فيزياء الصوت والصيحة

لا شك أن الصوت هو أحد الظواهر الكونية الهامة، ووسيلة فاعلة من وسائل التواصل عند الإنسان والحيوان. يستفيد الإنسان من الصوت في مناشط حياته اليومية ومنجزاته التقنية. والصوت موجات أو اهتزازات أو ترددات ميكانيكية قادرة على التحرك في أوساط عدة، مثل الغازات والسوائل والأجسام الصلبة، ولا ينتشر في الفراغ. وتبلغ سرعة الصوت في الهواء (عند درجة 20 مئوية) نحو 343 مترًا في الثانية (أي 1225 كيلومترًا في الساعة)، بينما سرعته في الماء تصل 1482 مترًا في الثانية، كما أن سرعة الصوت ليست قيمة ثابتة مثل سرعة الضوء (299,792 كم/ثانية)؛ حيث تتأثر سرعة الصوت بعوامل عديدة، منها الضغط والحرارة، والمجال المغناطيسي، وكثافة ولزوجة المادة التي يتحرك فيها الصوت. ويمكن توليد الصوت بوسائل ميكانيكية أو حرارية، وتستخدم الوسائل الحرارية، في بناء المبردات الصوتية الحرارية، وفي الكشف عن الماء الموجود في النفط.

يستطيع الإنسان تمييز الصوت من خلال شدته وتردده، وعندما يصل إلى أذنيه، يتحول إلى إشارات تسير عبر العصب السمعي نحو اللحاء السمعي بالدماغ، فيتجاوب معها بأوامر صوتية أو فعلية أو تخزينية.. وتمثل شدة الصوت، طاقته في الثانية نسبة لكل وحدة مساحة. وبالتالي تستطيع الأذن البشرية سماع أصوات ذات شدة (ديسيبل) منخفضة (صوت حك اليدين بلطف) وأخرى مرتفعة الشدة، لكنها قد تؤذي الأذن. فكثرة التعرض للضوضاء -وقتًا وشدة- يُحدث ضعفًا مؤقتًا أو مستديمًا في حاسة السمع.

أما نطاق السمع (Audible Range) الواضح للأذن البشرية، فهو ما تراوح تردداته بين 20 هرتز إلى 20 كيلوهرتز (20.000 ذبذبة في ثانية)، وقد يختلف هذا المدى من شخص لآخر، ولكن ينخفض عند كبار السن إلى حوالي 10.000 هرتز. وإن أقصى درجات الإحساس بالصوت لأذن بشرية، يقع في المدى ما بين 5000-8000 هيرتز الذي يشمل ذبذبات الحروف الهجائية. وكما هو معلوم أن لكل صوت تردده المعين، ويمكن إحداث الموجات السمعية عن طريق الأحبال الصوتية في الإنسان والآلات الموسيقية، سواء الوترية أو النحاسية أو الأنبوبية وغيرها من الآلات.

ويختلف حد السمع لدى الحيوانات؛ فالخفاش يولد موجات فوق صوتية تصل إلى 100 كيلوهرتز، ثم يعيد استقبالها ليهتدي بها إلى طريقه وغذائه في الكهوف المظلمة. كما يستطيع الكلب سماع الأصوات الأعلى ترددًا على السمع البشري، تصل إلى 50 كيلوهرتز. أما بعض المخلوقات البحرية -كالدلافين والحيتان- قادرة على سماع أصوات بترددات 4-180 كيلوهرتزًا، وثمة موجات أسرع من الصوت أو خارقة له (Trans Sonic). هذا وقد يطلق مصطلح هايبرسونيك (Hypersonic) على سرعاته التي تزيد خمس مرات عن سرعة الصوت. وأحيانًا تطير الطائرات النفاثة بسرعات تفوق سرعة الصوت، فتنتج موجات صدمية، واضطرابات ضغط قوية تتراكم حولها، وبالتالي يسمعها الناس على الأرض كضجيج عال أو فرقعة صوتية لدوي اختراق حاجز الصوت عندما تعبر فوقهم.

يستطيع الإنسان تمييز الصوت من خلال شدته وتردده، وعندما يصل إلى أذنيه، يتحول إلى إشارات تسير عبر العصب السمعي نحو اللحاء السمعي بالدماغ، فيتجاوب معها بأوامر صوتية أو فعلية أو تخزينية

أما الموجات فوق الصوتية (Ultrasound waves) فهي تفوق 20 كيلوهرتزًا، وهي موضع بحث واهتمام مكثف لتطبيقاتها الهامة في مجالات طبية وصناعية. عليه فقد أصبح بالإمكان إنتاج موجات فوق صوتية تزيد تردداتها على مليون هيرتز، وقد يرسل جهاز الموجات فوق الصوتية نبضات صوتية بترددات تتراوح بين 1-10 ميجاهيرتز من خلال مجس خاص، فتخترق الأجسام لتصطدم بالأنسجة والأعضاء والسوائل والفواصل الجسمية، ومن ثم تعود لتنعكس إلى المجس.

تبقى الموجات تحت الصوتية (Infrasound) وهي التي يقل ترددها عن 20 هيرتزًا، ولا تستطيع الأذن البشرية سماعها، بل إن لها آثارًا مدمرة على الإنسان. ومن جانب آخر إن بعض الأسلحة الفتاكة تعتمد على الموجات تحت الصوتية، ويبلغ ترددها 7 هيرتز مع شدة معينة من الديسيبل، فتولّد ذبذبة مماثلة لدرجة الموجات الصوتية نتيجة للرنين، وقد تصاب الأعضاء بالرجفة التي تؤدي لانفجار العضو الداخلي لجسم الإنسان، كما يوصف المتعرض للموجات تحت الصوتية بأن لونه مخضرّ كالعشب الأخضر. ومن أهم مصادر هذه الأصوات، الحركة الاهتزازية والانزلاقية لطبقات القشرة الأرضية وما ينتج عنها من زلازل وبراكين. والملفت للنظر أن بعض الحيوانات تملك قدرة الإحساس بالزلازل قبل وقوعها، لأن حد السمع لديها يشمل هذه الموجات تحت الصوتية.

فيزياء الصيحة

وردت لفظة “الصيحة” في القرآن الكريم ثلاث عشرة مرة. والصَّيْحَةُ هي العذاب والهلاك والصرخة والغارة والنداء.. وبها أهلك الله تعالى أقوامًا: (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ # كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلاَ بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ)(هود:94-95).

ولعل “الصيحة” موجات تحت صوتية نتيجة اهتزازات أرضية، وقد تصبح أشدّ وقعًا داخل الجبال والكهوف؛ حيث تنتقل لمسافات بعيدة دون فَقْد قوتها أو قدرتها على اختراق الحواجز. وتزداد شدتها باختراقها فجوات الجبال، فيعلو رنينها وصداها وتصبح مميتة مع خوف وفزع وارتجاف في الأجسام واهتزاز الأعضاء والأحشاء وانفجارها؛ تأثرًا برنين هذه الموجات الصوتية.

ولم يستطيعوا سماع “الصيحة” القادمة إليهم، فرجفت أجسامهم، ولم يبق منها إلا فتات كالهشيم: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ)(القمر:31)؛ يقول الأزهري: “من قرأ المحتظِر (بكسر الظاء) أراد كالهشيم الذي جمعه صاحب الحظيرة ويبس وتكسّر. ومن قرأ بالفتح، فاسم للحظيرة وهي المكان الذي يحتظر فيه الهشيم. والمعنى أنهم بادوا وهلكوا فصاروا كيبيس الشجر إذا تحطم”.

وصحيًّا.. يلعب هرمون الكورتيزول (Cortisol) المنُتج من الغدد المجاورة للكلي، دورًا هامًّا ورئيسًا في تهيئة الجسم لمقاومة الضغوطات (Stresses)، فهو يرفع ضغط الدم ومستوى السكر فيه. ومع كثرة التعرض للضغوطات يعمل إفرازه المتزايد على إضعاف جهاز المناعة. وكثرة التعرض للإصابة بارتفاع ضغط الدم والجلطات الدماغية والقلبية، ويحدث شعور بالضيق والضغط الشديد عند التعرض الطويل للموجات تحت الصوتية (غير المسموعة) والتي يشعر بها الجسم فقط. مما يحفز الجسم علي إفراز الهرمون. كما يتم إفرازه أيضا عند التعرض لموجات تحت صوتية أثناء النوم، فيؤدي ذلك إلى ارتجاف بعض أعضاء الجسم كالمعدة أو القلب، لذا ففي الساعات الأولى من الصباح يكون أعلى معدل لإفرازه استعدادًا لاستعماله مع اليقظة، كما أنه إذا تم تحفيز إنتاج هذا الهرمون في الصباح، فإن ذلك يؤدي إلى تخريب الإنتاج الطبيعي له.