الربــان سليمان المهري “معلم البحر”

لا يسعني عندما أبهج ناظري بقراءة سيرة الرُبَّـــان “سُليمان المهري”، مُعلّم البحر إلا أن أقول: سُليمان المهري من الربابنة العرب الذين أرسوا قواعد الملاحة على أسس وقوانين ووضعوا تقاليدًا ودستورًا راسخًا للبحر، تمتد فروعه إلى دساتير البحر المعروفة اليوم عند الأمم البحرية القديمة.
كانت الشمس تنشر رواقها على سطح السماء، عندما أقبل السيد “سليمان المهري” في تؤدةٍ ورزانة ، طويلا لقامة، معتدل السمت، عظيم الهامة، حسن الطلعة واللحية، تعلوه سُمرة في وجهه أثر من السجود، لا يلتفت إذا مشي يمنة أو يسرة، يضوع المسك من أردانه على القرب وعلى البعد ،حيث يشع الأرج إذا خرج من داره، فتعرف أنه القادم إليك قبل أن تراه، فإذا طالعك ودنا منك، رأيت رجلاً لباسًا عليه بزة فاخرة، تباهي بذوق صاحبها في قماشها وطرازها، اجتمع فيه ذوق البائع والمشتري تعلوه قلنسوة طويلة، ما زال وقع خطواته، وصخب حضوره المباغت كرحيله، نراه يضج بصوته معلمًا لمريديه وتلامذته في عرض البحار والمحيطات، يمد فريق العمل معه فوق سطح السفينة بالمعلومات والخبرات لمواجهة أهوال البحر من مد وجذر.

سُليمان المهري من الربابنة العرب الذين أرسوا قواعد الملاحة على أسس وقوانين ووضعوا تقاليدًا ودستورًا راسخًا للبحر، تمتد فروعه إلى دساتير البحر المعروفة اليوم .

سيرة ومسيرة:
هو سليمان بن أحمد بن سليمان المهري (توفي 961هـ/1554) هو بحار، فلكي، لقب بــ”معلم البحر”، يمتد نسبة إلى قبيلة مهرة بن حيدان من قضاعة، كان من سكان بلدة سقطري من بلاد اليمن، ويعد من تلاميذ ابن ماجد.
سليمان المهري ربان بحري وعالم فلكي اشتهر في القرن التاسع والعاشر الهجري/الخامس والسادس عشر الميلاديين.
عُرف “المهري” كربان خبير في البحار على طول الساحل الجنوبي لحضرموت، فقد جاب المهري سواحل أفريقيا الشرقية وسواحل الهند وجزر الملايو، وصف خطوط الملاحة لهذه الجزر، فقد تتلمذ “المهري” على مؤلفات ابن ماجد إلا أنه أضاف الكثير إلى علم البحار.
ولقد صحح “المهري” الأرقام الخاصة بالأخنان الأربعة الأولى في الجداول البحرية التي أوردها ابن ماجد فقدمها على شكل كسور تقريبية مستخدمًا طريقة أرباع الجيب. كما رتب “المهري” بشكل منطقي المسافات البحرية الموافقة للارتفاعات المختلفة المقاسة بالأصابع لتحديد مواضع الأمكنة على الخريطة البحرية لابن ماجد بالنسبة لخط الزوال الأولي. ولقد بلغ الفارق بين الموقع الذي حدده المهري لجزيرة لاسوند وبين الذي أعطاه ابن ماجد لهذا الموقع مقدار إصبعين.

مؤلفاته وإنجازاته:
تبحر “سليمان المهري” في العلوم، حيث اجتهد في تأليف عشرات الكتب في علوم البحر وأنوائه، وأحوال النجوم والرياح، ووصف الطرق البحرية بين بلاد العرب، والبلدان المجاورة، نذكر من تلك المؤلفات على سبيل المثال لا الحصر:
– قلادة الشموس واستخراج قواعد الأسوس
– تحفة الفحول في تمهيد الأصول
– المنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر
– شرح تحفة الفحول في تمهيد الأصول
– كتاب العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية
وفاته:
توفي الرُبَّـــان “سُليمان المهري”، مُعلّم البحر سنة961هـ1554/ م، بعد رحلة عامرة بالبحث وسط الأنواء والأهوال، عليه سحائب الرحمة والمغفرة