عمائرنا الإسلامية تـُزين الطوابع البريدية

كثيرًا ما يهفو المرء، لإثراء وعيه الثقافي والجمالي بالترحال  والتأمل في الطوابع البريدية. فلها -ليس فقط هويتها البصرية الموضوعية- بل مجالاتها الثرية، وأدوارها الوظيفية والثقافية، والتاريخية، والسياحية، والفنية الخ. كما تتنوع دلالاتها من العلامة إلى الذاكرة الجمعية، إلى الأرشفة المعرفية والحياتية، إلى الإعلام الرسمي ـ المحلي والعالمي ـ بأقل كلفة ممكنة. كل هذا وغيره يمثل “هوية ثقافية” داعمة لـ”كينونة” الدول، و”شخصياتها” الاعتبارية. لذا سيبقى في التاريخ طوابع، وفي الطوابع دلالات تاريخية إسلامية، وتجمل بمساجدنا، وعمائرنا، ومزاراتنا الإسلامية المشرفة.

مكة المكرمة والأماكن المقدسة

لقد شرّف الله تعالى “مكة المكرمة” بشرف خاص أن جعلها موضع بيته الحرام، أول بيت وضع للناس، مثابة للناس، تهوي إليه القلوب، وتشخص إليه الأبصار، لذا فمكة المكرمة وفي قلبها المسجد الحرام تحظى بمكانة مميزة خاصة في قلوب المسلمين جميعاً. هي قبلتهم التي يتجهون إليها في كل يوم خمس مرات وتتجه قلوبهم إليها في كل لحظة، ويهفون إليها دائماً..، كذلك تعتبر “العاصمة الروحية” لجميع المسلمين، ترتبط بجميع أوجه النشاطات الإنسانية. ولو نظرنا إلى الطابع البريدية التي صدرت في بلاد الحرمين الشريفين لوجدنا ارتباطاً وثيقاً بينها وبين مكة المكرمة.

وتتعدى إصدارات الطوابع البريدية (ذات الفئات المالية المختلفة) وقد بلغت نحو الخمسين إصداراً. وهي تتنوع لتحمل صورة مكة المكرمة أو الكعبة المشرفة، وتوسعات المسجد الحرام والمسجد النبوي ومسجد قباء ومسجد القبلتين، مما يوضح الاهتمام الكبير والمتنامي بتلك المساجد والمشاعر المقدسة.  وربما يكون قد تأخر وضع صورة الكعبة المشرفة على الطوابع البريدية، ولعل لذلك ما يبرره لاعتبارات دينية، ولما للكعبة المشرفة من قداسة وتعظيم في النفوس والقلوب. فقد كان يخشى من امتهان الطوابع أو إلقائها في أماكن غير كريمة.

ولقد صدرت الطوابع الأولى (عام 1334هـ – 1916م) تحمل اسم مكة المكرمة بشكل رئيس، في وسط الطابع داخل إطار من الزخارف الإسلامية، وكانت الطوابع من ست فئات عادية بأشكال مختلفة إضافة على ثلاثة طوابع مستحقة، ولقد طبعت هذه الطوابع في مصلحة المساحة المصرية. وثمة طابع بريدي عادي صدر يحمل صورة توسعة المسعى، وهذه التوسعة بدأت في عام 1375هـ – 1955م ضمن توسعة شاملة للمسجد الحرام والمنطقة المحيطة به، أمر بها جلالة الملك “سعود” يرحمه الله. ومن أوائل الطوابع التي تزينت وشرفت بحمل صورة الكعبة المشرفة قد صدر في عام 1384هـ ـ 1966م وهو تذكاري بمناسبة “مؤتمر مكة المكرمة/ رابطة العالم الإسلامي”. كما صدر طابع بريدي عادي من عدة فئات ويحمل صورة الكعبة المشرفة في عام 1388هـ – 1968م .

كما يصدر سنويًّا طابع جديد يتزامن مع موسم الحج، فيها يظهر التفاف الحجيج حول الكعبة المشرفة لأداء مناسكهم. وكان ذلك اعتباراً من عام 1388هـ -1978م وحتى اليوم، ويتناول هذا الطابع موضوعات لها علاقة وثيقة بالحج، فقد صدرت طوابع الحج أولاً معبرة عن أركان الحج مثل الوقوف بعرفة والإحرام والسعي وطواف الإفاضة. تلا ذلك واجبات الحج مثل رمي الجمار والمبيت بمزدلفة والوقوف بالمشعر الحرام والمبيت بمنى أيام التشريق، وطواف الوداع. بعد ذلك تم إصدار طوابع عن المساجد في المشاعر المقدسة مثل مسجد الخيف ومسجد نمرة ومسجد المشعر الحرام. تلا ذلك السيل الكبير، والجحفة، وذي الحليفة، وذات عرق ، ويلملم ، والتنعيم ، ثم رؤي أن تصدر طوابع عن زمزم ، وأنفاق مكة وخيام الحجاج الجديدة بمنى، وصدر طابع استقبال الحجاج القادمين جواً ، وطابع عن استقبال الحجاج القادمين عن طريق البحر. وضمن سلسلة إصدارات طوابع الغزوات الإسلامية صدر طابع عن فتح مكة المكرمة، وطرح للتداول في عام 1417هـ -1997م.

ومن أهم الإصدارات طابع بمناسبة مرور خمسين عاماً على صناعة كسوة الكعبة وافتتاح المصنع الجديد للكسوة عام 1396هـ – 1976م. وبمناسبة مشروع الباب الذهبي الجديد للكعبة المشرفة تم إصدار طابع بريد تذكاري في عام 1399هـ – 1979م ، كذلك صدر طابع بريد بمناسبة القرن الهجري الجديد في عام 1400هـ – 1980م ويحمل هذا الطابع خريطة المملكة موضحاً عليها موقع مكة المكرمة والمدينة المنورة، وصورة غار ثور، ومسجد قباء، وقد صدر العديد من الطوابع لتخليد المؤتمرات المختلفة التي عقدت بمكة المكرمة مثل مؤتمر وزراء الخارجية الإسلامي في عام 1390هـ – 1970م ومؤتمر وزراء الخارجية الإسلامي السادس في عام 1393هـ – 1973م، ومؤتمر المنظمات الإسلامية بمكة المكرمة تحت رعاية رابطة العالم الإسلامي في 1394هـ -1974م، ومؤتمر القمة الإسلامي الثالث بمكة المكرمة في عام 1401هـ – 1981م. كما صدرت إصدارات الطوابع العادية مجموعتان تحملان صورة الكعبة المشرفة ، صدرت أولاهما في عام 1396هـ – 1976م وهي متعددة الفئات، ثم صدرت مجموعة أخرى في عام 1406هـ – 1986م. وفي العام( 1407هـ – 1987م) أصدرت هيئة البريد السعودي مجموعة من الطوابع مختلفة الفئات المالية، تذكر “بميقات وادي محرم”. كما صدرت مجموعة طوابع وبطاقة بمناسبة مسمى خادم الحرمين الشريفين – يرحمه الله – في عام 1408هـ -1988م ويحمل هذا الإصدار صورتي المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف وبينهما صورة الملك فهد – يرحمه الله. ومن أهم الإصدارات التذكارية إصدار يشير لتوسعة وعمارة المسجد الحرام التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز – يرحمه الله – والذي صدر في 1410هـ – 1989م مكونا من ثلاث فئات وبطاقتين.

المسجد النبوي الشريف والأقصى المبارك

لا شك أن المسجد النبوي الشريف، ثاني مساجد الإسلام، كشأن الحرم المكي مر بتوسعات كبيرة وهامة، يلمسها الزائر للمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام. الأمر الذي جعل هيئة البريد السعودية تخلد إحدى تلك التوسعات بمجموعة بريدية تذكارية  مختلفة الفئات المالية، كما تتباين ألوانها الرائعة، وكان للمسجد الأقصي المبارك، ثالث مساجد الإسلام، وبخاصة مسجد “قبة الصخرة المشرفة” نصيبه الوافر من تألقه علي الطوابع البريدية العربية. فقد زينت به العديد منها. وقد خلدت ذكرى “مرور 800 عام على معركة حطين”، وأخرى حملت عنوان: “القدس عربية”. وتوجد مجموعة من الطوابع البريدية عن مملكة البحرين تحمل صورا لعمائرنا الإسلامية، وأخرى مصرية احتفاء بألفية الجامع الأزهر الشريف.

في الختام: البريد بلغاته المتعددة أداة تواصل إنساني، ولقد نصت “اتفاقية البريد العالمي” على تبادل إصدارات الطوابع بين الدول عن طريق المكتب الدولي، وأن تختار موضوعاتها  لتساعد على تعميق التفاهم بين الشعوب، وتوثيق عرى التعاون الدولي. وقد أدركت الدول أهمية طابع البريد ودوره في إيصال اسم وأفكار ثقافة البلد إلى جميع أنحاء المعمورة، فرأت أن تجعل منه وسيلة لتعريف العالم بها، لذا توسعت في إصدار طوابع بريد عادية أو تذكارية تحمل رسومًا وصورًا تمثل آثار البلد وثقافاته، ومعالمه السياحية والدينية والثقافية، ومشاريعه الاقتصادية والعمرانية المتميزة. وهل ثمة ما يخدم “الهوية الثقافية والسيادة الوطنية والشهرة العالمية” كالطوابع البريدية؟.