ببالغ الحزن والأسى تودِّع حراء المفكرَ والكاتب الكبير “أديب إبراهيم الدباغ” إلى جوار ربه في ٣١ مايو ٢٠١٧. تودعه بدموع حرّى وقلوب مكلومة. فالكاتب عمود المجلات وعقلها المحرك وروحها النابض. وكذلك كان الأستاذ أديب؛ لقد كان واحدًا من أسرة حراء منذ عددها الأول، يغذيها بروحه ويمدها بأفكاره ويبعث فيها الحياة بمقالاته المتميزة. وقراء حراء يعرفون الأديب الأريب رحمه الله جيدًا، فهم يقرأون له منذ ستين عددًا.
لقد رحل أديبنا إلى جوار ربه في ظروف أليمة مريرة بالنسبة لمجلة حراء وأسرة حراء والمتعاطفين مع رؤية حراء في تركيا والعالم العربي والإسلامي. وإننا نعتبر فقيدنا الراحل من شهداء المحنة التي تعيشها حراء ورائدها الكبير الأستاذ فتح الله كولن بدءًا من عام ٢٠١٣ حتى اليوم. فنسأل الله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه الفردوس الأعلى.
فمن هو الأستاذ أديب الدباغ؟ ما سيرته الفكرية؟ كيف كان يرى العالم؟ في هذا العدد تقرؤون حوارًا سبق أن أجراه نوزاد صواش مع الفقيد قبل عام، وكذلك تجدون مقالاً للدكتور ناصر سنه عنه -رحمه الله- بعنوان “أديب الدباغ مداد مثمر”. بالتأكيد لن تنقطع حراء عن نشر تراث أديبنا الكبير، فهو يعيش معنا من خلال أفكاره الحية، فالموت قد يغيّب بدنه من بيننا، أما أفكاره فهي خالدة لا تموت.
في المقال الرئيس من هذا العدد يعود الأستاذ فتح الله كولن لينقش بإلحاح ملامح الإنسان المؤهل لإخراج الأمة -وكذا البشرية- من أزماته المؤلمة، فيراهن على الإنسان والإنسان فقط حيث يقول: “لا ينجز الأفكار العظيمة والغايات السامية والمشاريع العالمية الكبرى إلا عشّاق متيّمون فاضت صدورهم بأشواق أخروية غامرة، وتمرّسوا التحليق في الأعالي دومًا وبنَفَس طويل، وغذوا السير في الدرب دون أدنى تخفيف لسرعتهم، ورابطوا في مواقعهم بثبات لا يعرف الفتور”.
أما الدكتور عبد الإله بن مصباح فيطرح موضوع “كروية الأرض بين معطيات العلم وإشارات القرآن” طرحًا عميقًا ويطلعنا على مقاربات جديدة. وفي مقاله “كيف نصنع الإنسان المنتج؟” يتطرق العالم والمفكر من السنغال الدكتور طاهر فال إلى مفهوم الإنتاج، وأسباب ضمور الإنتاجية في عالمنا الإسلامي، وشروط الإنتاجية المنشودة. أما الأستاذ عز الدين عناية فيتحدث في مقاله “المثقف العربي في الغرب” عن أهم المشاكل التي تواجه المثقف العربي الذي يعيش في ديار الغرب والدور الذي يمكن أن يلعبه في بناء ذاتنا الحضارية في الغرب، وفي تحقيق الاندماج المطلوب هناك، وكذلك في تجسير الهوة بين العالمين الغربي والإسلامي. أما الدكتور إدريس مقبول فيطرح موضوعًا طريفًا في مقاله “السنة النبوية وعلم المستقبل”، ويجيب على تساؤلات عديدة من قبيل: هل رسمت لنا السنة النبوية معالم واضحة قراءة المستقبل؟ هل يمكن أن نخرج من السنة النبوية علما يمكننا من استشراف المستقبل؟ والدكتور العطري بن عزوز يلفت أنظارها إلى تصنيف العلوم والإشكالات التي تتمخض عن الفشل في هذا التصنيف، وينبه إلى ضرورة تصنيف العلوم وفق المعرفة المتكاملة. وفي مقال “أزمة القيم في عصر الإعلام” ينبه الدكتور محمد جكيب إلى أهمية القيم في وسائل الإعلام وضرورة تفعيلها في تلك الوسائل حتى تقوم بدورها الإيجابي المطلوب منها. بالإضافة إلى مقالات أخرى شيقة ومفيدة تجدونها في صفحات حراء. وبالله التوفيق.