رجل يسبح دون أن يعرف السباحة

إن حالنا في اقتفاء أثر الأنبياء ومن سار على دربهم من العظماء، يشبه حالَ مَن ألقى بنفسه في البحر دون أن يعرف السباحة، ظل يتخبّط هنا وهناك دون جدوى.. فلما شاهده أهل الحرفة قالوا: “هذا لا يعرف السباحة، هلمّوا بنا ننقذه”. هذا حال مَن أراد السير في طريق العظماء، يقول: “اللهم لا طاقة لي على السير في هذا الطريق، ولكنني أحب أهله، نذرت نفسي للسير معهم، نظرتُ إلى الأنبياء العظام والأولياء الفخام والأبرار الكرام فوجدتهم يسبحون في هذا البحر، كل أملي يا رب أن أكون معهم وإن كنتُ لا أجيد السباحة مثلهم”، ثم يلقي بنفسه في هذا البحر.

إن الله عز وجل لن يترك عبدًا توجَّه إليه بهذا الشعور أن يغرق، بل سيأخذ بيده وينقذه، ويفتح له آفاقًا لم تكن في حسبانه؛ يجعل من اللمعة شمسًا، ومن القطرة بحرًا، ومن لا شيء كلَّ شيء.. المهم أن نكون على هذا الوعي، نمحو ذاتنا، وننسلخ من دعوى الأنانية.

الكتاب الأوحد على مستوى العالم

القرآن “أمانة”.. أمانة تتطلّب حفظَ “نصوصها”، وفهم “معانيها” في العقول والقلوب بشكلٍ صحيح. فمن لم يعرف معاني القرآن فما عرف قيمته حقًّا. الحفاظ على القرآن لا يكون بالاستماع إليه أو قراءته فقط.. الحفاظ عليه يعني إحياء معانيه في أرجاء المجتمع والحيلولة دون ذبول تلك المعاني أو شحوبها في القلوب، وبذل كل ما في الوسع لجعله “الكتاب الأوحد” على مستوى العالم. فإن لم نحافظ عليه ضمن هذا المعيار، واقتصرَ حفظنا له على وضعِه في أغطية حريرية مزخرفة تُعلَّق فوق رؤوسنا في حجرات النوم، فقد فرّطنا في حقه وخُنّا الأمانة.

المواجهة العميقة

نحن أحوج ما نكون إلى إحياء الليالي.. نحن بحاجة إلى أن نخلو إلى الله تعالى، بحاجة إلى يقظة قلبية حقيقية بين يدي الله عز وجل. نحن بحاجة إلى أن نلح في عبوديتنا على معنى “الإحسان”. نحن بحاجة إلى ذلك أشد الاحتياج. إزاء هذه العواصف المهولة التي تعصف حولنا، إزاء تسوناميات متعاقبة وأعاصير مروعة، إزاء عجز الأشجار العملاقة عن الصمود وتهاويها أمامها، إزاء كل ذلك نحن بحاجة إلى أن نتمسك بأوامر الله بعمق وجدية أكثر.

الأشجار التي لا تمتد جذورها في أعماق التربة تنهار مع أدنى عاصفة. عليكم أن تعمقوا العلاقة مع الله بلا توقف، كونوا مثل الأشجار الضاربة بجذورها في الأعماق. الذين يهاجمونكم اليوم يتعمقون في ممارسة العداء والظلم ضدكم، يتعمقون في حبك المكائد لإبادتكم. فما لم تواجهوهم بالعمق نفسه في علاقتكم مع الله، ما لم تصمدوا، وتواظبوا على الصمود، تقذف بكم العواصف بعيدًا، وتتناثرون كأوراق الخريف. لقد شملكم الله بحفظه حتى اليوم. إذا بقيتم على هذ الإخلاص والتجرد، والأداء الرفيع، والسلوك العميق، والإيمان بـ”الغاية الحلم”، والثبات عليها والتمسك بها، فإن الله سيقابل كل خطوة إليه بخطوات، سيقابل المشي إليه بالهرولة.. تصنعون شيئًا بحجم قطرة فيجعلها عشر قطرات، بل مائة قطرة حسب إخلاصكم وعمق نيتكم.

حقيقة الشوق إلى الجنة

عندنا رجاء واحد: اللهم شوقًا إلى لقائك ولقاء حبيبك تغنينا به عن الشوق إلى ما سواك. اللهم امنحنا شوقًا إليك وإلى حبيبك يأخذ بألبابنا، شوقًا يمحو من قلوبنا كل شوق إلى غيرك. أيها الرحيم الأوحد، أفرغ قلوبنا من جميع الأشواق الأخرى، حتى الشوق إلى الجنة أزله إن كان شوقًا لِذاتها. أجل، الجنة لها قيمة، لكن قيمتها ليست لذاتها، نحن في شوق إليها لأن جمال الله هناك، ورضوانه هناك، والأنبياء العظام هناك، ومن أحبهم الله هناك. شوقُنا إلى الجنة من أجله سبحانه، وإكرامًا لهؤلاء العظماء. وإلا فحُبّنا الذي نهيم فيه هو الله U، الله.

 

(*) الترجمة عن التركية: نوزاد صواش. هذه النصوص مترجمة من دروس الأستاذ المنشورة.