شعر الإنسان هو النسيج الثاني الأكثر نموًّا بعد نسيج نخاع العظام، وينمو في أغلب مناطق الجسم، ما عدا راحة اليد، وباطن القدم، والجفون، والشفاه. ويظهر الشعر في جسم الجنين خلال الشهرين الأوّلين من عمره، ويتركز في الحواجب، والشفة العليا، والذقن، أما شعر باقي مناطق الجسم فيظهر في الشهر الرابع. ويبلغ العدد الإجمالي للشعر في الإنسان خمسة ملايين شعرة منها 100,000 في فروة الرأس.
يتكون جسم الشعرة من بصيلة وهي جذر الشعرة، والساق الذي يكوِّن البشرة الخارجية، والقشرة، والنخاع أو اللب. وقد أثبتت الدراسات العلميـة أن لكـل شعرة 14 عنصرًا نادرًا، ويتقاسم اثنان من بيـن بليـون شخص، تسعـة عناصر منها.

اختلاف سمك الشعر وتنوع فوائده

يختلف ملمس الشعر بين جزء وآخر من أجزاء الجسم، كما يختلف أيضاً فيما بين الجنسين وما بين فرد وآخر وما بين جنس وآخر من الأجناس البشرية، وكذلك يختلف سمكه وكثافته من شخص لآخر.
وللشعر دور فعّال في حياة الإنسان؛ فهو يتغير باستمرار على مدار مراحل نموه، وله فوائد كثيرة؛ فشعر الرأس -مثلاً- يحمي الإنسان من تأثير الأشعة فوق البنفسجية، ويقلل الفاقد الحراري من الجسم في الأيام الباردة، ويدافع عن الجسم من الفطريات والبكتيريا والميكروبات الضارة.
أما الشعر تحت الإبط، فيحافظ على هذه المنطقة من التسلخات الجلدية بحكم الحرارة الصادرة من الجسم، ويقلل من عملية الاحتكاك الطبيعية نتيجة المشي أو الركض، ويساعد على تجديد الأوعية الدموية داخل الجسم.
وأما شعر الحواجب، فهو مسؤول عن حماية العين من دخول العرَق إليها والذي غالبًا ما يكون محمّلاً بالأملاح والتراب، أما شعر الرموش، فهو يحمي العين من الذرات المتطايرة ويحافظ على الرؤية الواضحة.
وهناك فائدة هامة جدًّا وهي “الاتزان”، والمسؤول عن تلك الفائدة نوع متخصص من خلايا الشعر موجود بالأذن ويُسمى “خلايا الشعر الحسية”؛ حيث ترصد وضع الإنسان خلال الوقوف أو الجلوس أو الحركة، ثم تقوم بترجمتها إلى إشارات كيميائية تنتقل عبر عصب الاتزان إلى المخ، فيقوم المخ بإعطاء أوامر إلى عضلات الجسم بالانقباض والانبساط حسب الحاجة، حتى تتم الحركة بسهولة ولا يفقد الإنسان توازنه خلال المشي أو التوقف.

شعرك يحدد جنسك وسنك

توصّل الباحثون إلى طريقة تحليلٍ جديدة تعتمد على شعر الإنسان لتحديد جنسه، ومعرفة معلومات عن حياته، قد تكون أكثر فعالية من الحمض النووي. وما تزال الأبحاث قائمة للوصول إلى خيوطٍ تقدم معلومات تفصيلية أكثر من خلال هذه التقنية. وقد سعى باحثون أمريكيون في علم الكيمياء بالاعتماد على عينة من شعر الإنسان، لمعرفة سنه وجنسه، ونوعية غذائه، ونمط حياته بدقة.
كما أن هناك فكرة أخرى مستخدمة في علم الأحياء الجزيئي، حيث يحاول باحثو هذا المجال الحصولَ -من تغيرات خاصة في ضفائر الحمض النووي- على خيوط تقودهم لمعرفة العادات المعيشية لصاحب العينة حسبما أوضح مارك بارتل من جامعة هايدلبرغ. ويجري علماء الطب الشرعي في جامعة ميونخ أبحاثًا -منذ فترة طويلة- لمعرفة الأصل الجغرافي للمتوفى، من خلال تحليلات النظائر الخاصة بشعره. وتستخدم عينات الشعر في الطب الشرعي بألمانيا حاليًّا، لمعرفة ما إذا كان صاحب العينة قد تعاطى مشروبًا كحوليًّا، أو مخدرات، أو عقاقير من نوع ما حتى وإن مرت شهور على هذا التعاطي.

حقائق علمية حول نمو الشعر

يتشكل الشعر بصفة أساسية من بروتين “الكيراتين” وهو البروتين نفسه الموجود في أظافر اليدين والقدمين، ومن الضروري لجميع الناس -وفي مختلف الأعمار- أن يتناولوا كمية كافية من البروتين للمحافظة على نمو الشعر الطبيعي.
ينمو الشعر بمعدل أسرع خلال الفترة العمرية ما بين 15-25 عامًا، كما أن أبطأ معدلات النمو في شعر فروة الرأس تحدث عند المرأة المرضع، وفي سن الشيخوخة. وتنمو الشعرة بمعدل ثلث ملليمتر في اليوم، أي حوالي سنتيمتر واحد في الشهر. وينمو الشعر في الصيف أسرع منه في الشتاء، وفي النساء أسرع منه لدى الرجال، كما ينمو بمعدل أسرع أثناء الليل.
يختلف سمك الشعر وشكله باختلاف الأجناس، أما كمية الشعر فتكون -عادة- أكبر لدى الشُّقَّر، حيث تصل إلى 140,000 شعرة في المتوسط، وأما السمر فيبلغ عدد الشعر لديهم إلى 105,000 شعرة في المتوسط، ثم يليهم أصحاب الشعر الأحمر بـ90,000 شعرة.
يتوقف لون الشعر على ما يحتويه من صبغة الميلانين (خضاب داكن) من حيث كميته وتوزيعه، وكذلك ما تحتويه كل شعرة في لبابها المركزي من مقدار الهواء، علمًا بأنه كلما قل الميلانين خف لون الشعر، وكل شعر سواء كان أسود أم أشقر أم أحمر، يحتوي على بعض الميلانين.
أكدت الدراسات العلمية بأنه من الطبيعي جدًّا سقوط 100 شعرة في اليوم الواحد، وأن عمر شعرة الرأس يمتد من عامين إلى سبعة أعوام، وعندما تسقط شعرة واحدة تحل محلها شعرة أخرى جديدة من بصيلة الشعر نفسها الواقعة مباشرة تحت سطح الجلد.

لماذا يسقط الشعر؟

قد يسقط الشعر نتيجة الإجهاد والقلق الشديدين أو الحمية القاسية، كما قد يحدث نتيجة حتمية للغذاء غير المتوازن مثل نقص البروتينات ونقص الحديد والزنك وفيتامين أ وب. وقد يزداد سقوط الشعر نتيجة الإصابة ببعض الأمراض أو زيادة هرمون الذكورة تستوستيرون عند الرجال الذي يسبب الصلع في حين أنه يسبب زيادة شعر الجسم . كما قد تتسبب بعض المشاكل والضغوطات النفسية في الإصابة بمرض هوس نتف الشعر، حيث يقوم المريض بنزع شعر جسمه إراديا وفي بعض الأحيان لا إراديا.

لماذا يشيب الإنسان؟

الشيب أو الشعر الأبيض هو أحد الظواهر التي يمر بها الجميع عاجلاً أم آجلاً.. وقد تكون ظاهرة التحول من لون الشعر الأصلي إلى اللون الأبيض مألوفة لدينا جميعًا حتى وإن كانت مزعجة لدى البعض، ولكن قد يخطر ببال أحدنا بعض التساؤلات مثل: كيف يتكون الشعر الأبيض؟ وما هي أسباب ظهوره؟
الشيب أمر لا مفر منه، والآلية الدقيقة لتفسير حدوثه ما زالت غير واضحة تمامًا.. وقد قدم باحثون من جامعة لندن إسهامًا كبيرًا في هذا المجال عندما اكتشفوا الجين المسؤول عن تطور الشيب وحدوثه عند الإنسان، وهو الجين IRF4، وأطلقوا عليه اسم “جين الشيب” (Gray Hair Gene)، حيث يتحكم هذا الجين في لون الشعر من خلال السيطرة على إفراز وتخزين صبغة الميلانين (Melanin)، وهذه الصبغة هي المسؤولة عن لون الشعر والجلد والعيون.
وهكذا، فإن الشيب يحدث عندما ينقص أو يغيب الميلانين في الشعر، وإذا كنا نريد علاج أو إيقاف الشيب، فيجب أن نجد طريقة لمنع نقصان هذه الصبغة. وعلى كل حال، يوجد العديد من الجينات الأخرى التي تتدخل في حدوث الشيب، ولكن بدرجة أقل من IRF4، ولا يرجع حدوث الشيب لعوامل بيئية، وإنما لأسباب وراثية وجينية.
وهناك بعض الحالات من الأفراد قد تجاوزوا الستين من عمرهم ولا يزال شعرهم أسود، بينما قد نشاهد بعض الشباب والأطفال دون العاشرة من العمر وقد بدأ الشعر الأبيض يغزو رؤوسهم.

ما مدى قوة شعر الإنسان؟

الشعر مادة معقدة جدًّا ولم تظهر الأبحاث حول بنيته وطريقة تكوينه إلا مؤخرًا. تستمر عملية نمو الشعر نحو أربع سنوات عند الرجال، وست سنوات عند النساء حتى يبلغ طول الشعر نحو 80 سم، فتصبح الشعرة قادرة على حمل 80 جرامًا، أي إن ألف شعرة ملتفة حول بعضها البعض، كافية لتعلق شخص متوسط الحجم.
في بحثٍ أجراه الدكتور “فريدريك ليروي” من مركز أبحاث لوريال، وُجد أنّ شعرة واحدة من رأس الإنسان، لديها القدرة على رفع 100 جرام من الوزن قبل أن تنقطع. وبما أنّ معدل عدد الشعرات التي تنمو على الرأس تساوي تقريبًا 150,000 شعرة، فلو تم ربط الشعرات المنفردة في حزمة واحدة، فإنها ستكون قادرة على رفع ما يقارب الـ12 طنًّا وهو ما يساوي وزن فيلَين كبيرين.. يقول الدكتور “ليروي” بأن القوة المستخلصة من حبال الشعر، هي أشبه بتلك القوة لدى حبال الألمنيوم أو الكيفلر.
الشعرانية (Hirsutism)
الشعرانية هي ظهور الشعر عند النساء بنمط ذكري، أو تحول الشعر الرقيق فاتح اللون إلى شعر كثيف سميك وداكن في الأماكن التي لا ينبت فيها الشعر عند المرأة، مثل الشفة العلوية، والذقن، والظهر، والصدر، والبطن، والفخذ، والساعد. وتعتبر هذه الظاهرة من أمراض الغدد الصماء الشائعة، ويصيب 10-20% من النساء. وتعد الشعرانية مصدرًا للقلق والاضطرابات النفسية والمشكلات الاجتماعية لدى النساء، وتسبب لهن إحراجًا وخجلاً شديدًا.
جُعل شعر الرأس زينة للإنسان وعلامة من علامات حُسنه وجماله، واللافت للاهتمام وجود شريان لكل شعرة، ووريد، وعصب، وعضلة، وغدة دهنية، وغدة صبغية.. وليس هناك عصب حسي في الشعرة، ولولا هذه الميزة لاحتاج الإنسان إلى استعمال التخدير الكُلّي في غرفة العمليات، لإجراء عملية حلاقة الشعر أو قص الأظافر.
والجدير بالذكر أن تركيب الشعر واحد، ولكن نرى شعر الرموش ينبت للأمام، وشعر الرأس ينبت للخلف، وشعر الشارب ينزل للأسفل، وشعر الحواجب يتجه الواحد منهما يمينًا والآخر يسارًا، وكلها تختلف عن بعضها البعض في سرعة نموها.

(*) استشاري في طب وجراحة العيون / مصر.