مجلة حراء تُطلّ في عددها الخاص هذا على شخصية فريدة ومشروع حضاري متميز استطاع أن يخرج من شرنقة التنظير الفكري إلى مجال الواقع العملي حيث تراه الأعين وتلمسه الأيدي وتتفاعل معه القلوب. إنه الأستاذ فتح الله كولن الذي يعرفه قراء حراء جيدًا من خلال المقال الرئيس الذي يأتي متوّجًا لكل عدد من أعدادها؛ ونموذج “الخدمة” الذي انبثق تجليًا واقعيًّا لأفكار الأستاذ وجهود مئات الآلاف من المتطوعين، الذين تعلقت قلوبهم برؤيته ذات العمق الإيماني الإنساني الحضاري.
ولا ننسى فضل الأستاذ على مجلة حراء… فهو الذي سماها “حراء”، وهو الذي أطلق أشرعتها لتبحر نحو العالم العربي والإسلامي بحثًا عن أصحاب الهمّ والهمة والحكمة. حراء اليوم بفضل تحفيزات الأستاذ، منتدى واسع غني للفكر الإصلاحي الفعّال.
لقد كثر اللغط والصخب في تركيا في الآونة الأخيرة وتضببت فيها الأجواء حتى كادت الحقيقة تضيع وسط هذه الضوضاء وتلك الضبابية، وكثرت الأسئلة وازداد التطلع في العالم العربي لمعرفة أفكار الأستاذ ونموذجه الإصلاحي، وجاء الطلبُ تلو الآخر بإلحاح لكي نخرج عددًا خاصًّا يرسم للقارئ العربي أهم ملامح أفكار الأستاذ ومشروعه الحضاري. وعندما دعت حراء كتابها ليسهموا معها في القيام بهذه المهمة، لبّوا مسرعين وتقاطرت على المجلة مقالات كثيرة، صعُب معها اختيار الأفضل من بينها، فقد كانت جميعها في غاية الروعة والعمق. فقرر القائمون على المجلة أن يزيدوا من عدد صفحات هذا العدد ويتركوا المقالات المتبقية إلى سانحة أخرى.
فهذا العدد عدد وفاء من مجلة حراء لوالدها الروحي، وهذه الأقلام الحرّة المنصفة وقد جاءت من مسافات بعيدة والتقت هنا على صفحات “حراء”، أبَتْ إلا أن تقول “كلمة الحق”، وتشهد شهادة العدل بحق “فتح الله كولن” المفكر الإسلامي الكبير. وهم إذْ يقولون فيه ما يقولون، إنما يفعلون ذلك عن دراية بالرجل، ودراية بأفكاره وآرائه ومشروعه الإصلاحي الخدمي الكبير… هذا المشروع الذي أُعجبوا به وتدارسوه وناقشوه وكتبوا فيه المقالات، وألّفوا الكتب والأبحاث… فقولهم فيه هو حصيلة دراسات مُعَمَّقة لأصول جذوره الفكرية والروحية. فتأتي شهاداتهم عن رؤية معرفية بالرجل وإعجاب به، وإدراك لمراميه واستشرافاته الإيمانية والحضارية… وهم إذْ يفعلون ذلك إنما يفعلونه إنصافًا لشرف الفكر ولشرف الكلمة التي يؤمنون بها وينزلونها من أنفسهم المكان الأسمى والأرفع، وينافحون عنها بكل ما يستطيعون… فإهانة الفكر والمفكرين -في أي مكان من العالم- إنما هي إهانة لكل مفكر وصاحب فكر… فانتصارهم لـ”فتح الله كولن” وقول الحقيقة فيه وفي فكره، إنما هو إنصاف لكل مفكر وصاحب فكر. وهذه ليست قضية فرد أو أفراد، إنما هي قضية تخصّ الجنس البشري عمومًا، وتخص وجدانه المتعطش لكلمة “الحق”، وقضية الفراغ الأخلاقي المفجع الذي يهدد المفكرين ويمطرهم بسهام مسمومة من النقائص، لكي يسيء سمعتهم ويباعد بينهم وبين شعوبهم وأممهم… ويوم تحرم هذه الشعوب من أفكار عظمائها، فإنها توشك أن تقع في فوضوية عمياء لا أول لها ولا آخر.
ولا يسعنا في هذه العجالة إلا أن نحيّي شاكرين أصحاب هذه الأقلام الحرة المنصفة وقد تداعوا من كل مكان ليقولوا كلمة الحق، في رجل كانوا قد عرفوه وخبروه وأعجبوا بتجربته الإصلاحية وخدماته التربوية.