دور المسجد في خدمة الوقف وبناء أسس التعليم الشرعي

يعدُّ نظام الوقف من الأنظمة المالية الإسلامية التي اعتنى بها المسلمون عناية فائقة في كل مكان وزمان، منذ عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وعبر العصور المتوالية، فقد ظل المسلمون في مختلف عهودهم ومستوياتهم الاجتماعية يحرصون على وقف ممتلكاتهم والتسابق إلى تحبيس شيء منها في سبيل الله، من أجل صرف ريعها ومدخولها المالي في وجوه البر والإحسان وإقامة شعائر الدين الإسلامي، وتحقيق المنافع العامة للمسلمين، ويعتبرون ذلك من الأعمال الصالحة التي تقرّب إلى الله ومن الصدقة الجارية التي شرعها الإسلام ورغّب فيها الرسول الكريم والتي يبقى أجرها خالدا وثوابها مستمرا بعد حياة الإنسان مصداقا لقوله تعالى:﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾.

وارتباطًا بهذا الأساس الديني القويم في مشروعية الوقف ومقاصدِه الحميدة، وغاياتِه ومرامِيه النبيلة، كانت الأمّة الإسلامية في سائر عهودها المتواصلة، وعلى اختلاف شرائحها الاجتماعية ومستوياتها المادية والفكرية لأفرادها يبادرون إلى التعاون على البر والتقوى، ويسارعون إلى الخيرات والمَكرُمات، والقيام بما يصلح أحوالهم ويسعدهم في دنياهم وآخرتهم. فكان الناس يحبّسون شيئا من ممتلكاتهم الخاصة من دور وأراضي وحوانيت ورباع ليصرف مدخولها في تشييد المساجد وإقامة شعائر الدِّين الذي جعله الله قَوام وصلاح هذه الأمة، ويتحقق بذلك النفع العام للمؤمنين الصالحين ويولون الوقف رعاية خاصة من خلال حسن إدارته وتسيير رباعه وتطوير منظومته التشريعية لتتماشى مع مستجدات ومتطلبات العصر، فأسهمت هذه الأوقاف في خلق تجربة فريدة شملت مناحي الحياة المتعددة واستطاعت أن تلامس واقعَ الناس في مستويات متعددة ومتنوعة.

حيث برز التنوع الوقفي كمنهج حضاري يؤكد رقي التجربة الإسلامية التي أخذت أبعادها العالمية في تمثّلات التجارب الغربية التي اقتبست من نور الوقف الإسلامي بمسمّيات متنوعة ومختلفة ترتبط بنفس البعد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، مثل مؤسسات American EndowmentFoundation  و Trust FoundationوChildren’s Trust، وهي مؤسسات عالمية “تقوم على وجود مال دائم يستثمر والعائد منها ينفق على الأعمال الخيرية وإن كانت تختلف عن الوقف في بعض جوانبها”، إلا أنها اقتبست من المنهجية الإسلامية، ومن التنوع الوقفي الإسلامي الذي شمل مجالات متعددة.

حكمة الوقف وسماته بالمجتمع المسلم

تتجلى الحكمة من تشريع الوقف في أن العديد من الفقراء تجدهم عاجزين عن الكسب إما لصغر سن أو ضعف في القوى لمرض أو لغير مرض كالنساء اللائي لا قدرة لهن على مباشرة الحرف والصنائع، وغير ذلك من أعمال الرجال، فهؤلاء هم أولى الناس بالرحمة والشفقة والحنان “فإذا ما حبّست عليهم الأعيان وأجريت عليهم الصدقات، استراحوا من عناء الفقر وخرجوا من ربقة العسر وهانت عليهم مصائب الدهر” .

يقول صاحب “ردّ المحتار على الدر المختار” أن الحكمة من الوقف دنيوية وأخروية، ففي الدنيا: بر الأحباب، وفي الآخرة: تحصيل الثواب.

فبالوقف إذا تتحقّق مصلحة الواقف في الآخرة والموقوف عليه في الدنيا، يشير العز بن عبد السلام (ت 660هـ) إلى هذا الأمر حين يقسّم الطاعات إلى نوعان: “أحدهما ما هو مصلحة في الآخرة كالصوم والصلاة والنسك والاعتكاف، والثاني: ما هو مصلحة في الآخرة لباذله، وفي الدنيا لآخذيه، كالزكاة والصدقات والضحايا والهدايا والأوقاف”.

أما سمات الوقف وميزاته، فتتمثل في كون الوقف يقوم على أساس التكافل والتعاون بين أفراده، تحقيقا لمعاني الأخوة الإسلامية التي نطق بها الحديث الشريف: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى”، فأساسه التعاون على البر والتقوى من خلال صرف المال في وجوه الخير المعلومة لتحقيق المنفعة العامة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية وقامت عليها كركيزة أساسية مصداقًا لقول الحق سبحانه (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، فتحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي “من أهم المقاصد الإسلامية الذي أوجب الإسلام من أجله الزكاة، وحث على الصدقة، وأوجب الإنفاق عند الحاجة الماسة، بما فضل من المال، لتتحقق صورة الإخاء الإيماني الذي هو فرض على المسلمين، ومقصد شرعي عام.

والوقف أيضًا من التصرفات التطوعية النابعة من صدق عقيدة المسلم التي تتّسم بشمول أنواعه ومجالاته، لكل ما يعود بالخير على الواقف نفسه وعلى أفراد مجتمعه، تحقيقًا لمجتمع الاستخلاف وحفاظا على غاياته المتميزة.

فالواقف ينزل عن شطر من أمواله العقارية أو المنقولة إيمانًا بمبدأ الاستخلاف، فالكون وما فيه ومن فيه مملوك ملكية مطلقة لخالقه سبحانه (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ)، وما ملكية المستخلفين إلا حيازة أمانة أو وديعة فهي ملكية منفعة على النحو الذي يحقّق إعمار الأرض وفق الشريعة.

والواقف أيضًا بتنازله عن جزء من ماله “إنّما يحقّق الإيثار والسخاء واصطناع المعروف والتباعد عن الشح والبخل، فإن السخاء من أخلاق الأنبياء عليهم السلام، وهو أصل من أصول النجاة، وهو بذلك يجعل دنياه خير مزرعة لآخرته”.

كما أن من شأن الصدقة التي تخرج عن طريق الوقف “أن تبقى مستمرة العطاء بينما الصدقة تؤتي أكلها في حينها ثم تنقضي، فيحتاج الفقراء وذوو الحاجة إلى صدقات مثلها”.

– دور المسجد في خدمة الوقف وبناء أسس التعليم الشرعي

الوقف ارتبط أيّما ارتباط بالمسجد، وهذا أمر طبيعي لأن الوقف يتعلق بالوازع الديني وبالقوة الإيمانية التي تدفع الإنسان إلى تحبيس جزء من ممتلكاته، وإخراجها عن منفعته إلى منفعة الغير، فكان هذا الوازع دافعا إلى تحبيس الأوقاف المرتبطة بالمساجد كالوقف على الحرمين والوقف ببناء المساجد كجامع القرويين بالمغرب والجامع الأزهر بمصر والزيتونة بتونس.

غير أن ارتباط المسجد بالتعليم الشرعي باعتباره المحضَن الرئيس الأول لهذا النوع من التعليم دفعت بالمحبسين إلى تأسيس أوقاف خاصة لتسيير المؤسسات التعليمية أو التحبيس على بناء معاهد شرعية خاصة، أو المساعدة في خدمة الدراسة الشرعية من خلال إنشاء مكتبات وقفية أو وقف الكتب عليها أو إيواء الطلبة والعناية بمعيشتهم، ولعل أقدم مؤسسة جامعية قامت على الوقف في العالم الإسلامي هي جامع القرويين، الذي أنشئ من طرف “فتاة مسلمة تدعى فاطمة الفهرية وتكنى أمّ البنين، وهي من جملة من هاجر من القيروان إلى المغرب، وكان ابتداء تأسيسه في يوم السبت فاتح رمضان عام 245هـ وذلك في عهد الملك الخامس من ملوك الأدارسة وهو يحي بن محمد بن إدريس بن إدريس”، ولعل ما قام به هذا الجامع بفضل الأوقاف التي أقيمت على الكراسي العلمية وعلى تسيير الدراسة به أكثر من أن يحصى بأبعاده الدينية والتعليمية والاجتماعية، فقد خرّج أفواجا من العلماء والفقهاء استطاعوا أن يحرّروا المجتمع من رَبقة الجهل والأمية وأن ينيروا العقول بما استفادوا من علوم شرعية وكونية ازدانت بها رحاب هذه الجامعة.

ثمّ انتشرت “دور العلم والحكمة والمدارس وما فيها من مرافق ومكتبات وقفية، بدءا من القرن الرابع وما بعده، وقد تبع ذلك كلّه أوقافٌ استثماريةٌ تعود غلتها عليها كما هو معروف من صنيع السلف”.

وهكذا بدأ انتشار المدارس والمعاهد الشرعية المرتبطة بالمسجد أو المستقلة عنه والمخصّصة للتعليم الشرعي، ومنها جامع ابن يوسف بمراكش الذي أسّسه علي بن يوسف بن تاشفين المرابطي (ت537هـ) لتدرس فيه “العلوم الفقهية والكلامية والقرآنية والحديثية والتاريخية والأدبية والجغرافية والفسلفية وغيرها”، فكانا جامع القرويين بفاس وابن يوسف بمراكش “يدعمان بالأوقاف الخيرية من طرف المحسنين على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم العلمية والسياسية وغيرهما، ومن هنالك كانت لهما أبعاد تنموية في الثقافة بصفة عامة، وفي الإسلامية بصفة خاصة”.

أما ببلاد الحرمين فقد ذكر العلامة تقي الدين الفاسي في كتابه “شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام” إحدى عشرة مدرسة بمكة المكرمة ذاكراً مواقعها من المسجد الحرام، والمؤسسين لها، وشروطهم، والعقارات الموقوفة عليها”.

أما بالمدينة المنورة، فذكر طارق حجار في كتاب تاريخ المدارس الوقفية في المدينة المنورة بأنه: “يتعذر تعيين تاريخ محدد للمدارس الوقفية بالمدينة النبوية، غير أن أول من ذكرها هو المؤرخ محمد بن أحمد المطري (ت741هـ) حيث أورد اسم اليازكوجية والشهابية كما ذكر زين الدين أبي بكر المراغي نفس المدرستين في تاريخه”.

ومن هذه المدارس، في القرن السابع الهجري، المدرسة الجوبانية: لصاحبها جوبان بن تدوان، ثم أُنشأت المدرسة الشيرازية: لصاحبها إبراهيم العريان الرومي الذي اشترى نخلاً وأوقفه عليها واجتهد في عمارتها بنفسه وماله توفي سنة 730هـ، ثم ظهرت المدرسة اليازكوجية الحنفية، ثم المدرسة الشهابية: لمؤسسها الملك المظفر شهاب الدين بن غازي الأيوبي، في مكان دار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، ثم المدرسة الأركوجية: ذكرت في تاريخ ابن فرحون الذي عاش بين 693 – 769هـ.

وأما المدارس الوقفية في القرن الثامن الهجري فمنها: المدرسة الجوبانية: عام 724هـ، ثم المدرسة الغياثية.

وأما المدارس الوقفية في القرن التاسع الهجري فمنها: المدرسة الكليرجية: لمؤسسها السلطان شهاب الدين أحمد سلطان كليرجة، وقد قال عنه السخاوي “أنشأ بالمدينة مدرسة في سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة بالقرب من باب الرحمة، وأرسل بقنديل زنته أربعة آلاف وستمائة قفلة، علق في جهة الوجه الشريف، وكذا له مدرسة بمكة، بالقرب من باب الصفا”، وبعدهما ظهرت المدرسة الباسطية: لمؤسسها القاضي عبد الباسط، سنة بضع وأربعين وثمانمائة من الهجرة، ثم المدرسة الزمنية.

ثم ظهرت المدرسة الأشرفية أو الحصن العتيق: لمؤسسها السلطان الأشرف قايتباي سلطان المماليك عام 887هـ، وهي مدرسة كبيرة لها مرافق كثيرة، ووُقفت عليها أوقاف استثمارية عظيمة يرجع خيرها عليها وعلى المسجد النبوي، ثم ظهرت المدرسة الرستمية: لمؤسسها رستم باشا ابن الوزير قاسم باشا سنة 880 هـ.

وأما المدارس الوقفية في القرن العاشر الهجري زمن الدولة العثمانية فمنها: المدرسة المزهرية: لمؤسسها الزيني.

وأما المدارس الوقفية في القرن الحادي عشر زمن العثمانيين: مدرسة قرة باش: أنشئت عام 1031هـ، ثم مدرسة الصاقزلي: عام 1125هـ، ثم مدرسة كبرلي أو المدرسة الجديدة: عام 1150هـ، ثم مدرسة دار الحديث بشير أغا، ثم المدرسة الحميدية: ما بين عامي 1187- 1203، وأما المدارس الوقفية في القرن الثالث عشر فمنها: المدرسة المحمودية، ثم مدرسة كيلي ناظري: عام 1254هـ، ثم مدرسة حسين أغا: عام 1273هـ، ثم الاحسانية: عام 1275هـ، وأخيرا المدرسة الباركوجية.

وأما المدارس الوقفية في القرن الرابع عشر حتى ما قبل عام 1340هـ: فمن أشهرها: المدرسة الكشميرية: للوزير علم الدين عام 1301هـ، ثم المدرسة القازلية: عام1311هـ، ثم المدرسة العرفانية: عام 1314هـ، ثم المدرسة الخاسكية: عام 1314هـ، ثم المدرسة النظامية: عام 1324هـ، ثم مدرسة آمان الله خوجة: عام 1324هـ، وأخيرا مدرسة نور الدين نمنكاني: أوقفها نور الدين نمنكاني عام 1331هـ بسقيفة شيخي، ويذكر ابن بطوطة حــال ترحاله في بلاد العرب أن العشرات من المدارس من المســتوى الابتدائــي إلى الجامعي كانــت قائمة على أموال الوقــف، وأن الأموال الموقوفة قد فاضت على الطلبة المنتســبين لها، وقد كان الوقف وراء تشــييد أربعمائة مدرسة بدمشق في القرن السابع الهجري أيضا.

كما وجدت الأوقــاف على التعليم في مصر، قبل المــدارس النظامية، وذلك في عهد العزيز بالله سنة 378هـ، حيث أصبح الجامع الأزهر معهدا علميا أكثر منه مسجدا، ولذلك فقد ســأل الوزير يعقوب بن كلس الخليفة في تحديد أجور لجماعة مــن الفقهاء فأطلق لهم ما يكفــي، وأمر بشراء دار وبنائهــا، فبنيت بجانب الجامع وشــهد العصر الفاطمي في مصر توســعا في أعمال الوقف، حيث وقف الحاكم بأمر الله الفاطمي أوقافا كثرة للصرف على المساجد وغيرها من المؤسسات التعليمية، وكذلك فعل الوزير الفاطمي الصالح طلائع بن رزيك (سنة 556هـ).

ووجد أيضا عدّة مدارس اعتنت بجانب التوعية الأساسية للطلبة والمتعلمين، نذكر منها بمدينة فاس: مدرسة الصابرين التي أنشاها يوسف بن تاشفين بعد دخوله مدينة فاس حوالي 462هـ، مدرسة الحلفاويين التي أنشأها يعقوب بن عبد الحق المريني سنة 670هـ، مدرسة دار المخزن التي أنشأها السلطان السعيد بفضل الله عثمان بن عبد الحق المريني سنة 670هـ، مدرسة الصهريج التي أسّسها علي بن سعيد المريني سنة 721هـ، مدرسة السبعين سنة 721هـ، مدرسة الوادي سنة 721هـ، مدرسة المصباحية سنة 745هـ، المدرسة البوعنانية أو المتوكلية سنة 756هـ، مدرسة الشراطين سنة 1081هـ.

وينضاف إلى جامع القرويين وابن يوسف والأزهر والزيتونة وهذه المدارس العلمية وغيرها، في العصر الحديث مؤسسة دار الحديث الحسنية التي أوقفها الحاج محمد بن ادريس البحراوي، لخدمة الثقافة الإسلامية وجعلها وقفا في سبيل الله، لتكون بذلك لبنة أساسية في سبيل تطوير المنظومة التعليمية الشرعية بالمغرب، وقد خرّجت أفواجا من العلماء أسهموا بدورهم في خدمة الدين والمجتمع من مختلف الأماكن التي اشتغلوا فيها، بل إن عددا منهم كوّنوا دعائم للمجالس العلمية والرابطة المحمدية للعلماء التي صارت منابر للتوجيه والتوعية، وينطبق عليها بحق جانب حفظ العقل عن طريق الدروس الوعظية والمحاضرات العلمية والندوات الثقافية وتكوين الأئمة وتوجيه الشباب وإصلاح ذات البين بين الأزواج وغير ذلك مما يمكّن من حفظ مصالح الناس جميعا.

لقد استهل الوقف في المجتمع الإسلامي عن طريق المساجد والكتاتيب بصورة بدائية نظرا لمحدودية الأدوات والإمكانات في ذلك الزمان، وكانت الانطلاقة من باحات المسجد وأروقته الجامعية ثم إلى الكليات والمؤسسات، فقد كانت منطلقاته التأسيسية مرتبطة بالمسجد، محافظة على طابعه العام، متشبثة بروافده الإيمانية، فتأسس المنهج الخاص بالوقف التعليمي الذي اعتنى بمنظومة التعليم الشرعي وأسهم في تطويره وتنميته، فقد شكل الوقف أهم المصادر التمويلية بعد ذلك لدعم البحوث العلمية الشرعية وتشجيع الدراسة بالكليات والمعاهد الشرعية وخاصة ما يعرف بالتعليم العتيق أو التعليم الأصيل الذي يقوم في بنائه وتطويره على الوقف والتحبيس.

وهكذا يتبيّن أن نشأة الوقف انطلقت من المسجد، في ارتباط بالوازع الديني وبالقوَّة الإيمانية التي تدفع الناس إلى تحبيس جزء من ممتلكاتهم على المسجد والمدرسة المرتبطة به، لذلك ينبغي العناية بأمر المسجد بالجامعات والكليات والمعاهد الشرعية، وألا يقتصر على تلك القاعة التي يلجأ إليها الطلبة لأداء فرائض الصلاة فرادى، بغية تأسيس دافع وحافز إيماني للمزيد من التحبيس على التعليم الشرعي، كما ينبغي الاعتناء بالكتاتيب القرآنية، لأنها المحضن الأول للتعليم الشرعي، ولأن ثمارها تظهر بشكل واضح وجلي في الطلبة الذين التحقوا بها وحفظوا كتاب الله تعالى منها، كما ينبغي أن تشمل هذه العناية محاولة تطويرها ماديا، بتوفير الوسائل المساعدة على التحفيظ والتلقين مع حفظ خصوصيات البلاد الإسلامية فيها.