قيمة التفكر والتأمل

أجل العبادات وأفضلها هو ما يزيد الإيمان ويربط الخلق بالخالق، ومن بين العبادات التي  تكسب الإنسان الإيمان واليقين وراحة النفس والطمأنينة والسعادة في الدنيا والآخرة عبادة التفكر والتأمل، تلك العبادة الغائبة عن كثير من الناس رغم ضرورتها واحتياج الناس إليها، وقد أعطى القرآن الكريم وكذلك السنة المطهرة مساحة كبيرة للحديث عن عبادة التفكر والتأمل في الكون والنفس والأفاق، وكان هذا الاهتمام بهذه العبادة؛ لأن لها ثمرات متعددة، فعن طريقها يدرك الإنسان عظمة الخالق سبحانه وتعالى، فيرى بديع قدرته وعجيب صنعه وإتقانه: “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ”(فصلت:53). وهذا الإدراك لعظمة الله يقوى الإيمان، ويقود الإنسان إلى الخشوع واليقين، قال تعالى: “وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ”(الأنعام:75).

ورغم أهمية عبادة التفكر والتأمل فإن كثيرًا من الناس يغفلون عنها، مع أنها من أهم عوامل تحريك الإيمان بل وثباته في القلوب، وقد عاب القرآن الكريم على الذين يعطلون هذه العبادة؛ لأن تعطيلها يحجب الإنسان عن الوصول إلى الحقائق والعبادة الحقة، قال تعالى:”لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ”(الأعراف:179).

الجمع بين عبادة المحراب وعبادة التفكر والتأمل منهج إسلامي:

القرآن الكريم لم يرد للأمة المسلمة أن تنشغل بعبادة الأجسام في المحراب دون دمجها بعبادة العقل والفكر والتأمل، فعبادة ليس فيها روح التعقل والتفكر عبادة مردودة على صاحبها؛ لذا جمع القرآن الكريم بين عبادة المحراب وعبادة التفكر والتأمل، قال تعالى “قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ۖ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا”(سبأ:46).

وقالصلى الله عليه وسلم:”إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له نصفها ولا ثلثها ولا ربعها ولا خمسها ولا سدسها ولا عشرها “وكان يقول :”إنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها”

وسأل ابن عمير عائشة-رضى الله عنها: أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكتت ثم قالت: لما كان ليلة من الليالي قال: “يا عائشة، ذريني أتعبد الليلة لربي”، فقلت: والله إني لأحب قربك، وأحب ما سرك، قالت: ” فقام فتطهر، ثم قام يصلي، فلم يزل يبكي حتى بل حجره، ثم بكى، فلم يزل يبكي حتى بل لحيته، ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض “فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال: يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟، قال: “أفلا أكون عبدا شكورا؟، لقد نزلت علي الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها:”إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ”(البقرة:164).

وسئلت أم الدرداء عن أفضل عبادة أبي الدرداء قالت: التفكر والاعتبار، وعن طاوس قال: قال الحواريون لعيسى ابن مريم: يا روح الله، هل على الأرض اليوم مثلك؟ فقال: نعم من كان منطقه ذكرًا وصمته فكرًا ونظره عبرة فإنه مثلي.. وقال عمر بن عبد العزيز: الفكرة في نعم الله عز وجل من أفضل العبادة. وقال بِشْر: لو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله عز وجل.

طريقنا لإحياء عبادة التفكر والتأمل:

1- النظر إلى عبادة التفكر والتأمل على أنها أمر واجب وليست أمرًا هامشيا:

وهناك أدلة كثيرة تدل على ذلك ،منها:

  • “قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ”(يونس:101).
  • “قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”(العنكبوت:20).
  • كثير من آيات القرآن الكريم تختم بقوله تعالى:”أفلا يعقلون”(يس:68)، وبقوله:”لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ”(الجاثية:13)، وقوله” لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ”(القصص:51). إلى غير ذلك من الآيات.

2- النظر والتدبر في آيات الله المسطورة والمنظورة، وتحويل حياة العادة إلى عبادة:

بمعنى أننا نخرج كل يوم فنرى الكون من حولنا، ونرى بديع صنع الله ولكن هذا النظر أصبح من قبيل العادات وليس من قبيل العبادات، وهذا يحتاج منا أن نفعل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، فأين تفعيل قول الله تعالى في حياتنا:”أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ -وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ”(الغاشية:17-22).

وتفعيل قوله تعالى-عندما نجلس على موائدنا ونأكل من خيرات الله:”فلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبّاً ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاً مَتَاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ”(عبس:24-32).

بل أين تفعيل قوله تعالى-عندما يأمرنا أن ننظر فى بدايتنا ونهايتنا:”فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ”(الطارق:5-8).

3- فتح آفاق المعرفة والتعلم والاهتمام بقضايا الإعجاز العلمي:

من نافلة القول أن نبين اهتمام الإسلام بالعلم، فأول آية نزلت أمرت بالعلم، والرسولصلى الله عليه وسلم طلب من ربه زيادة في العلم كما حكى لنا القرآن الكريم:”وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا “(طه:114). والعلم الذى طلب الزيادة منه نبيناصلى الله عليه وسلم ليس مقصورًا فقط على العلم الشرعى بل علم جمع بين مختلف العلوم، وهو ما حث أصحابه عليه كثيرًا، فقد أمر أسامة بن زيد أن يتعلم العلوم الأخرى، فكل علم يفيد وينمى الإنسان هو علم مطلوب، ومن هنا يجب علينا أن نفتح آفاق المعرفة والتعلم وخاصة العلوم المتعلقة بقضايا الإعجاز العلمي، فالإعجاز العلمي يعد بابا من أبواب الفقه في الدين ،ودليل ذلك أن أهل اليمن عندما جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهم يسألونه عن التفقه أعطاهم وغيرهم حقيقة علمية ؛وذلك ليدل على أن البحث عن الحقائق العلمية والإعجاز العلمي من التفقه في الدين، روى البخاري عن محرز بن حصين قال: قال أهل اليمن لرسول اللهصلى الله عليه وسلم جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر فقال: “كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء” كما أن الإعجاز العلمي من أمضى الأدلة في عصرنا الحالي لإقامة الحجة على الملاحدة، وإثبات صحة الرسالة وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم.كما أنه يعمل على:

  • تجديد بينة الرسالة في عصر الكشوف العلمية.
  • تصحيح مسار العلم التجريبي في العالم.
  • تنشيط المسلمين للاكتشافات الكونية، بدافع من الحوافز الإيمانية.
  • يعد من أيسر الطرق لجذب عقول الغربيين إلى الإسلام وإقناع الماديين والملحدين وغيرهم وبخاصة في عصرنا الحاضر.