القلم المبدع

“الكلمة” -مسموعةً أو مقروءةً- طاقة محركة لقوى الإنسان الفكرية والوجدانية، تعمل في صمت وخفاء، وتؤثر في الإنسان أيّا كان نوع هذا التأثير. وعلى قدر ما تشعه من روح الصدق والحق يظلُّ هذا الأثر قائمًا وقلَّما يغادره.
فالإنسان -في الحقيقة- ابن الكلمة… هي التي تبني فكره وتُهَندس وجدانه، وتثير مخيّلته… و”الكلمة الصدق” فيها من روح صاحبها شعاع نافذ إذا سرى فليس له من دون الإنسان دافع أو مانع.
و”الكلمة” لا تكون عظيمة التأثير في المتلقي إلاّ إذا أشاعتْ من حوله أجواء إيحائية تستدعي معاني جديدة تتجاوز معناها القريب الذي يتبادر إلى الذهن لأول وهلة. فقوة “الكلمة” ليست بالكلمة نفسها بل بما توحيه للمتلقي من أفكار، وبما يتناسل منها من معانٍ أكثر سعة وأكبر أثرًا.
والقلم المبدع الذي يتفجر فكرًا إبداعيًا جديدًا هو ما تسعى إليه “حراء” وترغب أن تراه فيَّاضًا بإبداعاته على صفحاتها. و”حراء” باستقطابها لمثل هذه الأقلام المبدعة ستتحول مع الزمن إلى مدرسة فكرية مرموقة إن شاء الله، تحمل على عاتقها مهمة إثراء القارئ الكريم بلون جديد من الفكر.
فمقالات هذا العدد من “حراء” تكاد تصبُّ في هذا الاتجاه، غير أنَّ الطريق للوصول إلى هذا الهدف المرجُوّ لا زالت بعيدة، وتحتاج إلى مزيد من الوقت، وقد وصفها الأستاذ “فتح الله” في مقاله الموسوم “لدى استكشافنا خط السير”، وعلَّم معالم، ووضع إشارات، وحدَّد حدودًا كي لا يتيه عنها الرواد الراغبون في سلوكها.
وإنّ عملاقًا كبيرًا من أمثال “الشيخ البوطي” في مقاله “الإسلام بين العقل والقلب” يفتح طريقًا جديدة لفهم الإنسان من خلال الإسلام، وهل الإنسان أكثر من عقل وقلب؟! أما المفكر الكبير وفيلسوف المغرب الشهير الأستاذ الدكتور طه عبد الرحمن فمقاله القيم عن “فلسفة البشر وحكمة القرآن”، فهو فريد في بابه، ويسعدنا أن يتحفنا في كل عدد بواحدة من درره الفكرية المتألقة. وأما الكاتب الإبداعي الذي هو ملء الفكر في العالم العربي والإسلامي فضيلة الأستاذ الدكتور “محمد عمارة” فيتحفنا بمقاله الخطير المبين عن روح الحضارة الإسلامية، هذه الروح التي تكاد تختفي معالمها. علاوة على ما سيطالعه القارئ الكريم من لمسات أدبية وشعرية… وإلى دراسة جديدة في أسلوب تذوق الفن الإسلامي، إلى غير ذلك من المقالات الابتكارية في الشكل والمضمون.
إن هذه المجموعة المباركة من كتَّاب هذا العدد من “حراء” تبعث في القارئ الأمل بأنَّ عالمنا الإسلامي لا زال يزخر بطاقات فكرية هائلة في شتّى صنوف المعرفة، وإنّ التقاءهم على صفحات “حراء” مسألة قدرية ذات مغزى عميق قد يأتي تفسيره في القابل من الزمن، وما ذلك على الله بعزيز.