أيقونة إيفا

ولدت “Eva de vitray-Meyerovitch” في عام 1909 في عائلة أرستقراطية فرنسية، اهتمت منذ البداية بالمسائل الصوفية بعد حصولها على إجازة في الحقوق، وقد جذبها إلى الإسلام روحانياته العالية وخصوصًا طابعه الكوني.

قامت إيفا بترجمة أعمال عديدة عن الإسلام لا سيما أعمال مولانا جلال الدين الرومي الشاعر الصوفي باللغة الفارسية، فقد اشتغلت على ديوانه المثنوي عشر سنوات كاملة، والذي كان موضوع أطروحة الدكتوراة التي قدمتها في جامعة السوربون وكذلك الفيلسوف الباكستاني محمد إقبال.

وبعد أن اعتنقت”Eva” الإسلام عملت في المجلس الوطني للبحث العلمي الذي أوفدها لاحقًا إلى جامعة الأزهر الشريف، وقد عملت كأستاذة محاضرة هناك، أقامت دوفيتري مييروفتيش طويلاً في تركيا التي كانت تعتبرها وطنها الثاني، وكانت عضوًا مؤسسًا ونائبة رئيس الجمعية الفرنسية (الإسلام والغرب) التي تهدف إلى التقريب بين الشرق والغرب، ومن أعمالها (الإسلام، الوجه الآخر) و(الصلاة في الاسلام).

بعيد جلسة الشروق هذا الصباح، أنهيت بعض أذكاري ولا أدري لما حضرت في ذهني بقوة، وهي التي عشقت دومًا أشعار الروح ورقصة الدراويش، أخذت هذا الدرويش ومسحت عنه بعض الغبار العالق به وقررت أن أقيم حفلة صباحية على شرف Eva بعد أن أهديتها ثواب الفاتحة مع الصلوات، وضعت كتابها ووضعت أمامه هذا الدرويش وجعلته يرقص تخليدًا لذكراها ولروحها الطاهرة، سيرة هذه السيدة النبيلة أصلاً وسلوكًا أثرت في كثيرًا، فهي حقًا قمة من قمم الجبال الأخلاقية، أعرف أسرارا عن أسرارها، لكن السيدة التي عاصرتها وأخبرتني عن ذلك أخذت علي العهد أن لا أبوح بشيء وهو ما سوف ألتزم به..، لكنها فعلاً كانت ذات أحوال وأسرار ومواجيد، صدقوني.. أما رقصة الدراويش فسوف آتيكم بخبرها، حين يرفع الدرويش يمناه إلى السماء ويخفض يسراه إلى الأرض.. فهو يقول بلسان الحال والوجدان الراقص..نأخذ من الحق ونهدي للخلق، ولا نبقي لأنفسنا شيئا! وكذلك كانت “Eva”.

إن من أكثر الآيات التي تنساها وخانها من يتبنون فكرة الجهاد من أجل نشر الإسلام هي النص الصريح من غير تلميح المتجلي في قوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(الآية 256) من سورة البقرة، فلو اكتفى هؤلاء فقط بالهداية عوض الدعاية، وبالاجتهاد في تمثل الإسلام وقيمه عوض الجهاد في نشره – كما يتوهمون – لكنا جميعًا سنربح نماذج على شاكلة إيفا، نماذج تعيش تدينها بنشوة الروح ولذة الإلتزام المتسامح المنفتح على كل الوجود، من خلال المدة التي عشتها في الغرب ومن خلال لقاءاتي مع الإخوة والأخوات الذين اعتنقوا الإسلام قادمين من ديانات وثقافات أخرى حاملين معهم خلفيات حضارية ورؤية ليست بالضبط هي ما نفهمه نحن وهذا من حقهم، صرنا من دون أن ندري، نلزم الناس بما لم يلزمهم به الله العظيم ورسوله الكريم، لأننا كثيرًا ما نخلط بين الدين الإلهي والنبوي وبين ثقافة الشعوب التي سبقت إلى الدخول في الإسلام وكذلك مع ما نفهمه نحن من النصوص، متناسين تمامًا أو متجاهلين أن بين النص والواقع هناك مساحة كبيرة تركها الحق عز وجل للتجربة الإنسانية.

نعم إن عالمية الدين هي من هذه الزاوية بمعنى لكل الشعوب الحق في التكيف مع العقيدة وتكييفها مع واقعها، وللأسف الشديد هذا هو الدرس الذي لم يفهمه حتى الآن من أراهم أصيبوا بداء الإقصائية أو الإنسان ذو البعد الواحد وهذا امتداد لمدرسة: (قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) (29) سورة غافر.

يجب أن نتخفف من أوهام الوصاية على العالم ولعب دور الأستاذية المغرورة، وأن نؤمن صادقين بالتعدد والتجدد لا بالتعصب والتجمد، فهذا الدين العظيم كفيل بالتعبير عن نفسه لو وجد قلوبًا طاهرةً تحمله غضًا طريًّا كما أنزل، كأني أسمع صوتك أيها الإسلام العظيم تردد كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خلوا بيني وبين الناس.. ليتهم يفعلون..”.