لا تغضب

الغضب جماع الشر، ومصدر كل بليّة، فكم مُزّقت من صلات، وقُطعت من أرحام،  وأُشعلت نار العداوات، وارتُكبت بسببه العديد من التصرفات التي يندم عليها صاحبها ساعة لا ينفع الندم. إنه غليان في القلب، وهيجان في المشاعر، يسري في النفس، فترى صاحبه محمر الوجه، تقدح عينيه الشرر، فبعد أن كان هادئًا متزنًا، إذا به يتحول إلى كائن آخر يختلف كلية عن تلك الصورة الهادئة، كالبركان الثائر الذي يقذف حممه على كل أحد، فإن الغضب إذا اعترى العبد، فإنه قد يمنعه من قول الحق أو قبوله، وقد شدّد السلف الصالح رضوان الله عليهم في التحذير من هذا الخلق المشين.

وها هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : ” أول الغضب جنون، وآخره ندم، وربما كان العطب في الغضب”.

ويقول عروة بن الزبير رضي الله عنهما : “مكتوبٌ في الحِكم: يا داود إياك وشدة الغضب؛ فإن شدة الغضب مفسدة لفؤاد الحكيم ” .

وأُثر عن أحد الحكماء أنه قال لابنه : “يا بني، لا يثبت العقل عند الغضب، كما لا تثبت روح الحي في التنانير المسجورة، فأقل الناس غضباً أعقلهم “.

وقال آخر : ” ما تكلمت في غضبي قط، بما أندم عليه إذا رضيت “.
وقال لقمان لأبنه :” إذا أردت أن تؤاخى أخا فأغضبه، فإن أنصفك وهو مغضب وإلا فاحذره”.

والغضب شيء طبيعي، وعادة ما يكون شيئًا صحيًا ولكن وفق معايير معينة لأنه عاطفة بشرية. وإذا وصل الإنسان إلى نقطة عدم التحكم يصبح مدمرًا ويؤدى إلى مشاكل عديدة.. مشاكل في العمل، مشاكل في العلاقات الإنسانية، أو مشاكل في الحياة العامة.
لأنه يبعد العقل والدين عن سياستها للإنسان، فلا يبقى له معه نظر ولا فكر ولا اختيار، بل يعمى صاحبه ويصمه عن كل موعظة أو تذكرة، وتخرج أفعاله عن الترتيب، ويتعاطى فعل المجانين، ويكون شكله وصورته ساعة الغضب لا تعجبه لو رأى نفسه، ويصدر منه من الأقوال المحرمة والأفعال المحرمة ما لا يستطيع الاعتذار عنها بعد ذهاب الغضب، بل قد تكون أوبقت دنياه وآخرته، كسبع أكل صاحبه.

جاء في كتاب هاريسون الطبي أنه من الثابت علمياً أن هرمون النور- أدرينالين يزداد بنسبة 2–3 أضعاف لدى الوقوف بهدوء لمدة خمس دقائق، أما هرمون الأدرينالين فيرتفع ارتفاعاً بسيطاً في الوقوف لكن الضغوط النفسية تزيد من نسبته في الدم … ولا شك أن ارتفاع العاملين معاً، الغضب والوقوف يرفع نسبة هذين الهرمونين بشكل كبير.

فمن علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أن هذه الهرمونات تزداد بالوقوف وتنخفض بالاستلقاء حتى يصف هذا العلاج ؟”… لا شك أنه وحي يوحى إليه عليه الصلاة والسلام. هذه هي “كلمة السر” التي تضمن لك العبور بسكينة وسلام ،  وتمنحك الأمن والطمأنينة والسعادة، وتجنبك كثرة المشاحنات والانفعالات المدمرة.  تذكرها ورددها دائماً: (لا تغضب).

ينبغي علينا في زحمة الحياة وصخبها أن نذكّر أنفسنا بكلمة واحدة نكتبها أمام أعيننا في بيوتنا ومكاتبنا تقول الكلمة: «لا تغضب» يكتبها المسئول والعالم والمدير والتاجر والموظف والزوج، وإذا استطعنا أن ننتصر على أنفسنا ونقهر غضبنا فسوف يقل القتل والخصام والشجار والطلاق والقطيعة والشحناء والبغضاء والأمراض والهموم والأحزان، وسوف ننعم بحياة ملؤها السلام والسعادة والأمن والسكينة، وصدق الله تعالى حيث يقول: «وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ».