعف، لافتقاره إلى أبسط معاني التراحم بين الزوج وزوجه، والأم وصغارها، والأخ وشقيقه وشقيقته، والأخت وأختها وأخيها.
قام أحد العلماء بدراسة طبيعة البيت العنكبوتي من الداخل، فوجد أن الذكر بعد أن يقوم بتلقيح الأنثى، تقوم الأنثى بافتراسه وتتغذى على لحمه طيلة فترة الحضانة للبيض، وبعد أن يفقس البيض تتغذى اليرقات على أضعفها، ثم بعد أن يقوى ويشتد عود ما تبقى من الصغار، تقوم بأكل أمها لأنها أصبحت أضعف الموجود، ثم يلقح الذكر الأنثى ثم تقوم بأكله وهكذا دواليك.
ومن هنا فإن الضعف في بيت العنكبوت، في ضعف الترابط الأسري بين أعضائه.

كلمة أخيرة

إن هذه الحقائق المدهشة، تدفعنا للتساؤل عن كيفية التوفيق بين وهن البيت في الآية الكريمة، وقوة المادة التي يبنى منها، وكيف يجتمع في منشأة واحدة الحد الأدنى من الوهن والهشاشة، والحد الأقصى من القوة والمرونة.
إن وصف بيت العنكبوت بأنه أوهن البيوت فيه دلالة واضحة على إعجاز القرآن وأنه من عند الله، حيث لم يقل القرآن خيط العنكبوت أو نسيج العنكبوت، لأن الخيط بذاته له صفات خاصة تجعله من الخيوط القوية، وإنما قال بيت العنكبوت، ولعل التفريق بين وهن البيت، وقوة المادة التي يبني منها، يثبته استعمال الآية الكريمة لكلمة “بيت” وليس “خيطًا” أو “شبكة”، ليبقى القرآن يسطر لنا آيات وبينات معجزة، تخرس لها الألسن الحداد، وتذهل لها العقول المنصفة.
(*) استشاري في طب وجراحة العيون، وعضو الجمعية الرمدية المصرية.