الثقافة الإسلامية وثقافة العولمة

الثقافة تمثل نظامًا اجتماعيًا وأخلاقيًا وسلوكيًا بعاداته وتقاليده، بالإضافة إلى المظاهر الدينية والفكرية والفنية التي تميزها؛ أي أنها مجمل للنشاط الإنساني في كل ميادين الإبداع، والثقافة الإسلامية من أهم الثقافات لأن جذورها نبعت من ثوابت العقيدة، والقصائد الشعرية، وكانت عبقرية اللغة تعكس بوضوح الأفكار والمشاعر الاجتماعية، ومن هنا كانت مكونات الثقافة الإسلامية: اللغة العربية والإسلام، وثوابت العقيدة التي اهتمت بالبعد الثقافي وتفعيل رؤى التوجه الصحيح.

تعتبر اللغة هي الوعاء لكل العلوم، وأداة للفهم والتعبير، لكون اللغة تؤثر على العقل عن طريق الشعور بحكمتها وأدبها ونثرها وشعرها وقصصها، والإنسان يكتسب نحو 90 % من تجاربه ومعارفه ومعلوماته عن طريق حاستي السمع والبصر، وثوابت العقيدة تدعو للتطور الإنساني، ولو نظرنا بتأمل لملامح الرؤية الثقافية اليابانية، نجد فكر تعليمي يدعو لتشغيل العقل، مع الإلمام بالمعارف والعلوم المتطورة، ولكل مجتمع بعد ثقافي وتعليمي، ومن المؤلم أن نرى مستوى الثقافة الإسلامية مع الأجيال الناشئة تمر بمخاض عسير، وهناك ثقافة العولمة تغزو العقول، والعولمة لها أوجه متعددة منها: العولمة الاقتصادية التي أنتجت أنماطًا لنمو الاستهلاك مع اتساع حركة الأسواق، وزيادة التنافس بين الدول، وانتشار الشركات الكبرى متعددة الجنسيات، أما العولمة الثقافية فهي طرحت جملة من المفاهيم المتعددة ومنها لا يتفق مع ثوابت العقيدة، وهي تهدف مباشرة لنقل الأفكار والقيم والعادات والثقافات المختلفة لكل دولة بهدف تعزيز العلاقات بين هذه الدول، وتهدف العولمة الثقافية إلى تقديم أفكار معينة لتغيير المستوي المعيشي مثل الوجبات السريعة، خاصة الأمريكية والتي لاقت انتشارًا عربيًّا منذ عقود مضت، وتلك الوجبات تتصف بالعادة بجودة أقل، لأنها مشعبة بالدهون والزيوت، ولها الكثير من الخطورة على صحة الإنسان، وهي تؤدي لزيادة الوزن وانتشار السمنة، لأنها لا تحتوي على الألياف والمعادن المهمة التي يحتاجها الإنسان، كما أن تلك الوجبات السريعة تؤدي إلى عسر في الهضم، وأضرار أسرية بعدم تجمع الأسرة على مائدة واحدة.

 الثقافة عطاء وإبداع وإنتاج، وهدف الثقافة تنشئة جيل يدرك قضايا مجتمعه ورسالته الإنسانية في دورة التطور والنمو والتنمية البشري

لو نظرنا لهدف ثقافة العولمة لوجدنه هو التأثير على هوية البلدان الثقافية ومنها لغتها القومية، والعولمة تعرف على أنها تكسب الأشياء المختلفة صفة العالمية، ولها الكثير من الآثار السلبية التي أصابت بلدان الأمة العربية والإسلامية، وهي لا تنظر للدين والقيم والأخلاق والعادات والتقاليد، والمجتمع المسلم واقع داخل منظومة عالمية تؤثر وتتأثر بخطوطها ومنها: البلدان النووية، واتفاقية الجات، والدول السبع الكبار، والشركات العملاقة متعددة الجنسيات، وشركات الدعاية والإعلام، وقوة الأمة العربية والإسلامية تتشكل من الثقافة والعلم، ولا يجب تجاهل الثقافة العلمية وهناك ثورة الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا، ومن هنا هناك صراع بين عالمين صناعي ونامي، ومنتج ومستهلك، وفكر يبدع ويحقق تقدمه، وفكر لا يملك المحافظة على هويته، لذا فإن فكر العولمة يصب في خانة الأقوياء.

الثقافة عطاء وإبداع وإنتاج، وهدف الثقافة تنشئة جيل يدرك قضايا مجتمعه ورسالته الإنسانية في دورة التطور والنمو والتنمية البشرية، ومن هنا نطرح التساؤل: ما هي آليات الثقافة الإسلامية من أجل مواجهة ثقافة العولمة؟ والعقل المسلم بحاجة لثقافة ترتبط بمعادلة النهوض الاجتماعي والاقتصادي والتربوي والتعليمي؟ وهل المحاور الثقافية الإسلامية تمتلك خطة ثقافية راسخة قادرة على استيعاب المشروع الحضاري الإسلامي؟ وهل نسيج الثقافة الإسلامية تشكل حصنا متينا لبلورة الشخصية السوية في حركة بلدان الأمة، وما تزال الكثير من بلدانه تعاني من ضعف الاقتصاد، وضعف التعليم، وضعف التنمية البشرية المستدامة، وهزل الإعلام الذي يفتقد آليات الفكر، ونشر الوعي.

الثقافة الجادة تحقق وجودًا يضاف لميلاد الإنسان، وميلاد الإنسان يحمل ميلاد الكلمة، والكلمة تتشكل منها أمن وأمان، ومن الكلمة والفعل تتشكل مواقع قوة

الثقافة الإسلامية تمتلك المنهج الوسط لنشر الثقافة التي تدعو لاكتشاف سنن الكون، والتوازن بين المادة والروح، والعقل والنقل، والفرد والجماعة، والمثالية والواقعية، ومنهج الوسطية يهدف لنشر التراث اللغوي والأدبي والتشريعي والعلمي، خاصة أن الواقع الإسلامي يعاني من الجنوح والإفراط والتقليد، وحركة عالم اليوم تموج ببناء اقتصادي ومعرفي وعلمي، والثقافة سبيل للنظر للطبيعة، بل واكتشاف المعرفة العلمية لتفعيل نشاط الإنسان فيما هو أهم وأشمل وتفجير الطاقات والمهارات، والعلم يشكل ميلادا للإنسان المتجدد والمتطور، والعمل يخلق القوي الصناعية والتكنولوجية والتقنية، وحركة المجتمع المسلم بحاجة لوعي ثقافي، وفكر إبداعي بين كيان المجتمع والإنسان في آن واحد، والعمل هو أكثر الأشياء التصاقًا بحياة الإنسان، وفي بطاقة الهوية لأي إنسان بيان عن نوع العمل ضمن بطاقة الهوية، وغياب العمل الجاد، غياب عن الجوهر الإنساني، وغياب عن إثبات الوجود والفاعلية.

فالثقافة الجادة تحقق وجودًا يضاف لميلاد الإنسان، وميلاد الإنسان يحمل ميلاد الكلمة، والكلمة تتشكل منها أمن وأمان، ومن الكلمة والفعل تتشكل مواقع قوة، ومواقع ضعف، ومن هنا المجتمع المسلم في أمس الحاجة للأمن الثقافي، والأمن الثقافي يحفظ لحركة المجتمع خصائصه وتقاليده وعاداته وأفكاره، ولأداء رسالته التاريخية، والثقافة الجادة هي القادرة على الأخذ والعطاء والحوار البناء، والأمة تمتلك لغة لها مكانتها في الفعل الثقافي تأليفًا وإبداعًا وتوزيعًا، ووحدة اللغة، تحقق وحدة التفكير، ووحدة التفكير تحقق وحدة المجتمع، ومن هنا وجب الاهتمام باللغة العربية كوسيلة اتصال وإعلام وتربية وتثقيف وتعليم، والصراع الحضاري في الألفية الثالثة بين الأم والشعوب، صراع فكري وثقافي حيث الأفكار والعلوم والثقافة أصبحت تجدد كل يوم، والعقل المسلم ليس أضعف من عقل الأخر، وهو عقل يمتلك ذكاء قدرات، لكنه بحاجة لمن يأخذ بيديه، وحينما هبطت الثقافة الإسلامية، هبطت المعنويات، وأصبح الجيل المسلم المعاصر يقرأ ويطالع محاور ثقافية هزيلة منها: أخبار الفن، والرياضة الكروية، ومشاهدة المسلسلات، بل والأفلام، إلخ، ومن هنا عجز العقل المسلم عن مجاراة علوم وأفكار العصر، بل عجز عن التأمل والتفكر، وتعمق الخواطر والرؤى، وللثقافة معايير أخلاقية واجتماعية، ولكل فعل ثقافي إطار اجتماعي لتشكيل قيمة تعبيرية، ومشاعر أخوية وإنسانية، ووظيفة الثقافة لا تتشكل في إنتاج سلع مادية قياسية بل تتعامل مع العقل الإنساني، لأن الثقافة تقدم الفكر للإنسان، وتدعم المهارات الحركية، وأداء العمل، وتحقيق الفهم لقضايا المجتمع، بل والإعداد لامتلاك قدرات مستقبلية، والثقافة محور إن أحسن صياغة أهدافها الجادة، لامتلك المجتمع العربي نماذج تمتلك الولاء. والإيثار، والتضحية، والانضباط الإنساني، والثقافة ترسم ملامح المستقبل، في زمن تتسارع فيه الخطي، والثقافة الإسلامية تختلف عن ثقافة العولمة ولها بعد روحي يهذب النفوس، ويطهر الفؤاد، ويغذي القلب والعقل والقيم السامية، وهي: قيم المحبة والمودة والبر والتقوى، ومن تلك الأبعاد الحضارية نجد أن الثقافة الإسلامية تمتلك مخزونا تاريخيا من حيث الثراء والتنوع، وقوة البلدان اليوم أصبحت تقاس بالقوي العلمية والتكنولوجية واستغلال المهارات الفردية والجماعية.