قطوف من حدائق المخلوقات

هل جلست في حدائق المخلوقات تتأمل قطوفها الدانيات، وعجائبها البالغات، وغرائبها المدهشات، وأسرارها الحكيمات؟. وإذا كنت فعلت ولعلك فعلت كثيرًا فهل لك أن ترتشف الجديد، وتتذوق المفيد، وتشخص بعقلك للسر العتيد، وترنو بفكرك إلى المزيد والمزيد، وأعدك بالجديد؟ هل جاءك نبأ (الطيور الثعبانية) أو (القاذفات) كالقاذف الإفريقي والزق الأحمر والزقة الأميركية التي تسبح وأعناقها الطويلة نسبيًا مرفوعة خارج الماء فتبدو كرأس أفعي الكوبرا. كما تغوص باحثة عن فرائسها لفترات طويلة. وانظر لهذا العبقري.. طائـر (الماليـو) Maleo Birds و”إستراتيجيته” في تفريخ بيضه (ست بيضات). حيث تقوم الأنثى بدفنها في حفرة قـرب أراض بركانية لتستفيد مـن درجـة حرارة الأرض. وبعد دفـن بيضها تنتهي علاقتها به، فتخرج الأفراخ ـ بعـد ثلاثة أشهـرـ مكتملة الريش وقـادرة علـى الطيـران غريزيًا.

وهل استوقفك “الطائر اللئيم النصاب” طائر الوقواق Cuckoos ومنه الوقواق الأوروبي، والأسيوي، والأرقط الذي لا يكلف نفسه عناء نسج عش ولا يربي صغاره. بل (يتطفل) على أعشاش طيور أخرى كـعصفور الشوك، وأبو الحناء، وأبو قلنسوة، والبلبل، والهزار، والقبرة، وحمام الغابات الخ. تراقب الأنثى عش “الضحية”، وتضبط وقت وضع بيضها مع وضع الضحية لبيضها. فتضع بيضها على الأرض بين كل بيضة وأخري أيام)، ثم تحمله بمنقارها لتودعه العش المختار. وتنقض على العش فتلتقط إحدى (أو أكثر) بيضات الطائر الضحية، لتجنب اكتشاف وضع بيضها (المشابهة). وتختلط البيضة (الدخيلة) على أصحاب العش، فيتولون رعايتها.. فقساً وتغذية. ويكتمل تكوينها بسرعة، وعادة تكون أول ما يفقس في العش. وتبدأ مرحلة (توارثها) الفرخ الصغير حيث يلقي ببيض الطائر الأصلي من العش. لينفرد برعاية المساكين، حيث يكد الأبوان ويشقيان لتوفير طعام كاف لهذا الابن (الدخيل المزيف) النهم الذي لا يشبع.

‏وهل شاهدت مقطع الفيديو المتداول لطائر “العقعق” (الفيزيائي بفطرته) الذي يستعين بحصاة تلو أخري لترسو في قاع زجاجة ماء (لا يريد إمالتها فتنسكب على الأرض) كي يرتفع منسوبه فيشرب منها، فمن عمله قانون الإزاحة؟ وهل حضرت جلسات “محكمة الغربان”؟ حيث يحاكم كل من يخرج على “عدالتهم الغريزية”. فعندما يغتصب أحدهم طعام أفراخ يقومون بنتف ريشه ليعجز عن الطيران كالصغار. وإذا اغتصب عشًا أو هدمه يلزم المعتدي ببناء عش جديد (من أتلف شيئًا أصلحه). ومن يعتدي على أنثى غراب أخر، فيقتل ضربًا بالمناقير. وتنعقد المحكمة في حقل زراعي، تتجمع فيه هيئة المحكمة، ويجلب المتهم، وتبدأ محاكمته فيُنَكس رأسه، ويخفض جناحيه، ويمسك عن النعيق اعترافا بذنبه. فإذا صدر الحكم بإعدامه، قفزت جماعة من الغربان عليه توسعه تمزيقاُ بمناقيرها الحادة حتى الموت، ثم يحفر له قبراً، ويواري الثري.

وهل علمت معيار اختيار أنثى النسر أباً لصغارها؟ تأخذ عوداً من شجرة وتحلق به وعندما يجتمع حولها بعض الذكور ترمي به فيمسكه أحدهم قبل وصوله الأرض، ويعود به إليها، فتأخذه بمنقارها لتعيد الكرة مرات عدة، وكل مرة يعيده أحدهم إليها. ومن لا يمل المحاولات يُختار زوجًا. وقبل وضعها بيوضها بالعش يبدأ الزوجان بنتف أنعم الريش والزغب من جسديهما لتغطية العش ليكون ناعمًا دافئًا للأفراخ عند الفقس. وباكتمال نمو ريشهم وذيلهم يقرر الوالدان أنه حان الوقت ليعتمدوا على أنفسهم فيجلس النسر الأب على حافة العش ويهز العش بجناحيه حتى يتخلص من الزغب (الوثير) الذي غطيا به العش لتنكشف الأغصان الخشنة. ويتململ الصغار من مكانهم غير المريح، وتصطاد الأم شيئًا ولكنها تأكل صيدها على مرأى من الصغار ولمسافة لا تقل عن خمسة أمتار فتثير شهية الصغار الجائعين! وهنا يبدؤون بأولى محاولاتهم الطيران، ويأتي دور الأب الذي يسرع إلى التقاط الصغير الذي يهوي من علٍ (كما فعل من قبل مع العود) ويضعه على ظهره ويحلق به عالياُ ويعيد الصغير الجائع إلى العش الخشن. فيكرر الصغير المحاولة ويكرر النسر الأب إنقاذه، وهكذا يتعلم صغار النسور الطيران! وإذا علمت أن أنثى النسر تضع ما بين (بيضتين – خمس) سنوياً، ستعرف لماذا تختار أبا متفانياً في تربية صغارها!

وانظر لأول ما يقوم به صائدوا الصقر بعد صيده “بعد عناء”، هو دفن جسمه في الرمل وترك رأسه مرفوعة، وسكب الماء عليه. حيث لوحظ ازدياد معدل ضربات قلبه، وإيذاء نفسه، ونتف ريشه “محاولاً الانتحار”. ويفضل اختفاء من قام (بأسره، وأفقده حريته)، لأنه يحزن كلما نظر إليه، وقد ينفق من شدة حزنه.

وتستطيع فصائل البوم (تزيد عن مائتين) تدوير عنقها ورأسها لما يقارب 270 درجة!. إنه التواء شديد لا يكسر عنقها المكون من أربعة عشرة فقرة بينما تمتلك معظم الفقاريات سبع فقط. أما عيونها فغير كروية (لا تتحرك في اتجاهات) بل على شكل (أنبوب العين) مما يوفر رؤية ليلية استثنائية، عبر منظور ثابت، وهذا يفسر امتلاكها لتلك العنق المرنة. وهل قرأت عن تلكم الإوزة التي تحمل سماً ولا تموت؟ إنها إوزة “أبو قرن” Spur Winged Goose (Meloidae) من الطيور الإفريقية البرية غير المهاجرة. وتعتمد في نظامها الغذائي على خنافس البثور (تحتوي سم الكانثاريدين)، لذا فلحمها سامً لمن يأكله (عشرة مللي لترات تقتل شخصًا).

ومن قطوف أمة الحشرات: جراد الصحراء “لا يورث غذاءً، بل سلاحا”. حيث يتغذى على أوراق نبات Calotrpus procers  المُحتوية على سُمين يريدهما الجراد (دون سائر سمياته) للدفاع عن نفسه ضد أعدائه. ويترك منهما مخزونا بجانب بيضه حيث تفقس حشراته الصغيرة فتجد “أسلحة كيميائية دفاعية”. وهل تابعت حشرة “بتيلوسيرس” التي تتصنع الموت بجوار بيت للنمل، وعلى بطنها شعيرات ناعمة حمراء تحيط بغدة تفرز رحيقاً. ويمتزج الرحيق بالشعيرات ليكون “فخًا جاذبًا”. فعندما تلعقه نملة “تتخدر” فتنهض الحشرة “المخادعة” فتفصل رأسها عن جسدها. وتدفع خرطومها في رقبتها فتمتص مكوناتها الحيوية فلا يبقي من النملة إلا جلدها، لتعاود التماوت مرة أخري. وعلى شاكلتها.. ينخر “الزنبور” بإبرته السامة المركز العصبي “للجندب النطاط” فـ “يخدره”، ولا ينفق فيفسد لحمه، بل يبقي “لحماً محفوظًا” تبيض عليه الأنثى، وتغطي الحفرة وتموت وقد “أمنت” لصغارها غذائهم قبل قدومهم. ويشن النمل (السفاح) غارات على مستعمرات مجاورة، فيقتل ملكتها، وينهب محتوياتها، ويعيث فيها فسادها، ويقتاد شغالاتها فيجبرهن على العمل لديه.

وتستطيع النحلات الطنانة رف جناحيها بسرعة 230 رفة/ ثانية. فتولد شحنات كهربائية موجبة، فتجمع غبار طلع الأزهار (ذو شحنة سالبة) فيلتصق بأجسادها. وتتحسس النحلات الحقل الكهربائي للزهرة، وتحديد ـ من علٍ ـ الأزهار التي تمت زيارتها من أخريات اعتماداً على الشحنات الموجودة في الأزهار. ويستطيع الذباب الطيران في أي اتجاه والطيران على أحد الجانبين ويقرر وجهته في واحد على مائة من الثانية. وله ثمان وثلاثين عضلة، عشرون منها تحرك الأجنحة والباقي لتحريك الرأس في جميع الاتجاهات. ويتعدى عدد ضربات جناحيه 200 ضربة/الثانية. وله في كل عين 600 عدسة وكل عدسة تتصل بمخ الذبابة. وهذه العيون ترى فى كل الاتجاهات وتستطيع أن ترى أكثر من 100 صورة/ثانية. وجسمه مغط بزوائد تمكنه من الالتصاق بأي جسم. وعندما تلتهم الذبابة شيئاً من الطعام تبادر إلى فرز أنزيمات هاضمة عليه، لتحلله، فيصل ـ فى ثوان ـ إلى معدتها مهضوماُ ومغايراً لحالته الأولي.

ومن قطوف أمة البرمائيات: يظهر ضفدع السهم السام “dendrobates” بهيئات ملونة زاهية وملونة لكنه سام. وهو صغير الحجم (طوله 2-5 سم، ووزنه 3 جم). ويقفز لمسافة 10-20سم. ويبلغ متوسط عمر الضفدع الأزرق 9 سنوات، ويكثر في الغابات الاستوائية بالبرازيل وكوستاريكا. وخلافا لمعظم الضفادع هذه الأنواع تنشط خلال النهار ويقتل شخصاً بمجرد ملامسة جلده، فيفرز مادة سامة “باتراكوتسينا”. ويكفي نحو اثنين ميكروجرام يحتويها جلده لقتل عشرة بالغين. وسمي بذلك لاستخدام الهنود الحمر إفرازاتها لتسميم رؤوس الأسهم لتقتل فوراُ. أما ضفدع الرعب” horror frog”/الضفدع المُشعر” فعند شعوره بالخطر يكسر أصابعه فتشق العظام طريقها عبر الجلد وتبرز للخارج، فيستعملها كمخالب حادة للدفاع عن نفسه. ثم يلتحم العظم واللحم مجدداً بعد فترة قصيرة. ووقت الفجر.. تغدو عيون التماسيح حمراء لوجود سطح عاكس للضوء (البساط الشفاف)“Tapetum lucidum” ، يعكس الضوء في خلايا المستقبلات الضوئية، مما يتيح رؤية فائقة في حالات الإضاءة المنخفضة. والتمساح لا يستطيع إخراج لسانه من فمه، وهو الوحيد الذي يحرك فكها العلوي أثناء الطعام أما باقي الكائنات الحية فتحرك فكها السفلى.

أما القطوف التي من عالم البحار فمنها: تضع أنثى سمكة “جاو فيش” (في المياه الضحلة بجزيرة “كورون” بالقرب من السواحل الفلبينية) أكثر من 400 بيضة؛ داخل فم الذكر/ الأب. فيصوم.. ولا يمكنه مضغ أي طعام طيلة فترة وضع البيض داخله؛ لحين الفقس وخروج الذريعة للحياة. كما يضطر الذكر لإبقاء فمه مفتوحاً طيلة فترة الحضانة؛ لتوفير الماء الغني بالأكسجين اللازم للبيض. كما يقوم بتدوير البيض حتى يحصل الجميع بالتساوي على حصته من الأكسجين.

وهل تابعت خبراً نقلته صحيفة (ذا صن) البريطانية، حيث يأمل مختصون أن سمكة الزرد (تتميز بخطوط على جسمها)، قد تكون مفتاحاً لعلاج فقدان بصر البشر. فهذه الأسماك تعيد نمو أجزاء الجسم المفقودة أو التالفة بما في ذلك شبكية العين، وتستعيدها في غضون أسبوع. وقال البروفيسور “جيمس باتون”: “يحتوي دماغها على مادة كيميائية تسبب “هجرة خلايا” إلى الأعضاء التالفة فتصلحها، وحوالي 70٪ من جيناتها تشبه البشر، مما قد يفيد البشر على “استعادة شبكية عين جديدة”.  وحتى عام 2002 لم يعثر على أي ذكر لفصيلة “إخطبوط العباءة” حيث افترض أن حجم الذكر قريب من حجم أنثاه، لكنه كان أصغر من إصبع الإبهام البشري (طوله 2 سم) بينما الأنثى طولها متران ووزنها 40,000 ضعف وزن الذكر.

سمكة الزرد

ومن قطوف أمة الثدييات.. أتعلم الحيوان الوحيد الذي (يقدد) طعامه كالإنسان؟ يعيش “قط الرمال” في صحاري الجزائر فقط. وهو من الهرر “الأصيلة” ولا يتزاوج مع سلالات أخرى. يصطاد ليلا ويحرس وكره نهارًا، طعامه الأساس هو القوارض والحشرات والزواحف والطيور الزرقاء والأفاعي السامة. لديه حاسة سمع فائقة ليسمع أصوات القوارض في جحورها تحت الرمال. وعند استهدافه لصيد.. يضع رقبته على الرمال وأذناه في مستوى أفقي على الأرض وحاكي في ذلك أنظمة الرادار في المسح الأفقي. ثم يحفر للوصول إليها. وطريقته في الاصطياد مبهرة، حيث يوجه ضربة خاطفة للرأس ويليها عضة قوية للرقبة حتى تموت. وعندما يصطاد فريسة كبيرة، يدفنها في الرمال، ويعود إليها عندما يجوع وهو بذلك الوحيد الذي يحاكي الإنسان في تجفيف اللحم وتقديده.

قط الرمال

وتهتم الفيلة ـ اجتماعيًّا بشؤون بعضها البعض. فتحزن لموت فرد منها، وتغطيته بالأغصان والتراب وتبقى بقربه لأيام. كما تحاول مساعدة بشر مصابين، وتنوح عند رؤية بشر متوفين كما تفعل مع أفراد عائلتها. ويتفرد فرس النهر بحليب وردي اللون. فوفق نظامه الدفاعي.. ينتج نوعين من الأحماض: “hipposudoric (أحمر قان)، و “norhipposudoric (برتقالي). وتعيق هذه الأحماض البكتيريا من البقاء على جلده، وتعمل كواق شمسي ضد الأشعة فوق البنفسجية. وغالبًا ما يحتوي حليب فرس النهر على الحمض ذو اللون الأحمر (بمزج الأبيض والأحمر يعطي لونًا ورديًا). وكوب منه يحتوي نحو 500 سعراُ حرارياُ. وكما تنتشر أغاني (البوب).. يكرر ذكور (الحوت الأحدب) ”أغنية“ مدتها من 10- 20 دقيقة ويشدو بها لما يزيد على 24 ساعة. فما الغرض من وراء هذه العروض الموسيقية المستمرة؟. لعله جذب الإناث أو تحدي الذكور الآخرين أو لتحديد الموقع عن طريق الصدى، أو لمجرد أنهم يحبون الغناء!. فالمحيط مكان ضخم جداً، ولعلها الطريقة التي تقضي بها الحيتان وقتها. فتبدأ الألحان في تجمع صغير من الحيتان. وبعد نحو سنتين تنتشر الأغاني بين تجمعات كثيرة في المحيط.

وتنام بعض الثدييات البحرية كالدلافين والحيتان، (نوماً نصف دماغياً)، فينام النصف ويبقى الآخر مستيقظاً. لذا تصعد للسطح للتنفس وهي نائمة. أما الدجاج والبط الذي يمتلك نفس القدرة فيساعدها على البقاء منتبهة لأي مفترس محتمل. وبكسله.. يوفر حيوان “الكسلان” طاقته، فطعامه (المختار) أوراق الشجر، وتزوده بطاقة وعناصر غذائية قليلة، ويتم هضمها ببطء. وبشبعه يكون ثلثي وزنه أوراقاُ مأكولة. ويترجل من فوق الأشجار مرة أسبوعياً لقضاء حاجته فى حفرة أرضية، يغطيها بالأوراق ثم يصعد لبر الأمان. وربما بفعلته هذه ـ يستطيع قضاء حاجته وهو معلق ـ يريد تسميد شجره المفضل! لكن نصف حالات موته بسبب ترجله لقضاء حاجته. وتعد “الظربان” حيوانات مسلحة بسلاح كيميائي قوي في غدتها الشرجية إذ يطلق رائحة كالبيض الفاسد ترغم أشد الخصوم على الهرب.