سَنَابِلُ جَدِّي

سَأحدِّثُكم عن سَنَابِل جَدِّي.
جَدِّي يُوقِظ الفَجْرَ قَبْلَ الفَجْر!
تَوَضَّأْنَا معًا بِنَدَى رَذَاذِ الضَّبَاب الطَّهُور، مُعطَّرة ببَذَخ البساطة كانتْ قهوتُه الفجريةُ العبير..خلَّفَني للنُّعاس الفَاتِر، وانْطلق نحْوَ زَيْتُونَاتِه الفَاخِرات نورًا!
كانتْ سنابلُه بانتظاره خاشِعةً في وَقَارِ الكبار!
أمام حقْل الدَّرْس وقفْتُ..كُنْتُ على موعدٍ مع العَرَق الشريف؛ والطين النَّظيف، والكَفَاف العَفيف!
علِّمِ السنابل يا جَدِّي..علِّمْها!
علِّمْها جَمِّلْهَا؛ رَتِّلْها…. وعلى جَبِين الأرْض التي تُقبِّلُ قَدَمَيْك كالعَاشِقات كلَّ صباحٍ، اكتبْ بِمِعْوَلِكَ السَّارِي، لَنْ ولَنْ وأَلْف لَنْ!
لَنْ تَتَرَاجَعَ السَّنَابِل وإنْ تَكَالَبَ زَحْفُ الإِسْمَنت! كَمْ أَفْخَرُ أنَّكَ جَدِّي، وَفِيكَ سَمْتُ الأَوْلياء، الصَّالحين، الزَّاهدين، الصابرين على البَلاء!
ألستَ هَازِم المرض اللَّعِين؟ نعم أنت..يومَ شَمَخْتَ كالمآذِن في وجْهِ سَرير الشِّفاء!
وقلتَ: دَوَائي حَقْلي والسَّواقي؛ وصُحْبة عُمَّالي البُسَطاء الأَوْفياء.
وَعَلَّمْتَهم كُلَّهم أنَّ غُبَار الطِّين أغْلى من بَرِيق الهَبَاء!
مررتُ عصْرًا على زرعِك المحفوظِ بالسَّماء، قرأتُ عليه سورةَ النَّحْل! وسلَّمْتُ هناكَ على كلِّ شيء!
كم كانتِ الخُضْرَة التي ربَّيتَها شامخةَ المجدِ يا جَدِّي، وهي تُحاصِر بِكُلِّ ضعْفٍ مَعَامِلَ الغُرَبَاء..عرفْتُ حينَها أنَّكَ آخرُ القِلاع!
فَخُورٌ بأنَّكَ أيُّهَا البَسِيطُ، العَمِيقُ، البَعيدُ، القريبُ…فَخَورٌ بأنَّكَ جَدِّي!
عَالِيًا كالجبالِ فَلْتَبْقَ؛ شَامِخًا كَأَجْنِحَةِ الفَرَاش.
ولْتُعلِّم السَّنَابِل ياجدِّي؛ علِّمْها:
أنَّ الأرضَ كالْعِرْض..لا تُباَعُ ولا تُؤَجَّرُ!