“حراء المعنى” تعزف “سمفونية البناء” بتونس الخضراء

إنه لقاء الأحبة… لقاء تجاوَز الزمان وتحدَّى عوارض المكان، فلمَّ شعَث الأمة بعد الشتات، وأذكى جذوة الأمل في النفوس، وأنكر الـ”أنا” وتأليه الذات… هنا استدار الزمن بعد تصرُّمه، فعادت اللُّحمة الإيمانية والوشيجة الفكرية لسابق عهدها، موصولة مفتولة بين العقول والقلوب بعد أن نُقِض غزلُها، وفُكَّت من عِقالها، وفتك بها الزمان، وضيق الإمْكان.
ها هنا لقاء رجلين مؤمنيَن عالِمَين عامِلَين؛ تَخِذا “المؤاخاة” قاعدة ومنطلقًا، وفَقِها أن الأمة لا يتبدل حالها ولا يستقيم أوَدُها إلا بتخصيب الفكرة وبناء الإنسان… إنهما رجلان قدَحا زناد “الفعل الحضاري” في صمت وأناة، صبوران صبْر “الطائر الحضون” في التربية وبناء العقول والقلوب… آمَنا بأن تبدُّل الأحوال ومحطَّ التجدُّد، لا يولد إلا من رحم المربّين وبُناة الإنسان، أمّا إن أخطأ الروادُ هذا “التدبير” و”حسن التخيير”، دفعت الأمّة فاتورة “تجنين الزمان” وتباعَد “المقصد والمرام”.
في حيّ تُطل عليه “صومعة الزيتونة” شامخة، ويعبُق عليه أريجها، تعانق رجلا “الفكر القاصد” و”الفعل الراشد” وتساندا، وتعارف أبناؤهما فتآلفا، وبهذه اللطائف والنسائم، وعلى إثر تلكم المعاني والمعالم، سرى ركْب “ندوة الثقافة والفكر الإصلاحي بين تونس وتركيا؛ الجذور التاريخية والأسئلة الراهنة الشيخ الطاهر بن عاشور والأستاذ فتح الله كولن نموذجًا”. فكانت لحظة تجدُّد الإيمان وتوفُّز العزائم بتلاقي الإخوان والعلماء والباحثين، ممَّن يمّم شطر “تونس الخضراء” من كل مَصْر وقُطْر؛ من “تركيا الشامخة”، ومن “شامة الإسلام” و”اختبار المسلمين الفاعلين” “البوسنة والهرسك”، ومن “موريتانيا” “مربع العلماء والشعراء”، ومن”مصر” سحر البيان، ومن “المغرب” الحبيب موطن الحلم والعلم، ومن “الجزائر” عطر المكان وموقد الإيمان.
افتتح الندوة الفكرية “معالي وزير الثقافة” الدكتور “مهدي مبروك” مستبشرًا بأمثال هذه المجامع العلمية، مهنّئًا “مركز الفاضل بن عاشور” على هذه الاستضافة والشراكة العلمية مع مجلة “حراء”. وأكد معالي الوزير على عِوَزِ الأمة اليوم إلى “العقل الجمعي” و”الذكاء الجماعي”، لتجاوز ما يعصف بالأمة من مِحن وفِتن، مرسخًا فكرة الاستفادة من التجارب الإنسانية مهما تنوعت، على أن تأخذ بعين الاعتبار ضواغط السياق، وتبدُّل إحداثيات الزمان والمكان… بعدها عرّج بنا المشرف العام على مجلة “حراء” وأسرى، إذ أخذَنا الأستاذ “نوزاد صواش” في سياحة فكرية بين الأقطار من “جاوة” إلى “جاكرتا” مما وطئته أقدام “حراء” هذه السنة، مؤكدًا أن رسالة “حراء” جمْع شملِ المفكرين وأصحابِ “الهمّ الواحد”، وأبان الأستاذ دلالة “الشخصية المعنوية” للأستاذ “فتح الله كولن” ومشروع الخدمة في الإجابة عن الثنائيات المختزلة التي يرزح فيها عالم المسلمين -ولا يزال- من جنس “العقل أو القلب”، “العلم أو العمل”، “المادة أو الروح”. فكانت إجابة “الأستاذ فتح الله” تجديدية متجاوزة للاختزال من خلال تشييد “سلطنة للقلوب” من مدارسَ وجامعات ومصحات ومصانع… وبناء لـ”جند الإدراك” و”أطباء المعنى”… بعدها تحدث الأستاذ “سامي إبراهم” مدير مركز “الفاضل بن عاشور” عن مقاصد هذا اللقاء الفكري الذي فتل النسيج الحضاري للأمة من خلال فكر “الشيخ الطاهر بن عاشور” والأستاذ “فتح الله كولن”؛ فأولى المقاصد، والاستفادة من تجربة مشروع الخدمة الذي يمثل نموذجًا للإسلام المدني، بديلا عن الإسلام السياسي، وثانيهما، أن للشيخ الطاهر بن عاشور فضلَ السبق، وللأستاذ “فتح الله” فضلَ التتمة واكتمال البناء، وبدراستهما نكتسب رؤية شمولية في فلسفة الإعمار والبناء الحضاري. توجّه الدكتور “عبد الرزاق قسوم” رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين بالكلمة، مهنّئًا هذا المسعى الفكري السديد، واللُّحمة الإيمانية التي تسد ثُلمة في جسد الأمة، وتنسج ما تلِف من شبكة علاقاتها وصلاتها الفكرية. بعدها تصدّر فضيلة الأستاذ “مصطفى أوزجان” مستشار مجلة حراء، ليؤكد أن السمة المفرقية للمشاريع الإصلاحية في العالم الإسلامي، هي حركية الإيمان والعمل الصالح، وأن عصر السعادة سيبقى النموذج الأكمل للبشرية جمعاء؛ إذ لم تكن الفوضى لتعم الأمة لولا انفصام القلب عن العقل، وبُعْدُ المسلمين عن جذورهم المعنوية الذاتية، وتتلمُذُهم بين يدي المنظومة الفكرية المادية… كما أوضح الأستاذ “أوزجان” أن مشروع الأستاذ “فتح الله” متجاوز لعالم الأشخاص، رافل في عالم الأفكار، لذا نهَج مشروعُ الخدمة المنهجَ المؤسساتي، ليختم الأستاذ كلمته مذكِّرًا أن مسؤوليتنا اليوم هي في الإجابة عن أسئلة ركْب الحيارى وهمومه الذي يبلغ تعداده سبع ملايير من البشر. وختم فضيلة الدكتور “خليل النحوي” مؤسس جامعة المنارة بموريتانيا الجلسة الافتتاحية، مؤكدًا أن آمالاً كبيرة معلقة بتونس الجديدة، ومنبّهًا إلى أن السمة الأساسية لفكر الرجلين الشيخ “الطاهر بن عاشور” والأستاذ “فتح الله كولن” هي اشتراكهما في رؤية حضارية متناغمة، هي تحرير العقول وتنوير القلوب وإقامة صرح الروح، من خلال عملية تربوية هادئة هادفة مركز ثقلها “الإنسان”.
افتتح الدكتور “سمير بودينار” أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة محمد الخامس بوجدة (المغرب) الجلسة العلمية الأولى، بعد أداء صلاة الجمعة، محيلاً الكلمة إلى الدكتور “محمد جكيب” أستاذ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة الجديدة (المغرب)، متحدثًا عن “أحلام الانبعاث بين النظرية والتطبيق”، مؤكدًا على أن الخيار السياسي في تاريخ الأمة لن يُفضي إلى تجدُّد حقيقي، ما لم يسبقه فعل تربوي روحي بنّاء… فالسياسة مهما تفانت، إلا أن بؤرة تحرُّكها “الأخذ” ومزالقها “الفرقة” و”الشنآن”، إلا أن الخدمة الإيمانية والعمل التربوي، مركزُ ثقلِه “العطاء” و”نكران الذات” و”نبذ الفرقة” و”الصدام”. بعد هذه المداخلة عرج بنا الدكتور “علي المحجوبي” أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة “تونس” إلى محطات تاريخية حاسمة للأمة، متحدّثًا عن الشيخ خير الدين باشا التونسي (1822-1890) وثمرات جهده الفكري. فبالرغم من أنه عايش سياقًا حضاريًّا “متأزمًا”، إلا أنه قدّم إضافات تربوية جليلة. ومن ثــــَــمَّ تصدَّر الدكتور “أحمد قعلول” أستاذ “فلسفة اللغة” والدراسات الإسلامية بجامعة “لندن” الكلمة، مشيرًا إلى أن من أفضال الشيخ “الطاهر بن عاشور” تأسيسَه لمحاضنَ تربوية لبناء الإنسان، ونفخَه الروح لمؤسسات أخرى عبث بها الزمان… وأكّد المحاضر على أن ما تشهده جهات من العالم الإسلامي من ثورات، تُعَدّ نقطة انعطاف وتحوُّل في تاريخها، إلا أن الشعوب المتحررة أمام تحدٍّ جوهري ومفارقة دقيقة، كَوْن نموذج الدولة الحديثة الموروث من الأنظمة المستبدة نموذجًا متأزمًا مصمَّمًا لتكريس الهيمنة والاستبداد، والذي تسعى النخب الثورية لتوظيفه سبيلاً للتحرر والانعتاق، ويبقى السؤال مطروحًا: هل ستُسعف الآلة (نموذج الدولة) نوايا صاحبها، أم أنها ستقوم بدورها المحدّد مسبقًا؟
في الجلسة العلمية الموالية تصدر الدكتور “سمير بودينار” الكلمة، متحدثًا عن البُعد العالمي الإنساني لفكر الأستاذ “فتح الله كولن” ومشروع الخدمة، حيث تُعد سمة “الرحمة للعالمين” في الخطاب والعمل صبغة العالم الوارث لخصائص “النبوّة”، وبيّن الدكتور كيف أن مشروع الخدمة جعل من التعليم قضية “أمة” تتحملها بنفسها فكانت مؤسسة التربية محركة حضور “الخدمة” في مختلف مفاصل الحياة. وأبان الدكتور “سليمان الدقور” أستاذ التفسير والدراسات القرآنية (الأردن) عن اهتمام الأستاذ “فتح الله” “بالعقل الجمعي” و”العمل الجماعي”… وفي هذا السياق أوضح الأستاذ المحاضر أن القضية المحورية في فكر الأستاذ “فتح الله”، اهتمامه “بمحو الذات” ومواجهة تألُّهها، وتعليمها “الانمحاء” و”تصفير الأنا”، وتُعَد هذه، الخاصية الميزة المعيارية لورثة الأرض وبناة الحضارة.
في افتتاح اليوم الثاني ترأس الجلسة العلمية الأولى الدكتور “محمد الشتيوي” (تونس)، حيث أحال الكلمة إلى الدكتور “بلال حسن التل” (الأردن) رئيس تحرير “جريدة اللواء” ورئيس “رابطة علماء بلاد الشام” سابقًا… واستهل مداخلته بسؤال محوري مَتْنُه أن دعاة الإصلاح في العالم الإسلامي قد بلغوا سُدة القرار اليوم، والتحدي الذي يطرح نفسه هو: هل البيئة العامة قابلة للتغيير، أم أن نخبة الإصلاح أخطأت المسلك الذي تُعد أولى خطواته “التربية” و”بناء المدرسة”؛ وبقراءة “منهج الأنبياء” في “الدعوة” و”الترشيد” نجدها مرتبطة أساساً بالتعليم والتربية… وفي هذا السياق نقرأ فكر الأستاذ “فتح الله كولن” وواقع مشروع الخدمة الذي اتخذ “الجهل والفقر والتخلف” أعداءً، واستلهم من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم منهج التجديد من فكرة “دار الأرقم بن أبي الأرقم” قبل بناء الدولة، فولّد بذلك نماذج لبناء الإنسان من بيوت الطلبة إلى المدارس والجامعات. بعدها تصدَّر الكلمة الدكتور “سليمان الشواشي” أستاذ العقيدة بجامعة الزيتونة سابقًا، متحدثًا عن جهود “الشيخ الطاهر بن عاشور” في إصلاح المنظومة التربوية وتحريك مؤسسات التربية لبناء الإنسان… ونبَّه الأستاذ المحاضر إلى أن أزهى مرحلة عاشتها “الزيتونة”، كانت حقبة إدارة الشيخ “محمد الطاهر بن عاشور”؛ حيث بلغ عدد المنتسبين إليها عشرة آلاف طالب علم… وقد تميزت المدرسة بجمع العلوم العقلية والقلبية في مقرراتها ومناهجها… فقد كانت جهود “الشيخ الطاهر” “الجندي المجهول” في بناء تونس اليوم. أحال رئيس الجلسة بعد ذلك الكلمة إلى الدكتور “حسن المناعي” أستاذ التفسير والدراسات القرآنية بجامعة تونس، حيث تحدث عن الجذور المعنوية للمدرسة الزيتونية المفتولة حبائلها مع أقطاب المدرسة الإصلاحية من جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده، ومحمد رشيد رضا… وأوضح المحاضر بأن النقطة المحورية المأتلفة بين العَلَمين أن جهودهما كانت تتِمة ولم تشكل حالة “قطيعة” في البناء الحضاري، بل نهجت منهج التكامل والإسهام، وإتمام مكارم الأخلاق متجاوزين بذلك الصدام والشنآن.
افتتح الجلسة العلمية الثانية الدكتور “صفوت خليلوفيتش” (البوسنة والهرسك)، حيث أحال الكلمة للدكتور “خليل النحوي” ليؤكد على محورية المقاصد الشرعية في “فقه البناء” لدى العلَمين “الطاهر بن عاشور” و”فتح الله كولن”، مؤكدًا على أن دعاة الإصلاح ينبغي عليهم التنبُّه إلى أن الثورة الداخلية التربوية الهادئة هي مقدمة علوّ البنيان الحضاري. بعد ذلك تصدر الكلمة الدكتور “عبد الرزاق قسوم” رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، لينبّه إلى قضايا محورية منها منهج نحْت المصطلح عند الأستاذ “فتح الله كولن” وكيف يولّد منها الأستاذ مفاهيم تليدة؛ ومنها “الجيل الذهبي”، و”الجهاد الأبيض”، وأضاف أن مفهوم “المعقولية” ينبّئ عن صفاءٍ للذهن، وتشرُّبٍ لمعاني القرآن الكريم الذي يُعد المنطلق في بنائه الحضاري والذي يتسم بـ”الفعالية”، و”الإيجابية”، و”الشمولية”. تلت هذه الإطلالة مداخلة للدكتور “علي مبارك” حول نماذج من الإصلاح في تونس خلال القرن التاسع عشر، حيث نبّه إلى معضلة حقيقية هي جهل المسلمين بتجارب بعضهم بعضًا، ولعل من حسنات ندوة اليوم، ربط أواصر الأمة وفتل حبائل تواصلها من جديد… وقد عالج الدكتور في مداخلته إشكالية “المرجعية” التي خيّمت على المجتمعات الإسلامية، وزادت مشاريع التجديد والانبعاث “غربة”… وفي ختام حديثه أكد على مباحث محورية تستحق التدقيق والبت فيها والتفعيل، منها “شمولية المشروع الإصلاحي وحضوره في شتى مفاصل الحياة”، و”الاستناد إلى المقاصد والكليات”، و”محورية القرآن في البناء الحضاري”، و”تزكية النفس وتهذيبها”. من جهته أكّد الدكتور “عمار جيدل” أستاذ العقيدة ومقارنة الأديان بجامعة الجزائر أثناء مداخلته، على دلالة “التلطف” التي يستند إليها فكر الأستاذ “فتح الله كولن”، ويتوقف عليها مشروع الخدمة، في تجاوز “الصدام” والجدل حول “الجزئيات”، والارتقاء إلى التضلع بأداء أكثر فعالية في مختلف مفاصل الحياة… ونبّه الدكتور إلى قضية هامة جوهرها أن من خصائص رائد “الإصلاح” و”التجديد” و”الانبعاث” تمثُّلَ خصائص الأمة لتجتمع حوله الأمة… كما أشار الأستاذ إلى دلالة “تجنين الزمن” عند الأستاذ “فتح الله”، التي تدفع فاتورتها الأمة إن خالفَت خياراتُ “رواد الإصلاح” إحداثيات الزمان ودواعي المكان. وفي شهادة حية له عن واقع “الخدمة” والخطوات الأولى التي خطاها في البوسنة والهرسك. تحدّث الدكتور “صفوت خليلوفيتش” عن الشباب الأربعة الذين تخطوا الممر الوحيد في مدينة “سراييفو” المتصل بالمطار أوان حرب البوسنة، حيث كان مرامهم الأول والأخير فتح القلوب وإنشاء المدارس، فتجاوزوا بذلك الزمن ورسموا مشهدًا من مشاهد صحابته رضي الله عنهم.
في الجلسة العلمية الختامية التي أدارها الأستاذ “نوزاد صواش”، أحال الكلمة في مستهلها إلى الدكتور “محمد المستيري” رئيس تحرير مجلة “رؤى”؛ حيث نبّه الأستاذ المحاضر إلى أن أزمة عالم المسلمين اليوم “أزمة إنسان”، والتي تجعلنا أمام تحديات جوهرية، وهي تحرير الإنسان من أية عبودية مادية أو جسمانية أو استهلاكية أو إيديولوجية… وأشار إلى أن هذه الأزمة تكْمن في استعباد الرأسمال الإنساني لحساب الرأسمال المادي، ويعد هذا التحدي من أخطر التحديات التي تعترض مسيرة حركات التجديد والانبعاث. بعدها نبّه الأستاذ “نوزاد” إلى ملاحظة مفرقية وهي أن أكثر ما يضير الأستاذ “فتح الله كولن” نسبة الأثر الخيّر لمشروع الخدمة إلى شخصه، ويَعتبر هذا الفعل شركًا بالله… فالأنسب حسب رؤية الأستاذ “فتح الله” نسبة الخير إلى ما أسمى الله به عباده “هو الذي سماكم المسلمين من قبل”. بعد ذلك تصدّر الدكتور “محمد باباعمي” مدير معهد المناهج في الجزائر متحدثًا عن المسؤولية الأخلاقية التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها وهو يحلّل ويفكّك ويركّب، فإن كان مفرغًا من التوتر والهمّ الحضاري صار الفعل حصيدًا بعد ذلك، أما إن كان القلب محترقًا والعقل متوترًا انطلق الفعل وأثمر… وأبان الأستاذ المحاضر عن أن المنظومة المهيمنة قائمة على إغراق العقل والقلب في الجزئيات والتفاصيل، وأن العقل والوجدان المسلم لا يمكنه بناء الفعل إلا من خلال بناء قواعد كلية تؤطر النظر وتوجه السَير… ودَلّل على ذلك عددًا من القواعد الكلية من جنس “الخيرية رهينة بصفاتها”، “تصفير الذات ونكران الذات”… وختم اللقاء الأستاذ “جمال ترك” مدير مركز الدراسات الأكاديمية، بطلب من الأستاذ “نوزاد”، برواية حادثة هو الشاهد الوحيد عليها حين دخل مكتبة الأستاذ “فتح الله كولن” ليصُفَّ بها كتابًا قرأه: فنظر إليه “الأستاذ” بنظرة مدققة ثاقبة، ثم أخذ الأستاذ الكتاب بيده -وكان الكتاب عنوانه: حياة الصحابة- وخاطب الأستاذ “جمال”: “يا جمال، لطالما وددت أن أقول لك ولإخوانك: كونوا مثل هؤلاء أو موتوا”. وعقّب الأستاذ “جمال” بعد الحادثة قائلاً: فلم نستطع أن نكون ولا أن نموت”، ولعل السؤال يطرح نفسه عليَّ أولاً، وعلى قارئ هذه الأسطر ثانيًا: فهل كُنَّا؟ وإن لم نكن فهلَّا فعلنا؟ وإلا فهل…