كيف تثبت على سلوك تحبه؟

كم يحتاج الإنسان من الوقت ليكتسب سلوكًا جديدًا، وكم يحتاج من الوقت لكي يتحول ذلك السلوك إلى جزء من طبيعته؟

  • اكتساب سلوك جديد

أشار بعض علماء النفس إلى أن ٢١ يوما يكفي لاكتساب عادة جديدة، وذكر آخرون ٣٠ يومًا، أما بعض علماء الصوفية من أهل السلوك فقد لفتوا الأنظار إلى ٤٠ يومًا. ومما لا شك فيه أن هذه الفترة قد تختلف من شخص إلى آخر حسب عمره ومزاجه وقابليته للتغيير.

لكن يؤكد علماء النفس على ضرورة “تحديد السلوكيات” التي نريد أن نتطبع بها أولاً.

ثانيًّا: وضع “برنامج” يتم من خلاله ممارسة تلك العادات بانتظام.

ثالثًا: تعيين “مدة زمنية” يتم أثناءها تطبيق ذلك البرنامج.

رابعًا: “الالتحاق بفريق” متحمس قد انخرط في البرنامج نفسه، وذلك للاستفادة من روح الفريق لمواصلة السير والثبات على البرنامج.

  • رمضان فرصة ذهبية

أغلب الناس لا ينتبهون إلى أن رمضان فرصة ذهبية لاكتساب مجموعة من العادات والسلوكيات التي تدخل السعادة في أرواحنا وأبداننا وأسرتنا ومجتمعنا. رمضان تنطبق عليه جميع المعايير التي ذكرناها آنفًا؛ فهناك سلوكيات واضحة محددة يرغب كل واحد منا أن تكون جزءًا من طبيعتنا، ثم هناك برنامج واضح المعالم على مدار ٢٤ ساعة من غرة الشهر إلى ختامه، وهو يمتد لمدة ٣٠ يومًا وهي مدة كافية للاستقرار على سلوك معين، الأكثر إثارة أن أكبر فريق في العالم عددًا ينخرط في برنامج هذا الشهر، إذ إن جميع المسلمين أعضاء في هذا الفريق، أي إن الروح الجماعية متوفرة إلى أقصى حدود.

رمضان ينقش في نفوس أبنائه سلوكيات لا حصر لها، لكن يمكننا أن نلخص بعضها في نقاط معينة، كما يمكننا أن نعتبر هذه السلوكيات مقياسًا لنا ننظر من خلاله -أثناء رمضان وفي ختام رمضان- إلى أنفسنا ونقيم أداءنا في ضوئه:

 سلوكيات فردية

لدى نظرة خاطفة نجد أن رمضان يقدم للإنسان برنامجا ذا بعدين، البعد الأول يتعلق ببدن الإنسان والبعد الثاني يتعلق بروح الإنسان. إذن هو برنامج يستهدف الإنسان بشقيه البدني والروحي ويدربه على اكتساب سلوكيات تتعلق بهذين الشقين.

ففي الشق البدني هناك تنظيم للمأكل والمشرب بصورة جذرية، هناك ضبط للكمية التي ينبغي أن تؤكل، وجبة في العشاء ووجبة في السحور واستراحة للمعدة طوال النهار. ويجدر التنبيه هنا إلى وجبة الإفطار بالأخص، الأصل في وجبة الإفطار ألا تثقل على البدن، لأن ذلك سيشوش عليه في صلاة التراويح وقيام الليل.

لكن الواقع غير ذلك في حياتنا اليومية، فوجبة الإفطار لا بد أن يتوفر فيها كل ما لذ وطاب من الطعام، بل إن وجبة الإفطار أشبه بمعرض فني للطعام تظهر فيه ربات البيوت كل مهاراتهن، ويهجم الصائمون على الطعام ليعوضوا كل ما فاتهم في النهار من حرمان.

بالتأكيد هذا مخالف لبرنامج رمضان، فالبرنامج في جزئه الغذائي يستهدف وجبة صحية خفيفة تساعد على قيام الليل، وهذا يستدعي من الصائم أن يحدد برنامجًا في التغذية يوافق روح رمضان، ويستمر على هذا البرنامج طيلة الشهر حتى يتسنى له التطبع بسلوك التغذية الصحية، هذه التغذية المنتظمة سوف تساعد الإنسان على أن يسيطر على وزنه ونسبة السعرات والدهنيات، كما تساعده على أن يحصل على صحة متوازنة جيدة فيضبط نسبة السكر والكولسترول وباقي المنغصات الصحية.

إن رمضان فرصة ذهبية لتشكيل “مينو” مثالي في المطبخ، بل فرصة ذهبية لإعادة بناء ثقافة مطابخنا من جديد. ما أقصده أن برنامج المأكل والمشرب في رمضان ليس برنامجًا مؤقتًا يُترَك مع مغادرة رمضان، بل رمضان فرصة ذهبية لوضع برنامج متكامل في المأكل والمشرب يستمر في باقي أيام السنة كلها.

دعونا في المقال المقبل نتحدث عن السلوكيات المتعلقة بالشق الروحي التي يدربنا رمضان على تحصيلها.