الــقـيـم الـتـربـويـة والـفـوائـد الصحـيــة فـي صــيــام رمـضان

رمضان من الشهور المعظمة عند الله تعالى، وقد حفّه بهالة من القداسة، وجعله ملاذ التائبين، وملجأ العصاة والمستغفرين، وحصن الأوابين والمسترجعين، فهو بمثابة سفينة نجاة أعدّها تعالى لكل عباده، على متنها يجدون الخلاص لهمومهم وأحزانهم، ودواء لأمراضهم وعللهم، واستشرافًا لآمالهم وتطلعاتهم.
والصيام، كما هو معلوم، لم يكن مبتدعًا في الإسلام، بل هو شريعة إلهية عرفتها الأمم والمجتمعات السابقة كلها مع اختلاف الكيفية والنظم التي تمّ الصيام بها عندها.
وهذا يعني أن الله عزّ وجلّ يعلمنا أن الصيام واجب ديني يشترك فيه أبناء البشرية جميعها منذ أقدم العصور الإنسانية. وقد جعله لعباده المؤمنين موسمًا من مواسم الطاعة، وكأنه لهم فصل ربيع، حيث ينفض أجسامهم الوانية، حتى يجعلها في آخره وقد اكتمل وعيها الروحي، وصلاحها الحسي، وصفاؤها النفسي، فتتخذ لها من ذلك زادًا تسير به على الطريق، إلى أن يلقاها رمضان مرة أخرى في عام مقبل، وهكذا دواليك.
وقد وردت أحاديث نبوية كثيرة في قيمة ومكانة رمضان عند الله تعالى، وما خصه من الجزاء العظيم خلال هذا الشهر الكريم، كما أُلّفت كتب وخصصت أبواب للحديث عن فضل هذا الشهر الفضيل وما أعده الله من الجوائز الكبرى التي لا مثيل ولا نظير لفائدة عباده الصائمين الذين أخلصوا له هذه الفريضة وحده لا شريك له.
وفي هذا المقام، سأتناول في هذا المقال المتواضع، بعد استقرائي لمجموعة من النصوص الدينية، بعض القيم التربوية والفوائد الصحية، على المستوى النفسي والاجتماعي والجسدي، التي تكمن في هذا الشهر الكريم، وهي في مجملها قيم شعورية وتربوية وسلوكية خليق بكل مؤمن أن يستشعرها في كل حركاته وسكناته، ويتمثلها وهو يؤدي هذه الفريضة الربانية.

أولاً- القيم التربوية

من أبرز القيم التربوية التي تكمن في صيام رمضان نذكر ما يلي:
1- قيمــة الحــرص
يبدو المؤمن في هذا الشهر الكريم أكثر حرصًا على فعل الخيرات وسلوك سبل البر والحسنات. فتراه يواظب على الصلاة في وقتها جماعة، ويكثر من التردد إلى بيوت الله، والاستماع إلى دروس الوعظ والإرشاد. كما يخصص وردًا يوميا للذكر وتلاوة القرآن. ويتفقد أفراد عائلته فيزورهم ويدعوهم إلى مائدة الإفطار عنده في بيته. ويلجم نفسه عن السقوط في الرذائل وسفاسف الأعمال ومحقرات الأقوال. إنه يكون حريصًا على ألا يصدر منه إلا طيب، مانعًا نفسه من كل خبيث مهما كان نوعه. الدنيا لا تسعه في هذا الشهر المبارك، فكأنه يعيش في جنة فوق الأرض بما أحاط الله هذا الشهر من يمن ورحمة وسكينة وبركة. فإذا كانت الشياطين مصفدة فهو يكون قد أعدّ نفسه لكيلا يدع مدخلاً ومنفذًا لوسوسات الشيطان.
2- قيمــة الصبــر
في رمضان يتدرب المؤمن على الصبر على الجوع والعطش والامتناع عن الشهوات. ويقوم المؤمن بعد ذلك بتعميم خصلة الصبر التي تعلمها من صيامه على جميع نواحي حياته الأخرى، فيتعلم الصبر على تحمّل مشاق السعي وراء الرزق، وآلام المرض، ومتاعب الحياة ومصائبها، ونكبات الدهر.
والصبر من الخصال الإنسانية الحميدة التي أوصى الله تعالى أن يتحلّى بها كل مؤمن، فهي خير معين له على تحمّل مشاق الكفاح في الحياة، ومجاهدة النفس، ومقاومة أهوائها وشهواتها.
وإذا تعلم العبد الصبر على تحمل مشاق الحياة، ومصائب الدهر، والصبر على أذى الناس وعداوتهم، والصبر على عبادة الله وطاعته، وعلى مقاومة شهواته وانفعالاته، والصبر على العمل والإنتاج، فإنه يصبح إنسانًا ذا شخصية ناضجة متزنة متكاملة منتجة وفعالة، ويصبح عصيا على القلق، وفي مأمن من الاضطرابات النفسية والهلوسات الشيطانية.
3- قيمة التحكم الذاتي والعزيمة المتينة
إنَّ تحلي المؤمن بهذه الخصلة، خصلة الصبر، الرائعة في حياته يولّد لديه خصلة أخرى تكمن في تكوّن لديه تحكمًا ذاتيًّا يجعله يضبط شهواته ويسيطر عليها مدة شهر كل عام، لا شك سيؤدي ذلك إلى تعليم الإنسان قوة الإرادة، ومضاء العزيمة، لا في التحكم في شهواته فقط، وإنما في سلوكه العام في الحياة، وفي القيام بمسؤولياته وأداء واجباته، ومراعاة الله تعالى في كل ما يقوم به من أعمال. وفي ذلك أيضًا تربية لضمير الإنسان، فيصبح ملتزمًا دائمًا بالسلوك الحسن الأمين بوازع من ضميره من غير حاجة إلى رقابة من أحد عليه.
إن أسمى ما يصل إليه المرء من خلال الصيام هو أن يجعل نفسه تراقب ذاته فترسم الحدود ولا تتعداها، وتقف عند الموانع ولا تتجاوزها، وتتبصر الشبهات ولا تقع فيها. إن هذا التحكم التلقائي الذاتي لا يحس بلذّته وحلاوته إلا من صام هذا الشهر إيمانا واحتسابا، وذاقَ طعمَه ومتعتَه طيلة الشهور الأخرى. إن هذه الخصلة لما تتأصل في العبد تراه دائما يتحرك ويتصرف بانضباط واعتدال واتزان، وكأنه يعمل وفق منظومة أخلاقية مبرمجة داخل الذات فلا يمكن أن يحيد أو يزيغ عنها. ولعل هذه الخصلة هي غاية ما يصل إليه المرء وهو يصوم ويتعبد الله خلال هذا الشهر العظيم. فالصيام هو وظيفة فردية أولاً، قبل أن يكون وظيفة جماعية. فالعبد مثلا، لو أراد أن يفطر أو يأتي ببعض الأعمال المفطرة فمن الذي سيمنعه من ذلك؟ أو من سيراه من الخلق وهو يرتكبها؟
إذًا، فالصيام يربي في الإنسان وازعًا دينيًّا وأخلاقيًّا يمنعه ويصدّه عن فعل ما يناقض مبادئ دينه وقيمه الأخلاقية، وزيادة على ذلك، فهو يعطيه المناعة الذاتية والحصانة النفسية حتى لا يقترب من كل ما يلوث شخصيته وخلقه. وبالتالي فإنه سيمضي في طريق الطاعة، وفي مسالك الواجبات التي يطالب بها مجتمعه، دونما حاجة إلى رقيب أو مراجع، لأن الإنسان في هذه الحال سيحاسب نفسه، وينتقد ذاته، فيصير مواطنا كاملا، وفردا مأمونا في كل الأحوال. كما يغرس فيه عادة النظام، لأنه يصوم بميقات، ويفطر عند ميقات، ويشعر بروح جماعية كبرى حين يتذكر أن ملايين المؤمنين يصومون ويفطرون مثله.
4- قيمـة التميّـــز
بما أن هذا الشهر العظيم مميّز عن باقي الشهور الأخرى خيرات وبركات ونعمًا، فإنه يكون خليقا بالمؤمن، تبعا لذلك، أن يعظم هذا الشهر وأن يكون هو الآخر متميّزًا بين الخلائق بالأخلاق الفاضلة، وأعمال البر المبرورة، وأن يكون كذلك متمّيزًا في تفكيره وسلوكه وعلاقاته وسائر معاملاته، وفي طريقة عيشه، وأيضًا متمّيزًا في رؤيته وتصوره للإنسان والكون والوجود والطبيعة والحياة. كل هذا، يجعله قد لبس حلية رمضانية قد نسجت من خيوط ربانية نورانية لا تبلى ولا تسمل على مرّ الأزمان والدهور.
إن العقيدة المبنية على التوحيد وإخلاص العبودية لله وحده هي متمّيزة عما دونها من العقائد الأخرى كيفما كان نوعها ومصدرها. وهي التي تحدد انتماء العبد ومصيره في الدنيا والآخرة. وكذلك نظام المعاملات إذا لم يكن مؤسسًا على القيم الأخلاقية الخالصة ومتمّيزا عن باقي القيم الجاهلية الأرضية يظل أجوف ولا قيمة له في سلم القيم الربانية. فرمضان يربي المؤمن على مبدأ التمّيز في المجتمع الإنساني العام.
فالتمّيز مطلوب من المؤمن في كل أحواله وسكناته وحركاته، لكن وفق النموذج الرمضاني القرآني. وبالتالي، فيعتبر التمّيز معيارًا تقييميًّا لسلوكات العباد وتصوراتهم وتصرفاتهم، وبه يتم تصنيف مراتب الناس ودرجاتهم. فالتقوى، مثلاً، معيار أخلاقي يستوي فيه الأبيض والأسود والعربي والعجمي، لا فرق بينهم إلا بهذا المبدأ القيمي رغم وجود فارق اللون والجنس وغيرها من الفوارق الدونية. وكذلك العلم، فالله تعالى جعل هذه الأمة القرآنية أمة العلم والمعرفة، إذ لا يستوي الذي يعلم والذي لا يعلم، لأن الله يحب أن يعبد عن علم وليس عن جهل. وقد سلك الله العلماء في مدارج الأنبياء والمرسلين، وأعد لهم أجرًا كريمًا.
5- قيمة العفة:
إن الصائم وهو يؤدي فريضة الصيام بإخلاص تتأصل لديه فضيلة العفة التي من أهم مكوناتها: الورع ومجاهدة التفس عما حرم الله وما فيه شبه، والتحرز من كثرة الكلام، والحياء، وتطهير القلب من كل غش ودنس وغل وحسد وسوء عقيدة وخلق، واجتناب المعاصي وذلك من خلال إعطاء البدن ما يحتاج إليه من اللذات التي رخصها الشرع قدر الضرورة دونما أو تفريط(5).
والعفة كما يراها ابن سينا، أن يكون المرء معتدلاً في شهوات البدن من مأكل ومشرب ومنكح، ولا ينقاد إلى تلك الشهوات بل يقهرها، ويتصرف فيها بحسب الرأي الصحيح (6).
6- قيمة استحضار المعاني الربانية لشهر رمضان
إن المؤمن يعلم جيدًا، شرعًا وعقلاً، أن هذا الشهر يعتبر من أعظم الشهور عند الله تعالى، ففيه أنزل القرآن الكريم خاتم الكتب السماوية وناسخها، وفيه كذلك حدثت أكبر غزوة في تاريخ الإسلام، غزوة بدر، وكان فيها النصر للمسلمين، وما يزيده عظمة، أيضًا، أن الصيام فيه سر مودع في أمانة المؤمن، وجزاؤه متروك لله عزّ وجل كما ورد في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به)، وأن الأعمال والحسنات فيه تكون كذلك مضاعفة أضعافًا كثيرة ويزيد لمن يشاء.
إن استحضار المؤمن هذه المعاني الربانية العظمى لشهر رمضان في عقله وفؤاده ووجدانه يزيده تحفزًا إلى الاستزادة من فعل الخيرات، ويقوي إرادته وعزيمته على مواصلة العمل الطيب، والاستمرار على هذا النهج الرمضاني على امتداد شهور العام كله، ويتواصل ليشمل العمر بكامله، ويغطي المساحة الزمنية المعيشة.
والشيء الجميل، في هذا الشهر الكريم، والمدخل الفرح في نفسية المؤمن، أنه يتكون لديه اقتناع يقيني بالنصرة الإلهية، وأنه منصور من لدن الله عزّ وجلّ، وأن الله تعالى وعد عباده المؤمنين بالنصر والتأييد، وأن ذلك حق عليه تعالى. كما يدرك المؤمن أيضًا، أن من ارتضى النصرة والعون من غير الله فما له من ولي ولا نصير، ومآله الذل والهوان. بالإضافة إلى ذلك، يتوصل العبد إلى أن هذا النصر الإلهي لا يتحقق إلاّ بالأخذ بالأسباب وبذل الجهد والعمل والحركة، وذلك قانون إلهي حتمي في كونه.

ثانيًا- الفوائد الصحية: النفسية والاجتماعية والجسدية

من الفوائد النفسية والاجتماعية التي يجنيها الصائم من صيامه خلال هذا الشهر العظيم أنه يشعر بآلام الجوع إن كان من طبقة الأغنياء، ويبعث في نفسه عواطف الرحمة والشفقة على الفقراء والمساكين، فيدفعه ذلك إلى البر بهم والإحسان إليهم، ورعاية من يحتاجون إلى الرعاية في هذه الحياة، ومد يد العون إليهم ومساعدتهم على سد حاجاتهم الضرورية، وتبث فيه الشعور بالمسؤولية نحوهم، وتدفعه إلى العمل على إسعادهم والترفيه عنهم، ويعلمه حب الآخرين، ويخلصه من الأنانية والتمركز حول الذات، ويقوي فيه الشعور بالانتماء الاجتماعي، ويشعره بدوره الفعال المفيد في المجتمع، مما يقوي في المجتمع روح التعاون والتضامن والتراحم والتكافل الاجتماعي.
إضافة إلى ذلك، فإن في صيام العبد تربية وتهذيبًا للنفس وعلاجًا لكثير من أمراض النفس والجسم، فهو يعمّق في نفسية المؤمن مشاعر وأحاسيس جميلة ونبيلة كالفرح والحلم والرحمة والشفقة والتسامح. إن هذه المشاعر يدرك العاقل أنها لا تتقوى ولا تحضر بشكل كبير إلا في هذا الشهر العظيم، ومن ثمّ يكون خليقًا بالمؤمن أن يستغل هذه المحطة الإيمانية ويغترف منها، ويتزود بما لذّ وطاب من القيم والأخلاق الكريمة، كي تعينه وتساعده في مسيرة حياته، ويتقوى بها لتفادي جميع الأمراض النفسية والاجتماعية التي قد تعترض سبيله.
وتتجلى الصحة النفسية للصائم كذلك، في احتفاظه بهدوئه واتزانه الانفعالي اتجاه تصرفات وسلوكات الآخرين، كما تتجلى أوضح ما تكون في تقديمه قدوة صالحة ونموذجًا طيبًا لأفراد المجتمع بسلوكه العام، وتصرفاته في المواقف المختلفة.
ومن أبرز علامات الصحة النفسية لهذا الشهر الفضيل أيضًا، هو إحساس الصائم برضا ربه وهو يؤدي هذه الفريضة، فلا شك أن اقتناع الصائم بقيمة ذلك يكسبه شعورًا بالأمن ويبعث في نفسه الطمأنينة، ويبعد عنه الاضطراب والقلق وسيطرة الأفكار البغيضة، والصائم إن اقتنع بعمله وبأنه ذو قيمة كبيرة انعكس ذلك على سلوكه بوجه عام، وعلى علاقاته بالآخرين بوجه خاص.
أما الفوائد الصحية الجسدية للصيام فهي كثيرة، فيكفي أن نقول في هذا السياق أن إجماع الأطباء ينصحون بالصوم في كثير من حالات المرض للعلاج للوصول إلى العافية والشفاء.
ولقد دلت التجارب على أن الإنسان يكون أكثر نشاطًا وحيوية في حالة الجوع عنه في حالة الشبع، ولكن بطبيعة الحال عندما لا يكون الحرمان من الطعام طويلاً جدًّا، حيث ينقلب الوضع إلى حالة من الضعف والهزال(7). كما دلت التجارب أن الجوع لا يضعف النشاط البدني أو العقلي كما يظن أغلب الناس. ويمكننا أن نستنتج من هذه النتائج أن الصيام لا يسبب الخمول البدني أو العقلي كما يتوهم البعض، بل إنه على العكس يبعث على النشاط البدني والعقلي، ولكن لا شك أيضًا في أن هذا النشاط لا يستمر إلا لفترة معينة، فإذا استمر الجوع مدة طويلة فإن القوة البدنية والعقلية تأخذان في التدهور تدريجيًّا(8).
وفي هذا السياق يرى فيليب فينكس أن لأمراض الجهازين الهضمي والتنفسي بوجه خاص أثرًا ملحوظًا في إضعاف المقاومة العامة ودرجة التركيز (9).
وفلسفة الصيام الصحية قائمة على أن إرهاق المعدة بالطعام الكثير يسيء إلى الجسم عامة، ويجلب عليه ألوانًا من المرض، ولذلك يقول الله عز وجل: ﴿وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين﴾ (10).
والأطباء يؤكدون هذا، إذ ينصحون بالصيام لعلاج كثير من الأمراض، كأمراض السمنة والكبد وتصلب الشرايين وارتفاع ضغط الدم وغير ذلك. وبذلك يكون في الصيام علاج و شفاء للناس. ولذلك أعطاها الله هذا الشهر الفضيل من كل عام لتصوم فيه فتهدأ وتستريح.
وقد جاء في وصايا لقمان لابنه: يا بني، إذا امتلأتِ المعدة؛ نامتِ الفكرة، وخرستِ الحكمة، وقعدت الأعضاء عن العبادة(11).
وفي رمضان، أيضًا، يتذكر المؤمن أن دوام الحال من المحال، فمن غنى إلى فقر، ومن شبع إلى جوع، ومن استغناء إلى احتياج، فإذا لم يتعود الإنسان على هذه الأحوال المختلفة لم يقوَ على مواجهة نوائب الزمان، ومصائب الدهر. لأن الحياة غير مأمونة العواقب، فهي يوم لك ويوم عليك. ولهذا قال عمر الفاروق رضي الله عنه: (اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم).
وفي نظري، أن أهم ما يجب أن يصل إليه المرء خلال هذا الشهر العظيم، هو أن يحس ويدرك أنه ليس مأمورًا بفعل هذه الفريضة بقدر ما يحس عقلاً وشعورًا أنه منغمس في حب رب هذه الفريضة، وبالتالي فهو يكون يقوم بها حبًّا لمن كتب هذه الفريضة. وعليه يكون فعله وعمله وكل حركاته وإحساساته هي، ضمنيًّا، سلوك حب، وفعل رضى. لأن الذي جعله أن يأتي بهذا الأمر الإلهي ليس هو الأمر ذاته وإنما حب صاحب الأمر.
وبناء عليه، يكون الحب الإلهي هو مصدر فعل المأمورات وترك المنهيات واجتناب المشتبهات. ولا يتم هذا الحب الإلهي إلاّ بحب المصطفى صلى الله عليه وسلّم، فهو الذي علّمنا كيف نصوم وكيف نأتي بباقي الفرائض والعبادات الأخرى، وإليه يرجع الفضل في تعليمنا كيف نحب الله، وكيف نكون من المقربين لديه، ومن المذكورين عنده في مَلَئِه الأعلى.

الهوامش
1- سورة البقرة / الآية: 185
2- لسان العرب لابن منظور 7/162
3- سورة البقرة / الآية: 183
4- سورة الحجرات/ الآية: 10
5- ابن مسكويه، تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق، ص: 15، 16.
6- عبد الرحمن التقيب،” فلسفة التربية عند ابن سينا” ص: 92.
7- عبد الرحمن عيسوي- “علم النفس الفسيولوجي، دراسة في تفسير السلوك الإنساني” دار النهضة العربية للطباعة والنشر، بيروت، 1974- ص: 409.
8- محمد نجاتي، “علم النفس في حياتنا اليومية” ص: 62.
9- فيليب فينكس، “فلسفة التربية” ترجمة محمد لبيب النجيحي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1965- ص: 709.
10- سورة الأعراف / الآية: 31
11- الطب الإسلامي العقلي والنفسي والجسمي”؛ للدكتور: محيي الدين الحلبي، دار ابن كثير- بيروت، الطبعة الأولى 1412هـ- 1992م.