الكحول، تأثيراته الطبية والنفسية

جاء دين الإسلام فأمر بالحفاظ على ضرورات الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وحرّم تفويت شيء منها، ونهى عن إفسادها أو المساس بها بسوءٍ من قريب أو بعيد.
وليس ثمة جرم يؤثر في تلكم الضرورات الخمس ويجرح كيانها كما تفعل الخمرة. وليس ثمة خبيثة مثلها حوتْ ما تحمله هذه الكلمة من معاني السوء وخصال الأذى.
وما برح العلماء يكشفون النقاب عن جانب جديد من مضار الخمرة، فمنذ أن تعرّف الإنسان القديم عليها وحتى اليوم، أخذ يرى بأمّ عينه ويلمس الجديد من تلك المضار. وما الخمرة إلا إحدى تلك المحرمات التي وصفها القرآن بالرجس المتصل بعمل الشيطان: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾(المائدة:90).
وقد قُتلتْ الخمرة بحثًا، وما تزال محط أنظار الدارسين والباحثين، وليس المقام يتسع لذكر أضرارها على الأصعدة المختلفة في مستوى الفرد والأسرة والمجتمع، وسنعمد إلى تحري الموضوع -عن كثب- من وجهة نظر طبية صرفة، لأنه أصعب من أن يحاط به من كل نواحيه في صفحات محدودة.

الطبيعة الكيميائية لسائل الخمرة

تنتمي الخمرة كيميائيًّا إلى عائلة كبيرة تُعرف بـالكحوليات (Alcohols)، وهي مركبات عضوية تنشأ عن اتحاد سلسلة هيدروكربونية بمجموعة الهيدروكسيل بنسب متفاوتة. وتصفها كتب الكيمياء بالمادة السامة التي تظهر في صورة سائل لا لون له، سريع الاشتعال، يتطاير بسرعة، ذي طعم لاذع، يذوب في الماء والمواد الدهنية.
يظهر تأثير الخمرة السلبي في أنسجة الجسم المختلفة، ولا يكاد ينجو من تأثيراتها المدمّرة عضو من الأعضاء. وسنعمد إلى إيضاح الأمر بدراسة تأثير الخمرة في أجهزة الجسم كلّ على حدة، وسنرى -عن كثب- عظم حجم المشكلة وما ينتج عنها من تأثيرات ذهنية وجسمية.
يتجرع شارب الخمرة شرابه هذا ولا يكاد يُسيغه، وبعد أن تستقر جزيئاته في معدته، تبدأ عملية امتصاص سريعة لها من المعدة والأمعاء الدقيقة، فيصل بعدها بدقائق قليلة إلى مجرى الدم الذي سينقل تلك السموم إلى أعضاء الجسم المختلفة، وبذلك ينتشر السمّ الزعاف ويصل إلى جميع خلايا الجسم دون استثناء.
ومن الملاحظ هنا، أن تركيز الكحول في أعضاء الجسم، متناسب مع تركيزه في الدم، وهذا يعني أن القوة التخريبية لجزيئات الخمرة، تبقى مرتفعة ولا تضعف بانتقالها من نسيج لآخر أو من عضو لآخر.
وتنتقل الخمرة مع جريان الدم من المعدة والأمعاء باتجاه الكبد، ومنها إلى القلب الذي يضخها نحو الرئة، ومنها إلى الدماغ وأعضاء الجسم الأخرى، وتخرج لاحقًا من الجسم مع هواء الزفير الخارج من الرئة، ويخرج جزء آخر مع البول، وآخر مع العَرق والدموع وحليب الأم المرضع.

تأثير الخمرة في صحة الجهاز الهضمي

يظهر تأثير شرب الخمرة في جميع ما تمر به من أنسجة الجهاز الهضمي بدءًا من الفم؛ إذ تكثر لدى السكارى حالات التهاب اللسان (Glossitis) التي تنتج عن نقص امتصاص مجموعة فيتامين (B). ومن أعراض المرض؛ صعوبة البلع وأعراض سوء التغذية، وضمور خلايا التذوق في اللسان المؤدي إلى ضعف هذه الحاسة.
وللكحول مقدرة واضحة في تنبيه غدد جدار المعدة، وبالتالي زيادة كمية ما تفرزه من عصارات حمضية، وهذا يصيب المعدة لاحقًا بالقرحة (Peptic Ulcer)، كما يؤدي تناول الكحول إلى التهاب المعدة الحاد، وتهتّـك غشائها المخاطي، وحدوث نزيف الجهاز الهضمي.
ومن الشائع أيضًا لدى متناولي الخمرة، الشكوى من فقد الشهية، وعسر الهضم، والإسهال، وألم البطن، والقيء الممزوج بالدم، والغثيان، وكثرة التجشؤ.. وينتج هذا عادة عن التهابات الجهاز الهضمي المتكررة.
ويبتعد عن عين الصواب مَن يزعم أن الكحول مصدر غذائي غنيّ بمستلزمات الطاقة، إذ يخلو الكحول من عناصر الغذاء الهامة كالبروتين والمعادن والفيتامينات، كما أنه يعيق عملية الامتصاص لما يلزم الجسم من عناصر الغذاء الهامة، مثل فيتامينات الغذاء والماء والمعادن الهامة، ولا يعدو ما ينتج عن شربه من دفء وطاقة، أن يكون أوهامًا مؤقتة زائفة يتبعها عميق الندامة والخسارة.
من الناحية المقابلة، يسهم الكحول في تسهيل امتصاص مواد الغذاء الضارة، كالدهون الثلاثية والكولسترول عبر خلايا الأمعاء، وهذا يعني زيادة نسبتها في الدم لاحقًا، وفي ذلك تهديد لصحة القلب والأوعية الدموية.

تأثير الخمرة في صحة القلب والأوعية الدموية

ما برحتْ الدراسات العلمية تذكر ما للخمرة من تأثير ملحوظ في صحة قلب الجسم وأوعيته الدموية، وقد غدا من الثابت أن شربها يؤدي إلى زيادة سرعة ضربات القلب، وهو ما يعرف علميًّا بالخفقان .(Palpitation) ولشربها أيضًا دور في ارتفاع ضغط الدم وتوسيع أوعية الجلد الدموية، وهذا يعني زيادة تدفق الدم نحو الجلد بصورة غير طبيعية يبدو معها جلد شارب الخمرة أحمر اللون نتيجة لاحتقانه بالدم الراكد.
ومن اللازم هنا، أنْ نذكر أنّ توسع الأوعية الدموية في الجلد، يحدث على حساب أوعية الأمعاء والأحشاء والأوعية المغذية لعضلة القلب التي تصاب بالتقلص الشديد، فيقلّ -لذلك- جريان الدم باتجاه تلك الأعضاء، مما ينعكس سلبًا على صحتها وسلامة أدائها الوظيفي.
وتشير الدراسات المقارنة إلى ارتفاع عدد حالات موت الفجاءة بين صفوف شاربي الخمر، ويعود سبب ذلك إلى اعتلال عضلة القلب (Cardiomyopathy)، واضطراب نظم ضرباته، وتضيق ما يغذيه من الشرايين التاجية.
ومن تأثيرات الخمرة الأخرى في اعتلال صحة القلب، ما يُحدثه شربها من زيادة في نسبة دهون الدم، فيرتفع بذلك مستوى الكولسترول والشحوم الثلاثية(Triglyceride) ، وتترسب بدورها في جدار الأوعية الدموية فتتصلب لاحقًا ويضيق قطرها -شيئًا فشيئًا- إلى أن تقلّ كمية الدم التي تغذّي القلب، وهذا يعرف علميًّا بنقص التروية والاحتشاء القلبي .(Ischemia & Infarction)
من جهة أخرى، تعمل جزيئات الكحول على إخراج معدن البوتاسيوم من خلايا عضلة القلب، وهي تسمح -بالمقابل- بدخول المزيد من أيونات الصوديوم إليها، ويظهر تأثير هذا سلبًا في وظائف القلب الفسيولوجية.
ويقلل الكحول من كفاءة انقباض عضلات القلب، ويصاحب ذلك انخفاض معدل ما يضخه من الدم، كما تصاب أليافه العضلية بالتنكّس (Degeneration) وينخفض نشاط إنزيماتها.

تأثير الخمرة في الكبد وغدد الجسم

تتربع الخمرة على رأس قائمة أسباب أمراض الكبد المختلفة، ولها الكثير من التأثيرات الاستقلابية المدمرة في خلايا الكبد؛ فاحتساؤها يزيد من مستوى دهون الدم، ويؤدي إلى تراكم تلك الدهون في نسيج الكبد، وهذا يعرف علميًّا بتشحّم الكبد (Fatty Liver Disease) الذي يقود إلى تضخم حجمها وإصابتها لاحقًا بالتشمّع (Cirrhosis) والتليّـف (Fibrosis) الذي يحوِّل نسيجها الطبيعي إلى آخر ليفي عديم الفائدة.
وللخمرة تأثيران متناقضان في نظام سكر دم الجسم، إذ تؤدي تارة إلى إنقاصه بالتأثير في مخزن السكر بالكبد وإصابته بالنضوب، وتارة أخرى يرتفع سكر الدم وبالتالي يظهر الداء السكري.
ويعد تعاطي الكحول من ناحية أخرى، أحد أهم أسباب التهاب غدة البنكرياس (Pancreatitis)، وتظهر أعراضه في صورة آلام حادة في البطن والإصابة بالقيء، وقد تنزف البنكرياس هنا أو يصاب جزء واسع منها بالنخر والتكلس.
وينتج عن شرب الخمر أيضًا، خلل واضح في عمليتَي الاستقلاب والتمثيل الغذائي في الجسم، مؤديًا إلى قلة إنتاج البروتينات وانخفاض كفاءة الكبد في تخزين الفيتامينات والمعادن، ولذلك تكثر لدى المخمورين أعراض نقص هذه المواد، مثل تأخّر التئام الجروح وإصابة الجسم بالضعف العام والوهن.
وللخمرة تأثيراتها المدمّرة في أداء الغدد الجنسية، إذ يترافق شربها مع ضعف الصحة الجنسية وكثرة حالات العقم، وتشاهد في صفوف شاربيها حالات ضمور الخصية وانخفاض معدل ما تفرزه من هرمونات الذكورة، كما ينخفض عدد الحيوانات المنوية، وتظهر تشوهات في شكلها ووظائفها، وترتفع نسبة الهرمون الأنثوي (الإستروجين) لدى الرجال، ويؤدي هذا إلى ظهور صفات أنثوية في جسم الرجل، مثل زيادة حجم الثدي وتساقط الشعر.
ولا يقلّ الأمر سوءًا لدى غدد المرأة التي تشرب الخمر، إذ يضمر المبيض هنا، وتضطرب الدورة الشهرية، وتزداد حالات الإجهاض، ويصاب الثدي بالضمور وتقلّ كمية ما يفرزه من حليب تدريجيًّا.

تأثير الخمرة في صحة المسالك البولية

يزيد شرب الخمرة من إدرار البول بصورة واضحة، يفقد الجسم معها كميات كبيرة من مائه وما يحويه من معادن ذائبة فيه، ويقود هذا إلى جفاف أنسجة الجسم الداخلية وإصابته بأعراض نقص معادنها.
ولارتفاع نسبة دهون الدم التالي لتعاطي الخمرة أثره المخرّب، إذ يُرهق ذلك صحة الكلى التي تسعى للتخلص من تلك الجزيئات، وهذا يعني ضعف الكلى لاحقًا والإصابة بالفشل الكلوي، ويترافق ذلك مع خروج بعض المواد الحيوية مع سائل البول، مثل كريات الدم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية، الأمر الذي يُفقد الجسم ما يحمله من دم هام في صحته.
وينتج عن بعض المشروبات الكحولية، إصابة الكلية بالضمور (Atrophy) والتليّف، كما تكثر هنا حالات حصى المسالك البولية، لما يحويه ذلك الشراب من مواد تترسب مكونة تلك الحصيات التي تسبب الكثير من الأعراض والأمراض.

التأثيرات العصبية للخمرة

تغتال الخمرة صحة عقل شاربها، ولذلك أُطلق عليها اسم “الغَول”، وتتأثر بشربها مراكز الدماغ ذات الوظائف الحيوية، مثل الذاكرة والكلام والسلوك والحركة، كما يؤثر تعاطيها في سلامة أداء وظيفة المُخيخ في حفظ توازن الجسم، فيفقد شاربها توازنه ويفشل في الحفاظ على وقوفه بثبات، ويسير مترنحًا وهو يتمايل ذات اليمين وذات الشمال.
ويكثر مع شرب الخمرة فقْد ضبط المهارات العملية والقولية، ويُستبدل باتزان الجسم السليم عشوائية الحركات.
من زاوية أخرى، تقلـل الخمرة من كفاءة الأداء العقلي وفاعلية التعلّم وقوة الانتباه، كما تُضعف الذاكرة وحدّة التركيز وملكة التمييز والحكمة، ويفقد الإنسان بذلك ما خصّه الله به من نعمة العقل، فيغدو أقرب إلى حيوان يحيا دون قيد أو رادعٍ، وتعود تلك التأثيرات إلى إصابة قشرة المخ (Cerebral Cortex) التي تـنظّم مهام التفكير والإحساس والتحكم العضلي بالجسم.
تفشل الكبد في تعديل ما تحمله الخمرة من سموم تتراكم في دم جسم شاربها، ومن تلك السموم؛ مادة الـ”أمونيا” التي تصل لاحقًا إلى الدماغ ملحقة الضرر بخلاياه وأنسجته، مما يسبب الإصابة بالإغماء.
ويتصاحب الارتفاع الشديد لنسبة الكحول في دم الجسم مع تأثر مركز التنفس في الدماغ، ويقود هذا -في حالات كثيرة- إلى توقف عملية التنفس تمامًا، مما يعني موت المصاب.
ومما يصاب به شارب الخمر أيضًا، الارتعاش والهلوسة وما يعرف طبيًّا باعتلال الأعصاب .(Neuropathy) وفي حالات أخرى يميل الدماغ نحو الضمور وتذوب الخلايا والألياف العصبية، ولذلك يظهر المخ هنا باستخدام الأشعة، أصغر من حجمه الطبيعي.
كما تنقبض بشرب الخمرة أوعية الدماغ الدموية، فتقلّ كمية ما تحمله من غاز الأكسجين وتصاب بالنزيف التلقائي، وقد يكون هذا قاتلاً في بعض الأحيان.
وقد يؤدي التناول المفرط للخمرة إلى حدوث ما يعرف بالذهول(Stupor)، وهنا يفقد المريض وعيه ونشاطه الذهني وتقلّ استجابته للمؤثرات الخارجية وتتعطل حواسه الخمس، ويلي ذلك إصابة الجسم بالغيبوبة الكاملة (Coma) أو الوفاة.

الخمرة والجهاز الحركي

تصيب الخمرة عضلات الجسم بالآلام الحادة والمفاجئة، ويكثر أيضًا أن تصاب تلكم العضلات بالضعف والضمور، ويشاهد أيضًا موت أجزاء منها وإصابتها بما يُعرف بـ”تنخّر العضلات”، ويعزى ذلك إلى التأثير السمّي لمادة الكحول في خلايا العضلات، وما ينتج عن تناولها من نقص في المعادن التي تبني كتلة العضلات مثل البوتاسيوم والمغنيسيوم، بالإضافة إلى قلة الدم الذي يغذّي تلك الأنسجة.
وتكثر في صفوف الكحوليين حالات داء النقرس (Gout) التي تدمر مفاصل مريضها وتؤدي إلى التهابها وتآكلها المزمن، بالإضافة إلى ظهور الآلام المبرحة فيها وظهورها بصورة شديدة التشوه.
وتضعف في عظام شاربي الخمرة، عملية ترسيب المعادن التي تبني العظم السليم، فتصبح -بذلك- عظامهم أكثر عرضة للكسور والإصابة بأمراض هشاشة العظام (Osteoporosis) ولين العظام .(Osteomalacia)

الخمرة وأمراض الدم والسرطان

تنجح الخمرة في إلحاق الأذى بكل مكونات سائل الدم، إذ تفقد الخلايا الحمراء وظائفها فتقلّ قدرتها على حمل غاز الأكسجين وتكثر حالات فقر الدم، كما يقلّ نشاط الخلايا البيضاء ويقلّ عددها وينخفض معدّل إنتاجها، وهذا يُضعف جهاز مناعة الجسم فيكثر التعرّض للالتهابات المختلفة، مثل السل والالتهاب الرئوية الأخرى.
كما تُضعف الخمرة أيضًا، نشاط الصفائح الدموية، وتصبح الأوعية الدموية هشة وسهلة الكسر، فتكثر بذلك حالات النزيف. وتحفّز الخمرة كذلك نمو الخلايا السرطانية، إذ يدخل في تركيبها الكثير من المواد السامة ذات التأثير المسرطن في خلايا الجسم، مثل الكربون الحلَقي (Polycycli Hydrocarbons) ومادة أسباراجيلوس (Aspergillus)، ومادة نيتروزامين .(Nitrosamines) ومما يشاهد من هذا الداء لدى شاربي الخمرة؛ سرطانات الفم، والحنجرة، واللسان، والمريء، والمعدة، والأمعاء، والبنكرياس، وثدي النساء.

التأثيرات النفسية لشرب الخمرة

لا يقل أثر الخمرة في صحة نفس شاربها عما هو عليه في صحة جسده، فبشربها تتأثر قشرة الدماغ التي تضمر شيئًا فشيئًا، ويتظاهر ذلك بالميل نحو الثرثرة والهذيان وتزول دواعي الخجل. وكثيرًا ما يعاني المريض من نوبات فقدان الذاكرة والاكتئاب والقلق والأرق. وتسجّل حالات الانتحار أعلى معدلاتها بين صفوف الكحوليين الذين يعمدون إلى إنهاء حياتهم هربًا من واقعهم الأليم.
ومن مظاهر شرب الخمرة النفسية، ما يُعرف بالخَرَف الكحولي (Dementia) الناتج عن ضمور خلايا المخ، ويعرف هذا بالهلوسة السمعية والبصرية، فيتخيّل المريض وجود أشياء وهمية، ويخاف من الأصوات الغريبة التي تصدر من حوله فيغدو بذلك دائم الحيرة والقلق.

تأثير الخمرة في أعضاء الجسم الأخرى

لا يكاد ينجو نسيج في الجسم من أضرار تعاطي ذاك السائل الخبيث، وما ذكر من أضرار ما هو إلا غيض من فيض. ونزيد فنذكر بعض تأثيرات الخمرة في أعضاء أخرى؛ ففيما يخصّ صحة العين مثلا؛ تسبّب بعض أنواع الخمرة ضمور العصب البصري الذي ينتج عنه عمى مفاجئ، وينتج عن أخرى ضعف في عملية الإبصار وأمراض الشبكية المختلفة وعمى الألوان.
وفي الجلد تكثر بين صفوف الكحوليين، حالات داء الصدفية (Psoriasis) والتهاب الجلد الدهني Seborrheic) (Dermatitis، والإكزيما، والأمراض الفطرية، وتصبّغات الجلد. وفي الفم تكثر التهابات البلعوم، وتزيد هذه من صعوبة البلع، ويرافقها التهابات الحنجرة والحبال الصوتية، وتصاب الأسنان بالنخر وتتسوّس، وتظهر في الفم القُرح، ويكثر أن تلتهب غدده اللعابية.
ولجزيئات الكحول مقدرة على عبور المشيمة، وبذلك تنتقل مسرعة من جسم الأم الحامل نحو جنينها، فتضرب الأم هنا بصحة وليدها عرض الحائط، وتوجّه سهام ما تشربه نحو الجنين دون هوادة.
والجنين هنا، أكثر عرضة للإجهاض ولتخلّف النمو داخل الرحم، وتصيبه الكثير من التشوهات الولادية، مثل؛ صغر حجم الرأس، وتشوهات الأذنين وصمامات القلب والعظام والتخلف العقلي.
ختامًا، لقد حاز الإسلام قصب السبق حين نادى بتحريم الخمرة، وحذّر منها قبل أن ترتفع صيحات علماء الغرب التي أخذتْ تشنّ الحرب ضدها. وإن دينًا كهذا، لهو أحق بأن يُتّبع، وتعاليمه لهي أجدر بأن تُقتفى، وصدق الرسول الكريم  إذ نعت الخمر بقوله: “اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث” (رواه النسائي).
ويجدر بنا أن نتساءل وقد عاش هذا النبيّ الأمّي محمد صلى الله عليه وسلم في بيئة مولعة باحتساء الخمرة: مَن علّمه أضرارها الفتاكة في كيان الجسد؟ ومَن أرشده إلى أهمية تجنّب هذا الرجس الخبيث؟ إلا أن يكون هذا المرشد وحيًا من لدن خالق هذا الجسد. وما أحرى الدعاة أن يُصاحبوا أسرار تحريم الخمرة وهم يتحدثون عن خصائص الإسلام وصياغته لما يوافق خلْقه وفطرته السليمة.