إنَّ جيلَ الشبابِ هو أمضى أسلحة المجتمعات العربية في صراعها المصيري من أجل خروجها منْ كهوف الظلام وصنع مستقبل أفضل؛ فهم أصاحبُ هذا المستقبل غيرَ أنَّ الظروف التي تضع العالمَ العربيَّ على نقطة تحول حاسمة في تاريخه، هي نفسها التي تضع الشباب في أزمة.

إلى الأمس القريب كان موضوع هجرة الشباب نحو الخارج كابوسًا وجحيمًا، لأنه يعيش يومياته بعيدًا عن الوطن والأهل الأحبة وينتظر بفارغ الصبر لحظة عودته للوطن ويعيش بين أحضان عائلته. أما اليوم وبعد الوضع المؤلم الذي يعيشه الشباب من خريجي الجامعات، أصبحت الهجرة نحو البلدان الأجنبية حلمًا ولو على سبيل المخاطرة بأرواحهم.. يفكرون في الذهاب إليها دون رجعة، هربًا من الأوضاع الكارثية وبحثًا عن «أرض الجنة» وأملاً في مستقبل أفضل..

ربما  تعتبر تلك الأمور حوادث عابرة قد تعترض أحدنا في أي وقت في فضاءات المجتمعات العربية؛ لا سيما من أرهقها الألم والوجع.. هذه فلسطين، وتلك سوريا.. وعن العراق نتحدث، وبين أحضان تونس نكتب، ومن رحاب اليمن نتوجع.. وليبيا نرسم.. وآفاق الوطن العربي نشدو لحن الألم والأمل للشباب، بين تلك اللافتات تمر ربما دون اكتراث لها، لكنها ولا شك، تترك أسئلة «عميقة» في الذهن، حول هذا الواقع الكارثي..!

والشباب من أهم شرائح المجتمع، عليهم تبنى آمال الأمة ومستقبلها، لذلك فالشباب المتعلم يشكلون طليعة متقدمة من هذه الشريحة الاجتماعية، لأنهم العناصر المتدربة، والمتخصصة، والأساس في إحداث التغييرات الشاملة في مختلف مجالات الحياة، بطبيعة دورهم المؤثر في المجتمع، وقدرتهم على التفاعل مع الآخرين.

   فمشاركة الشباب الفاعلة في بناء المجتمع وتقدمه، وتعميق مساره، والاتجاه نحو الذات، والإنسانية، التي تنشد الحرية، والديمقراطية، والعدالة، لذلك فقد سعى الشباب في المجتمع العربي لتحقيق التغيير والإصلاح لرفضهم للظلم والاستبداد، والتهميش والإقصاء، وتفعيل مقدرتهم على التطور والتطوير، والتخطيط الاستراتيجي، وبناء الخطط التنفيذية، وإبراز أنفسهم أمام مجتمعهم من خلال مشاركتهم في صنع القرارات، واستخدام التكنولوجيا ووسائل الاتصال لأحداث التغير الإيجابي لما فيه مصلحة أفراد المجتمع ومؤسساته ومكافحة الفساد.

  فالشباب اليوم يمتلك إمكانات أكثر لإحداث التغيير الاجتماعي لأنه يملك الوعي، والمعرفة  والطاقة والحيوية المتجددة، والمتفجرة، في تفاعله مع المتغيرات لأحداث التغيير في المجتمعات البشرية.

أصبح التحدي المطروح علينا بشدة في عصر الفضاء المفتوح التي تكتظ بالتقنيات الحديثة المتتابعة، فالمؤثرات المادية والنفعية التي تسود في عصرنا الراهن تؤثر في الشباب المتعلم، وتجعله يقع في حيرة بين تمسكه بما نشأ وتربي عليه، وما يتمشى مع معتقداته وقيمه وبين الانسياق مع الأوضاع الجديدة التي يتعايش معها يوميًا.

إن هذا الصراع يؤدي بالشباب إلى اضطراب هويته مما يؤثر على سلوكه وأفكاره ويصل به إلى حالة من الاضطراب النسقي والقيمي، حيث يحدث الصراع بين ما تربى ونشأ عليه من قيم تدعو إلى التراحم والتواد والإيثار والصدق والأمانة والقناعة، وبين ما يراه ويسمعه يوميًا في تعاملاته من أساليب وآراء تدعو إلى اعتناق القيم السلبية مثل العنف والمنفعة الشخصية وحب الذات والحصول على الحقوق دون أداء الواجبات.

  إن وجود  الشباب المتعلم في بوتقة القيادة والريادة مرهون بالمقام الأول بوجودنا الثقافي في الوقت، الذي أصبحت المجتمعات الغربية تروج لثقافاتها وقيمها وأنماطها السلوكية المتناقضة مع ثقافاتنا المحلية والتي باتت تهدد الخصوصيات الثقافية والحضارية للمجتمعات الإسلامية التي أصبحت تعيش حالة تبعية ثقافية من خلال ما أفرزته العولمة العالمية.

   يجدر بي أخيراً أن أقتبس جملة هامة من المهاتما غاندي عندما لخص المشهد بالقول” لا أريد أن يكون منزلي محاطًا بالجدران من جميع الجوانب ونوافذي مسدودة، أريد أن تهب ثقافات كل الأرض بمحاذاة منزلي وبكل  حرية، لكني أرفض أن يقتلعني أحد  من جذوري..”.