الناي في مقام التجلي

يا نافخَ النَّايِ.. إسْرَافيلُ والصُّورُ          أرَاهُـمَا فِيـكُمَا إذْ صَحْـصَحَ النُّورُ

ما كنتُ أفهَمُ فِعْلَ النَّايِ فِِي خـَلَدِي   حتى تجَلَّى لِرُوحِي المُلْهمُ الطُّورُ

رُوحِي ورُوحُك.. رُوحُ النَّاي مَلْحَمَةٌ      زبُورُهَا بنشِيج النَّاي مَسْطُورُ

النَّايُ مَجْرَى صَدَى الأرْوَاحِ يَعْزفهَا        بَيْنَ الأنامِلِ تقتِيرٌ وتحْرِيرُ

فالمُصْمَتَاتُ بجَوْفِ النَّاي حَشْرَجَةٌ       والمُرْسَلاتُ لهَا بالرِّيحِ مَـزْمُورُ

الرِّيحُ تَبْحَثُ عَنْ نايٍ يُمَوْسِقُـهَا         فخـَارجَ النَّاي عَزْفُ الرِّيحِ مَنْثورُ

الرِّيحُ والرُّوحُ -فِي مَعْناهُمَا- نَفـَسٌ     والنَّـايُ كالجسْمِ بالأنفاسِ مَعْمُورُ

النُّايُ أتفهُ عُودٍ دُونَ نافِـخِهِ              إنْ يَنفخِ الرُّوحَ فِـيهِ إنهُ الصُّورُ

ونافِخُ النَّاي دُونَ النَّاي طِينَـتُهُ          لمْ يَنفخ الرُّوحَ فِيـهَا طِينةٌ بُـورُ

النَّايُ يَشْرَبُ سِرَّ الرُّوحِ خمْرَتَهُ         فإنْ تَنَفَّسَها فالكَوْنُ مَخْمُورُ

النَّايُ يَعْصرُ إحْسَاسَ الوُجُودِ صَـدًى    فكُلُّ قلْبٍ بصَـوْتِ النَّاي مَعْصُورُ

انظرْ لشـبَّابَةِ الرَّاعِي إذا نُفـِخَتْ       يَهْفُو القطيعُ لَهَا أعْناقُهُ صُورُ

النَّايُ يَنْدُبُ عَهْدَ الرَّتْقِ مُذ فُُتِقَتْ      عَنَاصِرُ الكوْنِ قلبُ النَّاي مَشْطُورُ

النَّايُ تشْكُـو سَحِـيقَ النأي زَفْـرَتُهُ       لِذاك سَمَّوْهُ فهْوَ -الدَّهْرَ- مَصْدُور

النَّايُ مِنْ سِـدْرَة الخُلْدِ التي سَحَرَتْ      قِدْمًا أبَانَا فأيْنَ الخُلدُ والحُـورُ؟

النَّايُ يُعْولُ تـذكَارًا لمَنْبِتِهِِ                     كَمَا يَحِنُّ لدَى الهجْرَان مَهْجُـورُ

ونافخُ النَّاي يَحْكِي صَوْتَ “كُنْ” أزَلا          كُلٌّ عَلَى تَوْقِهِ لِلأصْلِ مَفطُورُ

 

يا نـافِخَ النَّاي عُجْبِي حِينَ تَنفخُهُ         أنْ لا يَدِبَّ بعُودِ النَّاي يَخْـضُورُ