الكفاءة والفاعلية وأثرهما في تحقيق النجاح

الإسلام دين شامل؛ يتضمن النواحي الروحية والمادية. خُلق الإنسان من الطين (الجسد) فهو يُرى بالبصر، ونفخ فيه الله تعالى من روحه (الروح) فهي تُرى بالبصيرة. وينظر الإسلام للإنسان نظرة متوازنة، فالإنسان له احتياجات مادية جسدية، واحتياجات روحية معنوية. والإسلام دين الوسطية؛ يوازن بين الاحتياجات المادية والمعنوية للإنسان، فهو دين الفطرة؛ يعترف بالاحتياجات التي فطر الله تعالى الناس عليها.

الكفاءة والفاعلية في تقييم الأداء

الإدارة عملية اجتماعية مستمرة تعمل على الاستخدام الأمثل للموارد لتحقيق أهداف محددة. وهذا التعريف الجامع للإدارة يشمل عناصر رئيسية؛ نوجزها؛ كالآتي:

  • أولاً: هي عملية اجتماعية مستمرة.
  • ثانياً: لابد من وجود موارد (مادية ومالية وبشرية ومعرفية).
  • ثالثاً: الاستخدام الأمثل للموارد (نوعًا وكمًا).
  • رابعاً: تحقيق أهداف محددة (كميًّا ونوعيًّا وزمنيًّا وماليًّا – وقابلة للتحقيق واقعية – وقابلة للقياس)

ويقاس الأداء في استخدام الموارد لتحقيق الأهداف ببعض المقاييس أهمها الفاعلية والكفاءة. ويشيران فان فليت وبيترسون “Van Fleet & Peterson” لزيادة كفاءة وفاعلية العملية الإدارية:

– الكفاءة Efficiency أن تكون عمليات التشغيل بأقل الموارد، أي بدون إهدار الموارد. ويعني ذلك تحقيق الهدف بأقل تكلفة (مالية – زمنية – جهد).

– الفاعلية Effectiveness هي عمل الشيء الصحيح بالطريقة الصحيحة في الوقت الصحيح، فهي تقيس درجة تحقيق الهدف.

ومن التعريفين السابقين للكفاءة والفاعلية كمقياسين لتقييم الأداء؛ تتضح بعض العناصر وهي الآتي:

– لابد أن يُستخدما معًا؛ فلا يمكن استخدام مقياس دون الآخر. فلا يمكن تحقيق الهدف، وفي نفس الوقت تُهدر الموارد. أو استخدام أقل الموارد دون تحقيق الهدف المحدد.

– هي مقاييس مادية بحتة؛ تهتم أساساً بالجانب المادي؛ ولا تنظر للإنسان النظرة الشاملة. فهي تهمل الجانب الإنساني بمعناه الشامل (المعنوي والمادي معًا).

ولذلك هناك شبه اتفاق بين العلماء الغربيين أنفسهم بأن هناك نقص يعتري المقاييس المستخدمة في تقويم الأداء الإداري سواء على مستويات المجتمعات والدول، أو المنظمات، فهي مقاييس مادية تهتم أساسًا بالجانب المادي وتهمل الجانب الإنساني بمعناه الشامل كما أسلفنا.

ويعتبر العنصر البشري هو أساس كل العملية الإدارية فهو المُخطط والمُنفذ للمهام والموجه والقائد والمُتابع والمُراقب. فالعملية الإدارية عملية مستمرة. فالتخطيط يشمل تحديد وحصر الموارد؛ وجمع المعلومات؛ ووضع أهداف للخطة. والتنظيم يشمل تحديد المهام؛ وتحديد الأفراد المنوط بهم التنفيذ؛ وعنصر الوقت. والتوجيه يتضمن الاتصالات؛ والتحفيز؛ والتدريب. والرقابة تعني وضع معايير يتم الالتزام بها وقياس ومقارنة الأداء الفعلي أو المُنجَز بالمستهدف طبقاً للمعايير الموضوعة ثم حصر الفجوات، واتخاذ إجراءات تصحيحية تتجه مرة أخرى إلى الخطة وهكذا في عملية دائرية مستمرة.

مفهوم ثقافة المنظمة.. كما يجب أن يكون

مفهوم الثقافة في اللغة العربية ينبع من الذات الإنسانية ولا يُغرس من الخارج، ولابد أن تتفق الثقافة مع الفطرة، ومن يخالف الفطرة يجب تهذيبه. والثقافة تعني البحث والتنقيب وكل ما يؤدي إلى معاني الخير التي تُصلح الوجود الإنساني. والثقافة في الفكر العربي تحترم خصوصية المجتمعات وهي عملية متجددة لا تنتهي أبدًا. حيث أدت علمنة مفهوم الثقافة بنقل المضمون والمحتوى الغربي وفصله عن الجذر العربي والقرآني إلى تفريغه من الدين وفك الارتباط بينهما.

وفي ضوء ذلك فإن ثقافة المنظمة؛ وهي اللغة التي يتم التعامل بها والعادات التنظيمية الخاصة بها، والقانون الذي ينظم التعاملات، ونظام القيم السائد المنظم للقواعد والسلوك المقبول اجتماعيًّا، والتي تنعكس في الهيكل التنظيمي، والنمط الإداري السائد، ونظام الاتصال والمعلومات، وطريقة تعلم الأفراد، وتناولهم للمشاكل وكيفية مواجهتها، واتخاذ القرارات، وتقييم الأداء. يجب أن تكون مرتبطة بالإيمان والأخلاق الفاضلة والقيم وهدي الرسول صلى الله عليه وسلم، دون فصل بينهم.

إن العنصر البشري هو الأساس، ويجب أيضا أن يكون مقياس تقويم الأداء هو الفلاح الذي يتحقق بالإنسان وللإنسان.

إن المنهج الإسلامي هو الذي يحقق ذلك. فهو يوازن بين احتياجات الإنسان جميعها لأنه دين الفطرة. وهو منهج عالمي، ينفع لجميع البشر. ووظائف العملية الإدارية في الإسلام من تخطيط وتنظيم وتوجيه (أو قيادة) ورقابة؛ تتوقف أساسًا على الأفراد الصالحين، وفي نفس الوقت تتجه إلى تحقيق مصالح واحتياجات الفرد أو الجماعة، فهي بالإنسان وللإنسان.

من هنا كان مقياس تقويم الأداء الإداري متمثلاً في كلمة الفلاح، هو الأكثر شمولية وينظر للإنسان نظرة شاملة باحتياجاته المختلفة.

ونموذج الفلاح خير دليل على ذلك، ويتضح ذلك، كالآتي:

أولاً: الأسباب المؤدية للفلاح

  • أسباب إيمانية عقيدية
  • الأخذ بالأسباب عن طريق الأعمال الصالحة
  • أسباب تتعلق بالجانب الأخلاقي

الإيمان بالله تعالى له لوازم أهمها: تقوى الله عز وجل، والإذعان الكامل لله والاحتكام إليه سبحانه وتعالى، والاعتصام بالله وذكر الله كثيراً، والتوكل الكامل عليه مع الأخذ بالأسباب كاملة، وحب الله ورسوله والحب في الله والبغض في الله والإعطاء في الله والمنع في الله؛  يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ، فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الإيمَانَ» (رواه أبو داوود، وصححه الألباني)، والاعتقاد بأن المال مال الله تعالى والرزق من عنده سبحانه وتعالى… وغيرها من شروط الإيمان المتكامل.

الأخلاق هي العنصر الرئيس في كل الأعمال: وضعف الخُلق دليل ضعف الإيمان. ودائرة الأخلاق تشمل الجميع، ويجب أن يتصف المسلم بالأخلاق الفاضلة مع المسلم وغيره.

وهي: الصدق والأمانة والوفاء بالعهود والإخلاص والقوة والعلم وأدب الحديث وسلامة الصدر من الحقد والصبر والمرابطة والطاعة للقيادة والعفاف والنظافة والتجميل والحياء والإيثار والتعاون.. إلى غير ذلك من الصفات والأخلاق التي تكون مقرونة بالفلاح كأسباب مؤدية إليه، وعدم توافرها يؤدي إلى عدم تحققه. وعلى قدر ما يتوفر في الإنسان من قيم وأخلاق تزداد قدرته على صنع حضارة وتحقيق القدرة على التميز والتمكين في الأرض.

وبدون تحقق الإيمان بالله تعالى وإشباع الجانب الروحي للإنسان، قد يحقق الإنسان تقدماً مادياً فقط دون إشباع لحاجاته الكلية من المادة والروح معاً.

وقد يكون التقدم ناشئًا عن الأخلاق الأساسية دون القيم الإيمانية الحقيقية وهنا قد يحقق التقدم المادي فقط؛ بمقاييس الكفاءة والفاعلية دون تحقيق الفلاح الحقيقي.

وأيضًا لا يمكن تحقيق التقدم الشامل بالإيمان وحده دون الأخلاق لأن الأخلاق هي التي تميز المؤمن الحقيقي وكذلك العمل الصالح.

الأعمال التنفيذية الموافقة للإيمان الحقيقي والأخلاق الأساسية: وهي الأخذ بالأسباب عن طريق الأعمال التنفيذية الصالحة الموافقة للإيمان بالله تعالى. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “(إنَّ اللهَ يُحِبُّ إذا عمِلَ أحدُكمْ عملًا أنْ يُتقِنَهُ) (رواه البيهقي). ويقول الله تعالى: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ)(التوبة: 105).

ثانيًّا: أهم أسباب منع الفلاح

  • عدم تحقق أي سبب من أسباب الفلاح السابق ذكرها.
  • الكفر، يقول الله تعالى: (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ)(المؤمنون: 117)
  • الظلم، يقول الله تعالى: (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (يوسف: 23 القصص: 37) وغيرهما.
  • الإجرام، قال الله تعالى: (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ)(يونس: 17)
  • السحر، يقول الله تعالى (وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ)(يونس: 77)
  • الشح، يقول الله تعالى: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُون)(الحشر: 9)
  • التعامل بالربا، يقول الله تعالى: (لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(آل عمران: 130)
  • وغيرها من موانع الفلاح؛ مثل: النفاق والتنازع والفرقة والخمر والميسر والأنصاب والأزلام وموالاة من حاد الله ورسوله، يقول الله تعالى: (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(المجادلة: 22).

فالفلاح هو الفوز بنعيمي الدنيا والآخرة: مادياً ومعنوياً، وذلك نتيجة للإيمان المتكامل، والعمل الصالح، والخلق الفاضل، بالإضافة إلى امتناع الأسباب المانعة للفلاح.

ثالثًا: نموذج الفلاح

إن نموذج تحقيق الفلاح يبدأ بالاستجابة لله والإيمان بالله جل جلاله عن طريق دعوة الرسل والأنبياء والمنذرين، ثم عمل الصالحات، والتخلق بالأخلاق الأساسية، ومع انتفاء موانع الفلاح، يتحقق الفلاح والأمن والسلام النفسي والتمكين في الأرض، ومع الشكر والاستمرار يستمر الفلاح.

إن لفظ الفلاح التنظيمي (وعكسه الخسران التنظيمي) يجب أن يكون هو أساس تقويم الأداء، فالفلاح يشمل الفاعلية والكفاءة وليس العكس.

يقول الله تبارك وتعالى: “وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)”. (سورة العصر)