“لقد عشنا حتى الآن على أمل قدوم هؤلاء الأبطال، وسنبقى في انتظار قدومهم ما حيينا”.
بهذه العبارة أنهى الأستاذ فتح الله كولن مقاله الرئيس المعنون بـ”عالم المسلمين”؛ ألقى فيه نظرة موسّعة على الحالة المزرية التي يعيشها عالم المسلمين منذ مدة ليست بالقصيرة على كافة المستويات، وشخّص الداء تشخيصًا دقيقًا.. ثم بين أن النجاة من هذه الوهدة السحيقة -التي سقط فيها هذا العالم- لن تتم إلا على أيدي أبطال ذوي مواصفات مخصوصة ذكرها تفصيلاً في المقال، وهؤلاء هم أبطال الأمل الذين تحيا الأمة في انتظار قدومهم.
ويتابع أديب الدباغ بريشة قلمه السحرية رسم صورة كلية للفرح الإنساني.. فبعد “أفراح القلوب” في العدد السابق، تأتينا “أفراح العقول” في هذا العدد؛ لتتجلى من خلالها الرؤية الكلية لفكر الأستاذ كولن قلبًا وعقلاً.
أما الذين قرأوا الحلقة الأولى من مقال “مفهوم الوسطية في تقويم الفكر واستقامة السلوك”، فهم على موعد في هذا العدد مع الحلقة الثانية من المقال للمفكر الكبير سعيد شبار، يُحكِم فيه المصطلحات ويبين الأسس الوسطية التي استقام عليها أمر هذا الدين.
لقد كان لابن سينا أياد بيضاء على الإنسانية في عالم الطب والصيدلة فضلاً عن شهرته العريضة في الفلسفة، أما تميزه في الكيمياء فجانب آخر من جوانب تميزه، يكشف عنها بركات محمد مراد في هذا العدد.
إن النظر في الأنفس والآفاق دعوة ربانية حضَّنا عليها القرآن الكريم، وتعمل “حراء” على تفعيلها واقعًا مسطرًا في أعدادها عبر سلسلة من المقالات المتميزة في هذا الصدد، منها في هذا العدد مقال يتأمل في حاسة الشم لدى الإنسان بعنوان “كيف يميز الأنف بين الروائح؟”، وآخر يتأمل في بعض مخلوقات الله من الطيور بعنوان “الزاحف والجزار” لعبد الهادي العوفي، فاقرأوا وتأمّلوا.
وكما عودتنا “حراء”، يطوف هذا العدد طوافًا واسعًا في آفاق الفكر، فإلى جانب مقال “الوسطية” السابق ذكره، نجد عبد الإله بن مصباح يحدثنا عن “التأسيس القرآني للوعي البيئي”. كما نجد عبد الوهاب بوخلخال يعدد لنا “المنهاج النبوي في بناء الشخصية الحضارية”. ويذكر لنا أيمن حسن حجاب بعضًا “معالم الحضارة الإسلامية”. ويصحح الشريف حاتم العوني الأخطاء التي يقع فيها النصوصيون الذين يطالعون النص مجردًا عن سياقاته الخاصة والعامة، وذلك في مقاله المعنون بـ”رد الاستدلال المجتَزأ إلى الاستدلال الشامل”. أما مصطفى الزباخ ففي قراءته لمنظومة الفكر النهضوي عند المفكر محمد فتح الله كولن -الذي وصفه بأنه مهندس البناء الحضاري للعالم الإسلامي بامتياز- فقد بيَّن أن مادة فكره ترتكز على ثلاثة أشكال من الوعي؛ هي الوعي بالخصوصيات، والوعي بالتحديات، والوعي بالاحتياجات. وفي مزيج ساحر بين الأدب والفكر يستعرض فؤاد البنا في مقاله “الفصاحة.. ظاهرة صحية أم مرضية” لوامع أفكاره في رداء عابق بشذى البيان والبراعة والإبداع، منافحًا عن ضرورة البيان ولزوم الفصاحة للمتصدرين للتبليغ والإرشاد.
ولم تنس المجلة نصيب قرائها من فنون الأدب -شعرًا ونثرًا وقصة- وقضايا الفن والثقافة والتاريخ والحضارة، هذا إلى جانب القضايا التربوية الأخرى التي تتناول مشاكل مناهجنا التعليمية، وتقترح لها عددًا من الحلول بغية الارتقاء بتلك المناهج.
وأخيرًا فالشكر لله أولاً على تواصل مسيرة “حراء” الفكرية والعلمية والثقافية والتربوية حتى هذا العدد، ثم لإسهامات نخبة الكتّاب والمفكرين والأدباء الذين أثروا أعدادنا بقرائح أفكارهم، وبنوادر آدابهم، وبطريف كتاباتهم، ثم لقرائنا الأعزاء من مختلف أنحاء العالم، الذين كانوا داعمين لنا على الدوام بالتواصل والتعليق والاقتراح.. فلهم جميعًا أبلغ الشكر وأوفى التقدير والاحترام. هذا وبالله التوفيق.