علمني الحلزون

كل صباح بعد أن أخرج من محطة مترو الأنفاق المكتظة دومًا بكل أصناف البشر، خصوصًا وأن الخط الذي أستقله كي أصل إلى مقر عملي يتجه نحو كل مطارات باريس شرقًا وغربًا، يعني أنك كل صباح على موعد مع وجوه من كل الأجناس.

خرجت من المحطة ومصادفة ذات مرة وجدت طريقًا جانبيًّا تمر وسط بعض المنازل تسمى بالفرنسية (بافيون) بمعنى منزل متوسط في الطابق الأرضي، يطل على حديقة وموقف للسيارة..، وطالما أثارني هذا النوع من المنازل لأنه يذكرني بحديقة بيتنا، هناك في القرية التي نشأت فيها بين الفلاحين والمزارعين في ضواحي مكناسة الزيتون.

منذ أول صباح سلكت فيه ذلك المسلك، رأيت حلزونًا يعبر الشارع، ولا أخفيكم أني كنت في مزاج رائق فبادرته بالتحية: عمّ صباحا أيها الحلزون الطموح، أتمنى لك يومًا سعيدًا، وأن لا تدعسك سيارات الحي أو يكنسك عمال النظافة، واصلت طريقي وأنا أدندن نشيدًا كنت أحفظه وأنا في روضة الأطفال.

دب الحلزون فوق حجارة ** من أين أتى يحمل داره

في الغد، رأيت حلزونًا يمشي ببطء، لا أدري هل كان هو نفسه أم عمه أم أمه أم جده الأعلى..؟، كنت متأخرًا قليلاً عن عملي فلم أعره كبير اهتمام.

استمر الأمر هكذا لمدة أسبوع..، لكن العجيب في كل هذا أنني كنت كل يوم أرى الحلزون يتقدم قليلاً! ناصية شارع أو بضعة أمتار، هنا داهمني السؤال، وأجمل ما في الدنيا طرقات السؤال.

لاشيء يمضي عبثا في هذا الكون..، وصدق الشاعر

تأمل كتاب الكائنات فإنها** من الملأ الأعلى إليك رسائل

بيت كنت سمعته من شيخي رضي الله عنه فاهتبلت به واشتغلت به.

الحلزون لا يلتفت نعم يا سادتي!، راقبته مرارًا فما وجدته يفعلها ولو مرة.

وهنا سبحان الرحمن منزل القرآن! تذكرت قول الله تعالى: ﴿ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ﴾(هود:81).

ينبهنا الخطاب القرآني الخالد إلى عدم الإلتفات!، لأن الملتفت قطعًا لايصل.

عش حياتك بطريقتك مادمت لا تؤذي أحدًا، حدد أهدافك رتب أولوياتك وتوكل على الله فهو حسبك في كل لمحة ونفس.

شكرا جزيلا أيها الحلزون العظيم.. وأنعته بالعظمة قصدًا، فقد قال صاحب الحكم مولانا بن عطاء الله السكندري: “من نظر إلى الأشياء بعين التعظيم استمد منها وكان عند الله عظيمًا”. وزاد الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي بقوله: “لا تحتقر في الوجود شيئا فالله لم يحتقره حين خلقه”.