من يدري كم مرة رأينا وعشنا شهر رمضان، ولكننا في هذه الأيام التي أحاطت سلبيات مختلفة بالأمة، بدأنا نعيش أيام غربة ولوعة وقسوة تكاد تقصم ظهر إرادتنا وعزمنا.

من يدري كم مرة رأينا وعشنا شهر رمضان، ولكننا في هذه الأيام التي أحاطت سلبيات مختلفة بالأمة، بدأنا نعيش أيام غربة ولوعة وقسوة تكاد تقصم ظهر إرادتنا وعزمنا.

ومن كثرة ما تعرضنا للهجوم وللإهانة وللظلم في غمار هذا الجو القاسي الذي تحولنا فيه إلى غرباء في أوطاننا، أصبحنا نتوقع في كل يوم اعتداءً جديدا، وبدأنا وكأننا تعودنا على أن نكون مظلومين. وقد يعود هذا إلى الانسياق العبودي لدينا.

هنا نفتح صدورنا لربنا وندعوه بإخلاص وبحرقة متضرعين إليه: “يا ربنا!.. يا مسبب الأسباب!.. بعد تجهم الأعداء وتجاهل الأصدقاء مع ضعفنا وعجزنا فقد انتهت ونفدت الأسباب…
لقد أحاطت بنا الحيرة ونحن نسلك الطريق إليك مثلما حدث لسائر السائرين في هذا الطريق… لا تدعنا وحدنا، ولا تجعلنا من منكودي الحظ من المتعثرين والوحيدين في الطريق يا رب!” نقول هذا ونتأوه.

وبقدر الآلام التي نتعرض لها، ونتجرع غصصها، ندق باب رحمته بيد العجز والحاجة… ندق بابه فقط لا باب غيره، وننتظر منه توجهه والتفاته إلينا، لأننا نوحده ونثق به ونتوكل عليه. ولا أذكر أننا توجهنا في شهر رمضان آخر، وعشنا بمثل هذا العمق الذي أحسسناه في قلوبنا، وقد لا نعيش مثله أبدا.

من كثرة ما تعرضنا للهجوم وللإهانة وللظلم في غمار هذا الجو القاسي الذي تحولنا فيه إلى غرباء في أوطاننا، أصبحنا نتوقع في كل يوم اعتداءً جديدا

أجل!.. كم من مرة أدركنا هذا الشهر المبارك، وكم من مرة تعرضنا إلى نسائمه المحملة بالكرم واللطف، وكم من مرة حاولنا كأمة أن نقيّم هذا الشهر المبارك بأيامه المجيدة ونستفيد منها كما يجب.

نتذكر تلك الأيام التي انتشرت فيها الحرب والضرب، وغطى الضباب والدخان على كل شيء، ونتذكر أيام شهر رمضان الحزينة التي كانت تبرق وتلتمع مرة وتنطفئ أخرى مثل صواريخ الاحتفالات…

في تلك الأيام الحزينة من شهر رمضان التي كان الفقر المادي والمعنوي فيها متداخلا بعضه في بعض ومتراكما، ربطنا عزمنا بآمالنا مترنمين ببيت الشعر الآتي:
عندما يتجلى الحق يكون كل شيء سهلا ميسورا،
يخلق أسبابه في لحظة ويهبه إحسانا منه وفضلا…
كنا في ترقب أيجابي ننتظر انفراج بـاب غير اعتيـادي بين الإفطار والسحور… كان شهر رمضان آنذاك شـهرا فعالا وحيويا… ولكن يتيما في الوقت نفسه.
شـهور رمضان تلك كانت من جانب متشابهة مع شـهور رمضان الأخرى وغير متشـابهة كذلك. كانت فيها فصـول من خيبة الأمـل والتوجس… طلعت علينا تلك الشهور وأشرقت… ثم غابت وغربت بعد أن أهدت لنا -مثل نجوم السحر- أغنية وداع حزينة.