إنّ انتشار الظلمة في سماء أمتنا، واشتعال أوار الفتنة في معظم ربوعها، لا يعفي من أمانة بيان الحق، ومسؤولية التمسك بمعالم الاهتداء، والعض على الكلمة السواء.. هذه الأمانة كانت -وما زالت- ركيزة أساسية قامت عليها مجلة حراء منذ عددها الأول بمقالاتها التي سطرتها نخبة من العلماء والمفكرين. ويأتي الأستاذ فتح الله كولن في هذا العدد، ليؤكد مرة أخرى على مسؤولية التمسك بمعالم الاهتداء؛ حيث يشير في مقاله الرئيس إلى مَعْلَم حياتي في دنيا الإنسان هو “الفؤاد”. وقد بيّن كولن أن القيم الإنسانية كلها نمت وترعرعت في وديان الفؤاد، وأن الإيمان والعشق والأذواق الروحانية كلها هي ثمرات في بستان هذا الفؤاد، منوهًا بأن الذين يسيرون في طريق الفؤاد ويحلِّقون بقلوبهم، لا يعرفون الظلام ولا يتعثرون بشيء أبدًا.
وفي عالم الخيال يأخذنا “أحمد مصطفى الغر” إلى الماضي ليعرّفنا بثلة من المهتمين بالخيال العلمي، الذين تحوّلت أفكارهم وخيالاتهم فيما بعدُ إلى واقع وحقيقة؛ ففي مقاله “خيالات الماضي حقائق الحاضر” يركّز “الغر” إلى الخيال العلمي الذي بات يتأطر في إطارات علمية جديدة، ويتم النظر إلى أدبيات الخيال العلمي على أنها تحمل وجهات نظر فلسفية وآنوية لنظريات علمية واختراعات تكنولوجية قد تتحقق مع الوقت.
وأما “محمد الصادقي العماري” في مقاله “في تدبير الاختلاف الإنساني”، فيشرح الصلة الوثيقة بين العدل والتعارف والتعاون الإنساني، مؤكدًا على أنه لا تعاون حقيقي بدون تعارف، بل لا يقوم التعاون الإنساني ولا يثمر إلا على أساس التعارف الإنساني.
وعن الارتباط الوطيد “بين المحن والمنح”، تحدثنا “سعاد محمد اشوخي” عن الأمل وإبقائه حيًّا دائمًا في دواخلنا. وفي مقاله “الفلسفة بين الوجود والعدم” يكتب “سعيد السلماني” أن نمط التعبير الفلسفي عند فلاسفة الإسلام، يختلف جذريًّا عن نمط فلاسفة اليونان، وأن فيه من الغنى والسعة والاختلاف ما نجده عند أساطين الفكر في كل الحضارات الإنسانية.
وكعادته في باب العلوم يواصل “محمد السقا عيد” بمقالٍ غاية في الأهمية؛ حيث يعرّفنا بمرض خطير يصيب العين بالعمى تدريجيًّا دون أن يشعر صاحبه يسمى “الجلوكوما”، ويشير إلى أن الوقاية من هذا مرض، لا تتم إلا بإجراء فحص دوري كل خمس سنوات لكل من تجاوز الأربعين سنة من العمر.
كما يستعرض “مجيد الحداد” رؤية الثقافة الإسلامية الحضارية للعمران، ونماذجه وأسسه التي ارتكز عليها، وقيمه التي اعتمدها، معبّرًا عن ذلك في مقاله المعنون بـ”العمران أسمى وظائف الإنسان”.
وفي مقال متميز “كلمة السر في الرؤية التربوية للأستاذ كولن” تتناول “باربرا ويد” جملة من أفكار كبرى لا ينبغى تجاوزها هي الرؤية التربوية للأستاذ كولن التي تحتاجها الإنسانية كلها.
وبعدُ.. فإن “حراء” تعتذر لأساتذتها الكرام الذين لم يسعفنا ضيق المساحة للتنويه بمقالاتهم التي تبقى مهمة في تشكيل الإطار العام لهذا العدد، والله ولي التوفيق.