الخوارزمي قامة عالمية في الرياضيات

يستخدم كل من يعمل في الرياضيات وأمور الحاسبات الإلكترونية وما إليها كلمة “الغورزم” (Al Gorithm)، وهي استخدام مباشر لاسم العالِم العظيم أحمد بن موسى الخوارزمي، ووضع اسمه على أكبر موقع لارتطام نيزك كبير على السطح الخلفي للقمر (Al Khawarizmi).

يقول عنه المستشرق “جوان فيرنيه” (Juan Vernet) في الجزء الثاني من كتاب تراث الإسلام: “إذا تحرينا الدقة، نجد أن أصل التطور العلمي للرياضيات عند المسلمين يبدأ مع القرآن الكريم، وذلك فيما ورد في القرآن من الأحكام المعقدة في تقسيم الميراث، ولكن الخوارزمي (ت. حوالي 232هـ/841م) يعتبر أول رياضي مسلم كبير، ونحن مدينون له بمحاولة وضع تنظيم منهجي باللغة العربية لكل المعارف العلمية والتقويم. كما ندين له باللفظ الإسباني “غوارزمو” (Guarismo) الذي يعني الترقيم -أي الأعداد ومنازلها والصفر- وهذا اللفظ الإسباني يكتب في الإنجليزية “الجوريزم” (Algorism) أو الجورثم (Algorith)، وهو مشتق من اسم الخواررزمي كما ورد في الترجمة الطليطلية لمصنفه المعروف باسم كتاب الخوارزمي في الأرقام الهندية (Algortmi de Numero İndorum) الذي كتبه في الأصل بعنوان الجمع والتفريق بحساب الهند وقد ضاع أصله”.

جهود في علم الرياضيات

يعزى للعرب والمسلمين اكتشاف العلوم الرياضية، كالجبر والهندسة وحساب المثلثات والتفاضل والتكامل وغيرها من العلوم الرياضية، لأن العمليات الحسابية التي هي عماد البحث العلمي، كان إجراؤها بالحروف أو بالأرقام الرومانية أمرًا عسيرًا وعقيمًا، فهم الذين زاوجوا بين طرق الحساب الهندية والإغريقية، وعدلوا عملياتها لتلائم أسلوب الكتابة بالحبر على الورق بدلاً من طريقة تختة الرمل التي أخذوها عن الهنود. كما استنبط المسلمون طرقًا جديدة أبسط وأكثر دقة.

فالمسلمون هم الذين أدخلوا المماس إلى علم المثلثات، وأقاموا الجيوب مقام الأوتار، وطبقوا علم الجبر على الهندسة وحلّوا المعادلات المكعبة، وتعمقوا في مباحث المخروطات، وحولوا علم المثلثات الكروية بردّهم حل مثلثات الأضلاع إلى بضع نظريات أساسية تكون قاعدة له.

وتوصلوا إلى اكتشاف الكسور العشرية، وابتكروا العلامة العشرية التي سهلت صوغ هذه الكسور ويسرت العمليات الحسابية التي تدخل فيها.

كما حدد المسلمون الشكل النهائي للأرقام، ووضعوا القواعد اللازمة لاستعمال الأرقام الهندية. والأرقام الهندية، هي نوع من الأرقام الهندية الأصل التي هذبها المسلمون وأصبحت تعرف باسم الأعداد العربية، وهي تستعمل في المشرق الإسلامي، مثل 1، 2، 3، 4، 5.

والأرقام الغبارية، وسميت غبارية لأن كاتبيها كانوا ينثرون غبارًا على لوح من الخشب، ويرسمون عليه الأرقام 1، 2، 3، 4، 5.. إلخ. وقد انتشر استعمالها في المغرب الإسلامي والأندلس. وعن طريق الأندلس وبواسطة المعاملات التجارية والرحلات والسفارات، دخلت هذه الأرقام إلى أوروبا وعرفت فيها باسم الأرقام العربية (Arabic Numerals).

كما أن العرب المسلمين واضعو الرقم صفر، ولأهميته العددية أطلق لفظ “سيفر” (Cipher) على الرقم بالإنجليزية، وكانوا يرسمونه على هيئة حلقة في داخلها فراغ (0)، وهو شكل أصبح يدل على الصفر لدى الغرب. ومنشأ ذلك أن المسلمين القدامى كانوا يرسمون الصفر حلقة.

أحمد محمد بن موسى الخوارزمي (164-232هـ / 780-847م)، ولد في بلاد خوارزم  بآسيا الصغرى، وتوفي ببغداد. برز في عصر المأمون، وتبوأ منزلة رفيعة بين علماء عصره، ثم صار رئيسًا لدار الحكمة وواحدًا من كبار الفلكيين بمرصد بغداد. وفي عهد الواثق كُلف ببعض المهام العلمية وأُنفذ في بعض البعثات العلمية والمهام الخاصة.

إنجازات الخوارزمي العلمية

للخوارزمي بحوث ومؤلفات في العلوم الرياضية (الحساب والجبر والهندسة)، وعلم الهيئة (الفلك)، والجغرافيا. وينسب للخوارزمي أكثر من خمسين مؤلفًا ضاع معظمها.

كتاب غير مسبوق في الحساب

نقل الخوارزمي نظام الأعداد الهندية وألف فيه، كما ألف كتابًا غير مسبوق في الحساب (الجمع والطرح وفن الحساب الهندي) بوّبه بطريقة مبتكرة، وكان أول كتاب في الحساب يدخل أوروبا بعد أن ترجمه المترجم الإنجليزي “أديلارد الباثي” (1070-1135م) (Adelard Bath) الذي كان يعمل مترجمًا للأمير “هنري” (الملك هنري الثاني فيما بعد). وقد ظل هذا الكتاب مرجعًا للعلماء والتجار وأهل صنعة الحساب في أوروبا قرونًا طويلة. وأطلق الأوروبيون على الكتاب اسم مؤلفه الخوارزمي، وكتبوه محرفًا إلى عدة صور منها:

Guaresmo Algorithm – Algoritmi – Algorismus. وقد عمّم هذا اللفظ على علم الحساب نفسه، فصار -ولعدة قرون- يعرف باسم Algoritmi.

الجبْرُ علم إسلامي

الجبر علم عربي إسلامي خوارزمي -نسبة إلى الخوارزمي- خالص، فمؤسس هذا العلم -كعلم مستقل عن الحساب- هو الخوارزمي بوضعه كتاب “الجبر والمقابلة”، والحافز على تأليف هذا الكتاب تطبيق العلم على قوانين الشريعة الإسلامية لحل مشاكل الإرث الإسلامي. فجزء كبير من الكتاب مخصص لتلك المشاكل. والخوارزمي هو الذي أطلق عليه هذا الاسم الذي يعرف به في كل اللغات تقريبًا نسبة إلى تسمية كتابه الجبر والمقابلة، وغلب اللفظ الأول على اسم هذا الوليد فصار يعرف به.

ومن الغريب أن بعض مؤرخي العلم الغربيين الذين هالهم أن يجتمع لعالم عربي مسلم واحد هذا الكم الكبير من الإنجازات، ردوا لفظ الجبر إلى الاسم “Geber” الذي هو تحريف لاتيني لاسم الفلكي الأندلسي جابر ابن أفلح الأشبيلي، وهو خطأ مضحك، لأن جابرًا عاش بعد الخوارزمي بقرنين.

على هذا النسق، حاول بعض علماء الغرب إهمال دور المسلمين في بناء الإنسانية، الذي اتخذ صورًا شتى وصيغًا مختلفة ما بين تجاهل للعلم العربي الإسلامي أو التهوين من شأنه، إلى غير ذلك من الصور والصيغ التي تصب في مجرى واحد لا تتعداه، وهو إسقاط مآثر الحضارة العربية الإسلامية في مجال العلم، الأمر الذي انعكس بالتالي على الفكر الغربي ومن ثم أدبيات الخطاب الإعلامي الغربي حيال العلماء العرب والمسلمين.

وبالعودة إلى كتاب “الجبر والمقابلة” للخوارزمي يجدر القول إن الجبر قام على التزاوج بين نظام الأعداد الهندية وقواعدها، ونظريات الهندسة. فنشأة هذا العلم أحدث ثورة هائلة في كل العلوم الأخرى. وكان ذلك يتطلب عبقرية فذة؛ لأن الرموز الجبرية لم تكن مستخدمة بعدُ، لذا استخدم الخوارزمي بدلاً من “س” و”ص” كلمة “شيء” أو “جذر”، وبدلاً من مربع المجهول “س2” كلمة “مال” فقال مثلاً: مالان وعشرة جذور تعدل ثمانية وأربعين درهمًا، للتعبير اللفظي عما نكتبه نحن بلغتنا الحديثة: 2س2 + 10س=48.

وقدم الخوارزمي في كتابه “الجبر والمقابلة” حلولاً من الدرجة الثانية بطرق هندسية.

المعادلة من الدرجة الثانية هي المعادلة التي تتخذ الصورة العامة: أس2 + ب س + جـ=0، مثل: 2س2 + 4س + 3=0، وهذا في مقابل المعادلة من الدرجة الأولى التي تسمى أيضًا بالمعادلة الخطية، وتتخذ الصورة الرياضية العامة: أس=ب، مثل: 2س=3.

كذلك أوجد الخوارزمي رموزًا للجذور والمربع والمكعب والمجهول.

كما خصص الخوارزمي أحد أبواب كتابه “الجبر والمقابلة” لمعاملات البيع والشراء المختلفة وما يكتنفها من عمليات حسابية. كما خصص بابًا آخر للمساحة حلّ فيه المسائل الهندسية بالطرق الجبرية، وبابًا ثالثًا للوصايا تناول فيه مسائل عملية تختص بالتركات والمواريث.

ولأهمية كتاب “الجبر والمقابلة” قام بترجمته الإنجليزي “روبرت التشستري” (Robert of Chester) إلى اللاتينية عام 1143م، ليصبح من أهم روافد النهضة العلمية الأوروبية. وحققه ونشره بالعربية العالمان المصريان الجليلان “علي مصطفى مشرفة” و”محمد مرسي أحمد” عام 1937م عن المخطوطة المحفوظة بالمكتبة البودلية في أكسفورد بإنجلترا.

حساب المثلثات (الهندسة)

درس الخوارزمي حساب المثلثات وبحث فيه، ونشر أول جداول مثلثية عربية تناول فيها الجيوب والظلال. وقد ترجمت هذه الجداول إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي.

علم الهيئة (الفلك)

شارك الخوارزمي في قياس محيط الأرض، الذي تم في عهد الخليفة المأمون تحديدًا في العام 212هـ/827م، وهو القياس الذي تم بطريقة فلكية اعتمدت على انقسام لجنة العلماء المكلفة به إلى فريقين، اتجه أحدهما شمالاً والآخر جنوبًا على نفس خط الطول، ثم قام كل فريق بتحديد خط العرض في الموضع الذي بلغه عن طريق قياس ارتفاع النجم القطبي، ومن القياسين الحاصلين قام العلماء بحساب الدرجة القوسية التي استخدمت بدورها في حساب محيط الأرض ونصف قطرها. حيث تم تحديد محيط الأرض بنحو 41248 كيلو مترًا، وهي أدق محاولة تقترب في نتيجتها من ما توصل إليه العلم الحديث. كما وضع الخوارزمي جداول فلكية، منها السند والهند والصغير. كما صنف في الفلك مؤلفات هامة، منها كتاب العمل بالأسطرلاب، وكتاب جدول النجوم وحركاتها.

تأليفه في الجغرافيا

في الجغرافيا ألف الخوارزمي كتاب صورة الأرض، كما ألف أيضًا كتاب تقويم البلدان. وتقول دائرة المعارف البريطانية عن الخوارزمي: “رياضي وفلكي، ألف علمين جوهريين أحدهما في الجبر، والآخر في الأرقام الهندية العربية، وكانا واسطة في تعريف الرياضيات الأوروبية بهذين الموضعين”.

وتقول المستشرقة الألمانية “زيجريد هونكه” (Z. Honke): “لقد كُتب للخوارزمي الخلود بتأليفه كتابين هامين في الرياضيات؛ الأول الجبر والمقابلة، والثاني كتاب في الحساب؛ شرح فيه طريقة استخدام نظم الأعداد والأرقام والجمع والطرح والضرب والقسمة وحساب الكسور”. وقد ترجم الكتاب الأول إلى اللغة اللاتينية في عام 1143م.

 

(*) باحث في التراث العربي والإسلامي / مصر.