بإمكان حِبرٍ جديد متغيِّر اللون أن يُسهم في مراقبة الصحة والبيئة. فباستخدام هذا الحبر، يمكن إنتاج ملابس تتبدَّل درجة لونها عند التعرُّق، على سبيل المثال، أو منسوجات جدارية مُزخرَفة تتبدل ألوانها إذا ما دخل الغرفة غاز أول أكسيد الكربون. وهذه التركيبة قابلة للطباعة على أي شيء: من القمصان قصيرة الأكمام، وحتى أقمشة الخيام.

وفي حين أنَّ أجهزة الاستشعار القابلة للارتداء –على غرار الساعات واللواصق الذكية– تعتمد على مكونات إلكترونية لقياس معدل النبض، ومستوى السكر في الدم، إلى غير ذلك من المؤشرات الحيوية، يقول باحثو “مختبر الحرير” Silklab بجامعة تافتس إنَّ الأحبار الجديدة، المصنوعة من البروتينات الحريرية، قادرة على استشعار المواد الكيميائية الموجودة على الجسم، أو في محيطه، وكذا تحديد كمية هذه المواد. ويقول فيورنزو أومينيتو، الباحث في مجال الهندسة الطبية الحيوية بـ”مختبر الحرير”، وأحد كبار مؤلِّفي ورقة بحثية جديدة حول التقنية المذكورة: إنَّ قدرة الحرير “على أن يكون بمنزلة «شرنقة» واقية للمواد البيولوجية” إنما تعني أنَّ في الإمكان إضافة ما يَلزم من مواد الاستشعار والمواد متغيِّرة الألوان إلى الحبر، دون أن يترتب على ذلك فقدان هذه المواد لوظيفتها.

كان الباحثون قد ابتكروا نسخة سابقة من المادة المذكورة، يمكن رشُّها على القماش باستخدام الطابعات النافثة للحبر، فتتحول بذلك القطع صغيرة الحجم (مثل الرُّقع اللاصقة أو القفازات) إلى أجهزة استشعار. أمَّا في هذه النسخة التي أفصحت عنها الدراسة الأخيرة –المنشورة عبر الإنترنت في شهر مايو الماضي، في دورية “أدفانسد ماتيريالز” Advanced Materials– فقد عَمَد الباحثون إلى زيادة سماكة الحبر بمادة ألجينات الصوديوم، بحيث يكون مناسبًا للطباعة باستخدام ما يُعرف بالشاشة الحريرية، كما أضافوا إليه مواد متفاعلة مختلفة. وهكذا، فباستخدام الحبر الجديد، صار بإمكانهم “طباعة عدد كبير من العناصر المتفاعلة على الأسطح الكبيرة بسهولة”، وفق أومينيتو.

صنع الفريق الحبر الحريري عن طريق تفكيك الألياف الخام إلى البروتينات المكوِّنة لها، ثم أضافها الباحثون إلى الماء، بحيث تبقى عالقةً فيه. وبعد ذلك، خلطوا بها جزيئات تفاعلية (مثل مواد الاستشعار الحسَّاسة لدرجة الحموضة، وأكسيديز اللاكتات)، ثم أجْرَوا تحليلًا للتغيُّر الذي يطرأ على لون هذا الخليط حال تعرُّضه لتغييرات في البيئة المحيطة. عند ارتداء ملابس مطبوع عليها هذا الحبر، يمكن لمواد استشعار درجة الحموضة أن تقيس مدى صحة الجلد أو جفافه، وأما أكسيديز اللاكتات، فيمكن أن يقيس مستويات إرهاق مرتديها. ومع أنَّ هذه التغيرات يمكن رصدها بالعين المجردة، استعان الباحثون كذلك بالتحليل المعتمد على التصوير بالكاميرات، سعيًا إلى متابعة تغيُّرات الألوان باستمرار، وإنشاء قاعدة بيانات بالقيم المستمدة منها.

يقول أومينيتو: “في حالة القمصان قصيرة الأكمام، سوف يكون في وسع الشخص أن «يُلوِّن» القميص الذي يرتديه [من خلال] ممارسة التمارين الرياضية؛ إذ تختلف الألوان باختلاف توزيع الحموضة في عرقه”. يرى أومينيتو أن ثمة فرصة سانحة لاستخدام هذا الحبر للمساعدة في مراقبة مثل هذا النشاط، فضلًا عن إمكانية الاعتماد عليه في مراقبة التغيُّرات البيئية في غرفةٍ ما، أو للكشف عن البكتيريا ومتابعة تطوُّر الأمراض، على حد قوله.

ومن جهته، يذكر تايلر راي –باحث الهندسة الميكانيكية بجامعة هاواي في مانوا، الذي لم يشارك في إعداد الدراسة– أنَّ معظم أجهزة القياس القابلة للارتداء المتاحة في يومنا هذا تشترك في أنها صلبة، ومُثقلة بالأسلاك، وكبيرة الحجم نسبيًّا. ولذا، فإنَّ تقنية الحبر الجديدة، وفقًا لراي، تحمل في طيَّاتها “إمكانية تحويل الأجهزة القابلة للارتداء الموجَّهة إلى المستهلك من كونها أجهزة ترفيهية مبتكرة، إلى كونها أدوات قياس فسيولوجية إكلينيكية، يمكن ارتداؤها لتعطي معلومات يمكن للأطباء التصرُّف على أساسها”. غير أنَّه يستدرك قائلًا: “إن إحدى الصعوبات التي تواجه أي منهجية للقياس بالألوان تتمثل في تأثير الظروف البيئية المختلفة على دقتها، كالإضاءة على سبيل المثال… أو نوع الكاميرا المُستخدمة”. وعليه، يتعين على الدراسات المستقبلية أن تتصدَّى لهذه المشكلات.

المصدر: موقع العلوم