المجتمع الإسلامي في بعده الإنساني

تقرر كثير من الآيات القرآنية حقيقة المجتمع الإسلامي وطبيعته ومساحته وحدوده منذ اللحظة الأولى لإعلانه وبيان معالمه وسماته بقوله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ) بصيغة الجمع المطلقة غير المقيدة بجنس أو عرق أو لون، وهذه مساحته وحدوده. إنه “مجتمع إنساني” بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فهو يؤسس نظامه على “العبودية لله” وحده من غير تمييز عنصري ولا عرقي ولا قومي ولا إقليمي. فكل البشر عبيد لله وحده، لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.

إن مجمتع عباد الرحمن مجتمع عالمي مفتوح لكل بني الإنسان، يقرر منذ اللحظة الأولى هذه الحقيقة الثابتة أن البشر كلهم “عباد الرحمن”، وأنهم يرجعون إلى أصل واحد، فلا ميزة لجنس على جنس، ولا للون على لون، ولا لقوم على قوم، وأن اختلافهم في الأجناس والأعراق والشعوب والقبائل من أجل التعارف لا التناكر، ومن أجل التنوع لتبادل المعرفة والمنافع والمصالح والتكامل حتى تستقر الحياة وتستقيم وتستمر. فلا ميزة ولا أفضلية لجنس أو لعرق أو لقوم؛ لأن الإنسان لا خيار له في اختيار جنسه أو لونه أو عرقه، فلا يصلح هذا ميزانًا لبيان فضله وقدره وميزته، وإنما الميزان في بيان الأفضلية، يرجع إلى اختيار الإنسان وإرادته وعمله وطاعته لله سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(الحجرات:13). وبذلك ينفي عن مجتمع “عباد الرحمن” فكرة التمييز العنصري المقيتة، ويفتح زراعيه لبني الإنسان جميعهم على أساس المساواة الكاملة والشعور الإنساني السامي الخالص، والعبودية المطلقة لله وحده.

احتضان الناس في ظل العبودية لله

وهكذا يضم مجتمع “عباد الرحمن” جميع الأجناس والقوميات واللغات والألوان والأعراق في ظل العبودية لله، وفي حمى نظامه الاجتماعي الذي يحس به الناس بآصرة واحدة تربط بينهم جميعًا، آصرة العبودية “لله” التي تحقق الرابطة الإنسانية الحقيقية بين البشر. فالبشر كلهم لآدم وآدم من تراب، وهم مستخلفون في الأرض لعمارتها وزرع الخير فيها: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً)(البقرة:30). وهذا تكريم للإنسان وإعلاء لشأنه وتمييز له على سائر المخلوقات، وشعوره بذلك يدفعه إلى مدّ يده لأخيه الإنسان، يطلب عونه ومشاركته في رسالة الاستخلاف المنوطة بالجنس البشري كله. وبذلك يشعر الناس جميعًا بالأخوة والمساواة في عمارة الأرض واستخراج كنوزها، متحررين من النزعة الاستعمارية التي جرّت على البشرية ويلات الحروب والكوارث والدمار. إن السمة البارزة في مجتمع “عباد الرحمن”، والتي وردت في مقدمة وصفه أنه “مجتمع إنساني” يتجه فيه الناس جميعًا إلى رب واحد لا أرباب مختلفة، تتنازعها الأهواء والتقلبات فيتيه الناس ويشقون من أمزجتها المتقلبة. إن الناس في مجتمع عباد الرحمن يشعرون بالكرامة الإنسانية، فيسيرون في الحياة بلين ورفق وقصد وهدف، سيرًا يليق بالإنسان المستخلف الذي يشعر بالأخوة الإنسانية، وبآصرة العبودية لله، فلا يستعلي على غيره ولا يستكبر؛ إنه يمشي على الأرض هونًا باتزان وتواضع من غير ذلة وانكسار وضعف، شعاره “السلام” في تحيته وتعامله وسلوكه، قال تعالى: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا)(الفرقان:63).

يضــم المجتمــع الإســلامي جميــع الأجنــاس والقوميــات واللغات والألــوان والأعراق في ظل العبودية لله

مجتمع السلام العالمي

إن مجتمع عباد الرحمن مجتمع إنساني، ومجتمع سلام عالمي تشعر البشرية المتعبة في رحابه بالأمن والسعادة والاستقرار. إنه المجتمع الذي تبحث عنه البشرية اليوم لحل مشكلاتها وقلقها واضطرابها بعد عصور الضياع والشقاء في ظل الأنظمة الوضعية المبنية على الأهواء والعنصرية والمحاباة. إن الإسلام يزيل كل الحواجز والفوارق التي تقوم على العنصرية المؤدية إلى استعمار الشعوب واستغلالهم، لأنه ينطلق من مفهوم “العالمية” لا القطرية الضيقة المحدودة، ولا القومية العنصرية المقيتة، فالله سبحانه وتعالى هو (رَبِّ الْعَالَمِينَ)(الفاتحة:2)، والرسول صلى الله عليه وسلم بعثه رحمة للعالمين: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)(الأنبياء:107). وبذلك تتسع فكرة “الوطن” للإنسان ولا تنحصر في حدود جغرافية ضيقة، لأنه خليفة في الأرض يسعى لعمارتها وتحقيق السعادة للبشرية كلها ضمن الرابطة الإنسانية التي يدعو إليها الإسلام ويقيمها ويحميها. وهذا المعنى لا يتناقض وفكرة الوطن الواحد لأمة معينة أو شعب محدد؛ فهو لا يلغي فكرة الانتماء للوطن القومي في إطار الشعور الإنساني النبيل السامي الذي تجتمع في ظله الجنسيات والقوميات واللغات والألوان لتحقيق هدف مشترك للوطن الذي يعيشون فوق ترابه وأرضه تجمعهم روابط الأخوة والعمل والتعاون والأهداف الوطنية المشتركة، بعيدًا عن الإكراه المقيت الذي لا يتفق وروحه وآفاقه الإنسانية، وبعيدًا أيضًا عن مشاعر الكراهية لجنس أو لون أو طبقة. فأقام “الأخوة الإسلامية” مقام روابط الدم والنسب والعرق والجنس: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)(الحجرات:10)، وجعل رسالة المجتمع الإسلامي دعوة الناس إلى الهداية والعدل والخير والإصلاح وتعمير الحياة، ومحاربة الشر والظلم والفساد. وهذه هي مهمة الأمة الإسلامية في القديم والحديث، نالت بها “الأسبقية” و”الخيرية” على سائر الأمم: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)(آل عمران:110). وتؤدي الأمة هذه الرسالة المنوطة بها بالحكمة والموعظة الحسنة: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)(النحل:125). فليس في مجتمع عباد الرحمن كراهية للأجناس أو الأديان الأخرى، بل الرغبة في جذب الإنسانية للخير، وتعمير الأرض، وتسخير مواردها لسعادة الإنسان ورفاهيته… فلكل جنس أو دين حريته ضمن إطار مبادئ المجتمع الثابتة التي تحمي أفراده جميعًا من الظلم والقهر والعدوان، وتقيهم من أشكال الفساد والانحلال الخلُقي.

عدم الإكراه في العقيدة والفكر

إن الاختلاف والتنوع، من سمات مجتمع عباد الرحمن، لأنه لا يقبل “الإكراه” في العقيدة والفكر، بل إنه يعتبر هذا الاختلاف “إرادة إلهية” لا يمكن إلغاؤها أو (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)(هود:118-119). ويبين الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم أن “إرادته” لم تشأ أن يكون الناس جميعًا مؤمنين، وأن مهمته الموكلة إليه تقتصر على التبليغ والبيان من غير قسر أو إكراه: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)(يونس:99)، (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(البقرة:256).

فالإسلام يعتبر الاختلاف بين البشر “سنة كونية” و”إرادة علوية” من أجل تكامل الحياة، واكتمال منافع البشر ومصالحهم فيها. وهذا الاختلاف ملحوظ في عمارة الكون وبنائه، ومرئي في خلق البشر بأشكال وألوان وقدرات ذهنية وجسمية مختلفة، وفي خلق النباتات والثمار والزهور المختلفة أيضًا في أشكالها وألوانها وحجومها وطعومها. إنها سنة الله في خلقه، تقوم على الاختلاف من قبيل التنوع والإبداع، ونفي الشكل الواحد والجنس الواحد واللغة الواحدة في الكون والإنسان والحياة. إن هذه “التعددية” في مجتمع عباد الرحمن، تماشي طبيعة العالمية وحقيقته الإنسانية في احتضان القوميات والديانات كلها، مقررًا أن “الإله واحد”، وأن العقيدة واحدة، وأن الدين واحد هو “الإسلام”؛ إسلام الوجه لله وحده دون شريك، وهذا هو أساس “العقيدة” الثابت في الديانات السماوية كلها من غير تبديل ولا تحريف. أما “الشريعة” والتي تضبط سلوك الناس وتنظم شؤون حياتهم، فهي التي تتطور حسب حاجات الناس ومصلحتهم ونموهم وإدراكهم.

البُعد عن التعصب الديني

إن المجتمع الإسلامي بعيد عن فكرة “التعصب الديني” التي تسبب الحروب بين البشر، والتي تتولد من الفكرة العنصرية المقيتة لأتباع دين معين. فليس هناك عصبية دينية منغلقة، كاليهودية التي أغلقت أبوابها أمام الآخرين، واقتصرت على أتباعها المنحدرين من أصول يهودية، لأنها تزعم أنهم شعب الله المختار وأن الجنة حكر عليهم. وقالت النصرانية مثل ذلك، فجاء القرآن الكريم وأزال التعصب الديني من جذوره حين قرر أن الله واحد لا أبناء له، وليس هناك شعب مختار من سائر الشعوب، وأن المعيار لدخول الجنة هو العمل الصالح: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ)(المائدة:18)، (وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ)(البقرة:111-112). ويعلن القرآن الكريم أن تكريم الله يشمل بني آدم جميعًا، وأن التفضيل بينهم يقتصر على ما يقدمون من أعمال: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)(الإسراء:70). فالقرآن ينقض مزاعم اليهود حول الشعب المختار، ويعلن صراحة أن البشرية كلها مختارة في الأرض بموجب إرادة الله في استخلاف الإنسان من غير تخصيص جنس أو عرق أو قوم: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ)(البقرة:30).

وهكذا سار مجتمع عباد الرحمن في التعامل مع الديانات الأخرى وأتباعها بروح الإسلام والتسامح والسلام. فقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في التعامل مع الآخر من أهل الكتاب، فكان يزورهم ويكرمهم ويعود مرضاهم ويأكل طعامهم ويشيع جنائزهم، حتى إنه فرش عباءته لوفد نجران ليجلسوا عليها، وكان يقترض من بعض أهل الكتاب نقودًا، ويرهن أمتعته عندهم، ومات ودرعه مرهون عند يهودي. كان يفعل ذلك من أجل أن يقدم المثل لأصحابه في معاملة أهل الكتاب، وكان فيهم الموسرون الأغنياء الذين يفدون النبي صلى الله عليه وسلم بأموالهم وأنفسهم، فأراد أن يقدم لأصحابه النموذج العملي لمجتمع عباد الرحمن وأفراده الذين يمشون على الارض هونًا، فلا يعتدون ولا يظلمون ولا يتعالون على عباد الله، بل يشعرون بالرابطة الإنسانية التي يجتمع الناس جميعًا في ظلها، وينعمون بخيرها العميم الوافر.

التسامح والوئام

وسار المسلمون على نهج نبيهم صلى الله عليه وسلم، فاختلطوا بالأمم وأهل الديانات الأخرى، وعاشروهم بالمعروف والتسامح والوئام، وتعاونوا معهم على العمل والخير وبناء المجتمع. فكان المسلم يسكن بجوار المسيحي أو اليهودي، ويؤدي له حق الجوار كاملة دون نقصان، لأن أخلاق عباد الرحمن لا تفرق في حقوق الجوار وغيرها بين مسلم وغير مسلم. فقد روي أن ابن عباس رضي الله عنه ذبح شاة فقال لغلامه “لا تنس جارنا اليهودي أن تعطيه منها” وكرر له ذلك، فتعجب غلامه منه، فقال له ابن عباس “إن النبي صلى الله عليه وسلم أوصانا بالجار حتى خشينا أنه سيورثه”. فابن عباس كان يراعي حق الجوار لجاره اليهودي فيهديه من ذبيحته ويكرمه ويهتم به.

وسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين حضرته الصلاة وهو في كنيسة القيامة ببيت المقدس، لم يصلّ فيها خوفًا من أن يتخذها المسلمون حجة من بعده لإقامة مسجد فيها، فقد أدرك بثاقب نظره معنى “الحرية الدينية” التي يعطيها مجتمع عباد الرحمن لأفراده المقيمين فيه ولو كانوا مخالفين له في العقيدة والدين، بل إن تطبيق “العدالة” تشمل جميع أفراد مجتمع “عباد الرحمن” دون تمييز.

وقد عاش أهل الكتاب في مجتمع عباد الرحمن ينعمون بعدالته، ويتنعمون بخيراته سواء بسواء مع المسلمين. فقد روي أن ولدًا لعمرو بن العاص رضي الله عنه ضرب فتى قبطيًّا وكان عمرو بن العاص حاكم مصر آنذاك، فجاء القبطي إلى المدينة وشكاه لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأرسل عمر لواليه عمرو بن العاص يطلب منه الحضور إلى المدينة مصطحبًا معه ابنه، وحين حضر مع ولده، قال له عمر رضي الله عنه عبارته المشهورة: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا”، ثم ناول القبطي درته وقال له: “اضرب ابن الأكرمين”.

هكذا تعامل مجتمع عباد الرحمن مع أهل الكتاب منذ نشأته الأولى، واستمرت هذه الصورة المضيئة في كل عصر يكون فيه الإسلام هو الحاكم الأقوى على شعور المسلمين وسلوكهم. وحين يبتعد عن الحياة أو يبعد عنها ليفسح المجال للأهواء والعصبيات تحكم حياة الناس وتوجه سلوكهم، فإن هذه الصورة الوضيئة تتكدر وتنطمس وتزول، لتحل محلها صورة مغايرة من العلاقات القائمة على الريبة والتعصب والاقتتال.

 

(*) جامعة حلب، كلية الآداب والشريعة / سوريا.