اللاعنف هو المكون المفقود

الحب منهج حياة، وشريعة كونية، يتقنها الحيوان والجماد، تمثلها مخلوقات الكون التي ما زالت سليمة الصدر، متمسكة بالفطرة التي فطر الله الكون عليها، تعيش على الصفاء، السلم التعايش.

الحبيب الذي يستغل حبيبته في علاقة غير شرعية، أو ما قبل الشرعية، هو عنيف منعدم الحب.

كثير هي تعريفات الحب، سواء بين أسطر المجلات والكتب والروايات، أو في ضيافة مواقع النت، على مختلف أشكالها وألوانها، لكني حاولت أن أبدع في تعريف شخصي، منتقى من مواضيع وقراءات، أقول فيه: “الحب هو اللا عنف فالمحب هو المخلوق الذي لا يعنف، ولا يميل إلى القسوة الخالية من الرحمة، وحين أذكر هذا أستثني أقصد قسوة الأب، والمعلم…”.
للأسف نرى في الشارع نقيض هذا في غالب الأحيان، فالأب عموما يحب أطفاله، لكن هناك من يثخن على أبنائه وزوجه، وهذا عنف انعدام الحب. والحبيب الذي يستغل حبيبته في علاقة غير شرعية، أو ما قبل الشرعية، هو عنيف منعدم الحب، والسياسي يدّعي حبه لوطنه، لكنه إن خان، فهو عنيف لا يحب، والأم التي تجهض حملها من غير سبب شرعي أو ضرورة، عنيفة لا تحب، والموظف الذي يختبئ وراء شهادة طبية مزورة حتى لا يحضر عمله، هو عنيف لا يحب، وإمام المسجد الذي يطيل الصلاة عنيف لا يتميز بالحب …، فالحب هو اللا عنف.
الحب والعبادة:
أستطيع أن أقسم أن من لم يحب الله، لن يستريح في عبادته، فالمتصوف استطاع أن ينتشي بذكر الله، ويعيش في حضرته، بمقامات راقية نتيجة حبه لله، وذكره له آناء الليل وأطراف النهار؛ لأن المحب لمن يحب مطيع، والمحبوب ببال حبيبه في كل وقت وحين، إلا فيما خرج عن الإرادة.
إن أحببنا معبودنا، فإننا سنفرح أن نكون في عبادته دائمًا، سنجدد النية في كل وقت وحين، سنستريح بعبادة الله، لا من عبادة الله، فهناك فرق طفيف في استبدال حرف الجر؛ لكن بون شاسع بين المعنيين، وهناك السر، حيث جوهر اللذة بعبادة الله.

الحب هو أن يعيش الشخص، كامل الإنسانية، ينعم بالسلم، التعايش، التسامح، السلام الداخلي.

كم من مرة للأسف–شاهدنا أو فعلنا بأنفسنا- ندخل المسجد فنجد الإمام راكعًا، فنسرع لندرك الركعة قبل أن يرفع الإمام من ركوعه، خشية أن نعيد ركعة بين يدي الله!.
لا معنى لعبادة نؤديها لم نتلذذ بها، وكل عبادة وضع الله فيها نصيب راحة، وقد قال رسول الله للمؤذن بلال رضي الله عنه “أرحنا بها يابلال”.
الله والتطرف
من المستحيل، أن يكون الطريق إلى الله الرؤوف الرحيم الحبيب السلام مرشوشًا بالدماء، ملطخًا بالتقتيل والتكفير والتفسيق والتبديع، كما إنه مما لا يصدقه عقل صحيح أن قتل امرئ بتفجير أو طعن … هي قربة إلى الله ووسيلة لإدراك الجنان العلى، ولو كان ذلك حقًا لكان عباد الكون القتلة والظلمة أمثال هتلر … ولتفوقوا على الرسول صلى عليه وسلم.
الرسول صلى عليه وسلم عاش إنسانًا، كامل الإنسانية، أدبه ربه فأحسن تأديبه، أُوذي، وضُرب، وكسرت رباعيته، وهو ما يحمل بقلبه غير الغيرة على الإنسانية، وإنقاذها من عذاب الآخرة قال تعالى:(لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)(الشعراء:3)،(وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا)(آل عمران:103)، فشتان بين من ينقذ الناس من النار، وبين من يعجل بهم إليها.
فالحب هو أن يعيش الشخص، كامل الإنسانية، ينعم بالسلم، التعايش، التسامح، السلام الداخلي.