أحسن الخلق خَلقا وخُلقا

جمال الإنسان يجذب كل إنسان إليه و يحس الناس علاقة خاصة مع رجل حسن الوجه والصورة. و إذا كان أحد مالكًا للحسن والجمال مع حسن الخُلق فلا حاجة إلى بيان فضيلته و شرفه ، فله الشرف والكرم و له حفلات تكريمية و إحسانات إنسانية في بلده و يتردد صيته في أرجاء المعمورة. هذا شأن رجل عام في الدنيا، فما يكون شأن حبيبنا و نبينا و قرة أعيننا و ثمرة فؤادنا صلى الله عليه وسلم ؟ فهو سيد الأولين و الآخرين و خاتمة المرسلين و إنه بلغ مبلغًا لا يمكن لمخلوق أن يبلغه لا في هذا العالم ولا في أي كون، إن جماله و حسنه صلى الله عليه وسلم قد أباد ضوء كل جميل و نور كل حسِين و إليه ينتهي الحسن و الجمال. كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ربعة من القوم، لا بائنًا من طول ولا قصيرًا، أبيض اللون مشربًا بالحمرة، أدعج العينين، مفلج الثنايا، دقيق المسربة، أزهر الجبين، واضح الخد، أقنى الأنف، كأن عنقه إبريق من فضة، ظاهر الوضاءة، يتلألأ وجهه تلألوء القمر، شثن الكفين، مسيح القدمين، واسع الصدر من لبته إلى سرته، وله شعر يجري كالقضيب ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، أشعر الذراعين والمنكبين، لم يبلغ شيبه في رأسه ولحيته عشرين شعرة، ضحم الكراديس، أنورالمتجرد، إذا مشى كأنه ينحط من صبب وإذا التفت التفت جميعًا، بين كتفيه خاتم النبوة كأنه زر خجلة، أو بيض حمامة لونه كلون جسده، أبلج الوجه حسن الخلق، في جبينه زجج و في عينه دعج وفي عنقه سطع و في لحيته كثافه، إن صمت فعليه الوقار وإن تكلم سما وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنهم وأكملهم من قريب، كأنما منطقه خرزات نظم يتحدرن.

مدحه أنس بن مالك رضي الله عنه فقال: “مارأيت من ذي لمة سوداء في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم.” و قال جابر بن سمرة رضي الله عنه “رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة أضحيان و عليه حلة حمراء فجعلت أنظر إليه وإلى القمر فلهو عندي أحسن من القمر” وروي عن ابن عباس قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلج الثنيتين إذا تكلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه.” بل ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في “البداية والنهاية” أن حسانًا رضي الله عنه أول ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ورجع إلى قومه، سألوه أن يهجوه لهم فقال:

لمــــا نظرتُ إلــى أنــــواره ســطعــت…….وضعتُ من خيفتي كفي على بصـــري

خـــوفا على بصري من حسن صورته…….فلســت أنظـــره إلا علـــى قـــــــــدري

لَنْــوار من نـــوره في نـــوره غـرقــت…….والـــوجه منه طلوع الشمـــس والقمــر

روح من النـــور في جــسم من الـقــمر…….كــحلة نســـجت بالأنـــجــم الــــزهُـــر

ولكن لما وفقه الله تعالى الإسلام فصار شاعر النبوة و مدح النبي صلى الله عليه وسلم بكلمات رائعة فقال:

و أحسن منك لم تر قط عيني…….وأجـمل منك لم تلـد النســـاء

خلقـت مبرأ من كــل عيـــب…….كــأنك قد خلـقت كـما تشـــاء

ولما رأت صواحبات زليخا حسن نبينا يوسف عليه السلام قطعن أصابعهن و أيديهن ولكن مدحت عائشة رضي الله عنها نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم فقالت:

لــواحى زليــخا لو رأين جـبـينـــــه … لآثرن بالقطع القلــوب علــى الأيدي

ولو سمعوا في مصر أوصاف خـده … لما بذلوا في سوم يوســف مــن نقــد

 

أما خُلقه عليه الصلاة والسلام قال الله تعالى:(لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) (سورة الأحزاب، الآية 21). فإنه كان يتعامل مع الناس بقدرات أخلاقية ملك بها قلوبهم. كان يقابلهم بالوجه الحسن المبتسم، و يكلمهم بأسلوب هادئ رزين، ويشاركهم في أفراحهم وأتراحهم، وكان يعامل الصحابة جميعًا معاملة واحدة حتى يظن أحدهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعامل أحدًا بمثل ما يعامله من الرفق و اللطف. كان أحسن الناس خُلقًا و خَلقًا، يعطي من حرمه و يعفو عمن ظلمه ويصل من قطعه ويحسن إلى من أساء إليه.

قال عبدالله بن عمرو: “لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشًا ولا متفحشًا” (متفق عليه). وقال أنس رضي الله عنه: “خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أٌف، ولا لما صنعت، ولا ألا صنعت” (متفق عليه). كان دائمًا لينًا هينًا رفيقًا متحملاً عطوفًا وهو الذي قال: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه و يده” فهو رحمة على جميع الخلق ولذا وصفه الله تعالى بالرحمة فقال تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) (سورة الأنبياء، الآية 107). و عندما قيل له أدع على المشركين فقال صلى الله عليه وسلم: “إني لم أبعث لعانا و إنما بعثت رحمة”(رواه مسلم). وكان من دعائه “اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا، فشق عليهم، فاشقق عليه، و من ولي من أمر أمتي شيئًا، فرفق بهم فارفق به”. وقال أنس رضي الله عنه: “بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه مه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”لا تزرموه، دعوه”، فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: “إن هذه المساجد لا يصلح لشئ من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكرالله، والصلاة، وقراءة القرآن” قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه(صحيح مسلم). وإن اليهود مروا ببيت النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم، فقال: و عليكم. فلم تصبر عائشة رضي الله عنها لما سمعتهم لأنها كانت تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم حبًا بالغًا لا كحبنا له بل أقصى غاية الحب، فقالت: السام عليكم و لعنكم الله و غضب عليكم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “مهلاً يا عائشة عليك بالرفق وإياك و العنف والفحش…….إلخ”(صحيح البخاري).

وأما كرمه، فقال جابر رضي الله عنه: “ما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن شيئ قط فقال: لا “(متفق عليه).وأظهر الله سبحانه تعالى خُلقه فقال: ” وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ “(سورة القلم، الآية 4). وكان إظهار هذا الخلق واضحا في بيته مع زوجاته وبناته، حيث كان يحدثهم بأطيب الكلمات وأرق التعابير، وكان يلاعبهم ويلاطفهم، ويدخل السرور إلى قلوبهم، و يعدل بينهم، قالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرًا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه. و تقول عنه أيضًا: كان بشرًا من البشر: يفلي ثوبه، و يحلب شاته، و يخدم نفسه. يفعل هذا وهو نبي الأمة و قائدها يريد أن يعلم أمته من بعده أن الإنسان مهما علا شأنه و إسمه يجب عليه أن لا يتكبر ولا يتجبر، بل يحافظ على تواضعه و حلمه، ومن أجل ذلك جعل الله تعالى محمدًا صلى الله عليه وسلم خير قدوة للأمة في تطبيق هذا الدين ليكون منارًا لها إلى يوم القيامة.

وأما تواضعه صلى الله عليه وسلم فكان يجيب دعوة الحر والعبد والغني والفقير و يعود المرضى و يدعو لهم، و كان أبعد الناس عن الكبر فكان يقول “آكل كما يأكل العبد و أجلس كما يجلس العبد”، وكان أيضا يكرر “لا تطروني كما أكرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله”(رواه البخاري). وهو الذي قال قولاً دل على تواضعه دلالة بينة على ذلك حينما قال “إذا كفى أحدكم خادمة طعامه حره ودخانه فليأخذ بيده فليقعده معه فإن أبى فليأخذ لقمة فليطعمها إياه”(سنن الترمذي). و لما سأل عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما عنه عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: “أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلنك شاهدًا و مبشرًا و نذيرًا، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو و يغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، و يفتح بها أعينًا عميًا و آذانًا صمًا و قلوبًا غلفًا”(رواه البخاري).

اللهم اجعل آخر كلامنا قول لا إله إلا الله و افتح أعيننا و آذاننا و قلوبنا، اللهم توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين…